بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
من الواضح أنه إذا كان في الكلام جهات عديدة وخصوصيات متعددة واشار القرآن الكريم في مقامات عديدة الى هذا الكلام وفصّل وبيّن الجهة المقصودة في كل مقام على حسبه واشار الى ساير الجهات اجمالا لتحفظ القضية وأن هذه الجهة في تلك القضية الخاصة وكذلك ساير المقامات لا يكون هذا المطلب تكرارا، فان الجهة المفصلة المقصودة بالأصالة في كل مقام غير الاخر.
وعلى ضوء ذلك: فإن المقصود بالأصالة في قصة آدم عليه السّلام في سورة البقرة جهة خلافته عن الله، لكونه كونا جامعا لتمام العالم من الاجمال الأخفى والاجمال الخفي، والتفصيل من الجبروت والملكوت الايمن والايسر والناسوت، ولذا فصل الله من هذه الجهة اعتراض الملائكة وإراءة الله تعالى فضل آدم عليه السّلام باشتماله على تمام الاسماء.
ولما كان لاشتماله على الجهة الاخيرة لزم نزوله على الارض، فأشار الله اليه اجمالا.
وفي هذه الآية الشريفة الجهة المقصودة بيان كيفية حقيقة الشيطان في وسوسته، وأنه من أي جهة يدخل، وكيف يموّه المطلب ويقسم بالله كذبا، ففصل الله من تلك الجهة، واشار الى باقي القضية على نحو الأجمال وكذلك يكون الامر في الموارد التي يظن الغافل في القرآن كونه تكرارا، وليس بتكرار إذا تأمل فيه ويرى أنه من قبيل ما ذكرنا.
فعلى كل حال: إن كان المراد من الآيات السابقة قصة آدم عليه السّلام على طريق الحذف كما بيّن، فهذه الآيات ارتباطها بالآيات السابقة واضحة، وإن كان المقصود فيها بني آدم كما هو ظاهر اللفظ، فالارتباط من باب أن كيفية وسوسة الشيطان، أو ذراريه لبني آدم ايضا، كوسوسته لآدم عليه السّلام فلينتقلوا الى ذلك ولا يطيعوا الشيطان في وساوسه.
﴿وَيَا آدَمُ﴾، أي قال الله تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، اظهار الضمير لتأكيد المستتر، وعطف وزوجك عليه ﴿فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، امر ترخيص واباحة أو يكون وجوبيا لأجل قوام بدنهما ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا﴾، بسبب التقرب وهو كناية عن التصرف في الشجرة بالأكل أو نحوه، لا القرب المكاني مع عدم التصرف.
والنهي في قوله تعالى: نهي تنزيهي لكونه عقيب الامر لأجل قوام البدن، علما: أن آدم عليه السّلام لم يكن في الجنة العالية وهي جنة عدن، بل كان عليه السّلام في الجنة المتوسطة، ودخولها لمن غلبت عليه الملكوت، لا مانع له، فيدخلونها، ويأكلون من اثمارها، ويرون الاثمار في ايديهم من السعداء كزكريا عليه السّلام حيث يشهد الرزق الذى لمريم عليها السّلام من ذلك العالم، بل لبعض اقسام الصلاح قد يرى ذلك بعض غير السعداء ايضا، فهما (أي آدم عليه السّلام وحواء) لغلبة الملكوت عليهما كان مقامهما في تلك الجنة، ويأكلون، ويشربون من أقسام الاطعمة والفواكه والمياه.
وقد ورد برأي آخر أين هي تلك الجنة التي أسكن الله تعالى فيها أدم وحواء عليهما السلام فَعَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُيَسِّرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ جَنَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: ((جَنَّةٌ مِنْ جِنَانِ اَلدُّنْيَا تَطْلُعُ فِيهَا اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنَانِ اَلْآخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أَبَداً))[2].
ولما أن تلك الجنة مثلها مثل الصدر، تكون بعض درجاتها وامورها متوجهة الى القلب وفوقه، أي الجنة العالية التي لها المقدار وهي جنة عدن، وجنة الرضوان التي لا مقدار لها، وبعض درجاتها وامورها متوجهة الى الملك، فكانت في بعض الاقسام من ثمرات الاشجار.
والشجرة المخصوصة جهة ارتباط الى الملك، بحيث يميل الآكل منها والمتصرف، الى عالم الملك، ويغلب الملك على الملكوت بسببه، والحكم والاثر للجهة الغالبة، فينقطع ما كان مترتبا على الملكوت، والمفارقة من الملكوت، والدخول في الملك ظلم وتعد على نفسهما ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، على نفسيكما كما سبق.
[1] سورة الأعراف، الآية: 19.
[2] الكافي، ج 3، ص 247.