بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُ هُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَ ادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[1].
﴿وَهُوَ﴾، وَمَنْ غيره تعالى ﴿الَّذِي أَنشَأَ﴾، تكوينا بديعا ﴿جَنَّاتٍ﴾، البساتين تجن شجراتها حيث تلتف من فوق الأرض في فضائها ﴿مَّعْرُوشَاتٍ﴾، عرشها إنسانها كالأعناب، أم ربها كالنابتات الملتفّة بالأشجار، اغصانها متشابكة مع بعضها البعض من فوقها ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾، كسائر الأعناب غير المعروشة وسائر الأشجار دون عروش لها إنسانية ولا ربانية.
ومن غير المعروشات وهي المستقلة في قيامها ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا﴾، كلّ في أثمارها، في طعومها واشكالها وألوانها وسائر أقدارها، ﴿وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾، في هذه بعضها أو كلها.
﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾: من ثمر المنشأ بأمر الله، أو من ثمر ما ذكر دون اختصاص بالأخير وهو الرمان، إذ لا اختصاص له بسماح الأكل وإيتاء الحق، وحتى لو اختص بالأخير لكفى تدليلا على واجب الزكاة في الرمان نقضا لاختصاصها بالغلات الأربع.
والأمر بأكله إذا أثمر سماح له حيث الموقف موقف الحظر، لأن المنشئ لها هو الله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنشَأَ﴾، فهو المالك لها فلا يجوز الأكل منها إلاّ بإذنه، ثم ﴿وَآتُوا حَقَّهُ﴾، دليل على أن الفقراء هم شركاءهم فيه، فهذا محذور ثان للأكل منه قبل إيتاء حقه.
ولكنه تعالى رحمة منه، وتقديما لصاحبه على غيره في الأكل منه، يأمرنا سماحا ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾، الحاقا له بإيتاء حقه: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، وهو الزكاة المفروضة فقد ورد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: ((فِي اَلزَّرْعِ حَقَّانِ حَقٌّ تُؤْخَذُ بِهِ وَحَقٌّ تُعْطِيهِ قُلْتُ وَمَا اَلَّذِي أُوخَذُ بِهِ وَمَا اَلَّذِي أُعْطِيهِ قَالَ أَمَّا اَلَّذِي تُؤْخَذُ بِهِ فَالْعُشْرُ وَنِصْفُ اَلْعُشْرِ وَأَمَّا اَلَّذِي تُعْطِيهِ فَقَوْلُ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، يَعْنِي مِنْ حَصْدِكَ اَلشَّيْءَ بَعْدَ اَلشَّيْءِ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ اَلضِّغْثَ ثُمَّ اَلضِّغْثَ حَتَّى يَفْرُغَ))[2].
﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾، في الأكل من ثمره تجاوزا عن حق الأكل: العدل المعتدل، إسرافا في قدره فوق الحاجة، أم إسرافا في صرفه وإن قليلا في المعصية، أم إسرافا في إشراك الأصنام في الحرث والأنعام، ثم تقتيرا في التصدق منه.
كما ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾، في الإيتاء منه أن تؤتوا كلّه أو كثيرا منه بلا إبقاء لقدر الحاجة، أم في ترك الأكل منه كالعادة أم في إيتاءه لغير مستحقيه، أم في تقسيمه بلا تسوية بين المحتاجين قدر الحاجة، فكلوا منه عدلا وآتوا حقه يوم حصاده عدلا وفضلا ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، أيّا كانوا وفي أيّ كان وأيان.
وورد عَنْ هِشَامِ بْنِ اَلْمُثَنَّى قَالَ: ((سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، فَقَالَ: كَانَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ اَلْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ وكَانَ لَهُ حَرْثٌ وكَانَ إِذَا أَخَذَ يَتَصَدَّقُ بِهِ ويَبْقَى هُوَ وعِيَالُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَجَعَلَ اَللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ سَرَفاً))[3].
وهذه من غرر الآيات المعمّمة للزكاة على كافة الثمرات، وقد سبقت نظيرتها بفارق عدم التصريح بحقه يوم حصاده حيث استبدل عنه ب ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ...وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ..﴾[4]، حيث الأمر بالنظر يعم النظر المعرفي والمصرفي إيتاء لحقه يوم حصاده دون إسراف سلبيا أو إيجابيا.
وعليه فنجد أن النص ربط بين الكيفية التي ينبغي أن يفيد الإنسان منها في الثروتين الطبيعية والحيوانية (الزرع والأنعام)، وبين الكيفية التي صدرت عن المنحرفين في تلاعبهم بهذه المعطيات، مما يفصح مثل هذا الربط عن مدى إحكام السورة من حيث تلاحم جزئياتها بالنحو الذي لاحظناه.
[1] سورة الأنعام، الآية: 141.
[2] الكافي، ج 3، ص 564.
[3] الكافي، ج 4، ص 55.
[4] سورة الأنعام، الآية: 99.