بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾[1].
﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾، أي غرّهما واستزلّهما ودلاّهما: من تدلية الدلو وإنزالها إلى البئر، فأوقعهما في المكروه وغرّهما: فأظهر حالا وكتم حالا فكان غروره غشّا لهما.
والغرور: هو التدليس.
وطفق: من افعال الشروع بمعنى جعل وأخذ.
فكان من نتيجة إغواء إبليس للزوجين آدم وحوّاء عليهما السلام أنهما ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ﴾، أي تناولا منها تناول من يضع في فمه الشيء ليميزه من تلك الشجرة فيكون المعنى تناولا شيئا قليلا لأن الذوق ابتداء الأكل والشرب ليعرف الطّعم، وفي هذا دلالة على أن ذوق الشيء المحرّم يوجب الذم فكيف إذا تناول منه ما يقضي به وطره؟ وحينذاك.
﴿بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾، يعني ظهرت عوراتهما وبانت عورة كلّ منهما لصاحبه.
وقد قيل إنهما لمّا أكلا منها تساقط لباسهما عنهما فأبصر كل واحد منهما عورة صاحبه فخجل واستحيا فبدت لهما عورتهما فاستقبحا منظرهما، فقد ورد عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِ اَللهِ: فَبَدَتْ لَهُمٰا سَوْآتُهُما قَالَ كَانَتْ سَوْآتُهُمَا لاَ تَبْدُو لَهُمَا فَبَدَتْ يَعْنِي كَانَتْ مِنْ دَاخِلٍ))[2].
﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾، وطفقا: بمعنى جعلا يفعلان خصف الأوراق الذي قيل إنه وصلها بعضها ببعض ورقعها معا مستعينين بأيديهما يضعانها على الورق حتى لا يسقط، ومن ذلك خصف النّعل، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: ((وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ اَلنَّعْلِ فِي اَلْحُجْرَةِ))[3]، يعني علياّ عليه السلام.
وحينذاك جاءهما النداء من ربّهما بالتأنيب على المخالفة لما وصّاهما به فأجابا بانكسار أنهما ظلما أنفسهما بمخالفتهما لإشارة مولاهما عليهما وأنه تعالى إن لم يغفر لهما ويرحمهما ويولهما شيئا من عنايته وعطفه ولطفه يكونا من الخاسرين؛ لتوجهاته التي هي ابعد الغايات للعاقل الحساس فكان من جواب الله تعالى لهما أنكما بعد أن تأثرتما بإغواء إبليس ووجدتما من طريقه خسرا وضرّا، لا شك تعودان اعداء يحمل بعضكم على بعض روحا متكدرة وخواطر خشنة، ثم إن الأرض مقرّكم أنتم يا آدم وحوّاء وإبليس ومن يكون منكم وفيها متعتكم الى أمد ما وفيها تكون حياتكم وعلى صعيدها تنتهي اعماركم ومنها تخرجون للبعث والحساب.
وذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذا المقطع من الآية: [ويستفاد من هذه الآية جيدا أنّهما قبل ارتكابهما لهذه المخالفة لم يكونا عاريين، بل كانا مستورين بلباس لم يرد في القرآن ذكر عن حقيقة ذلك اللباس وكيفيته، ولكنّه على ايّ حال كان يعدّ علامة لشخصية آدم وحواء ومكانتهما واحترامهما، وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر اللّه، وتجاهلهما لنهيه.
على حين تقول التّوراة المحرفة: إنّ آدم وحواء كانا في ذلك الوقت عاريين بالكامل، ولكنّهما لم يكونا يدركان قبح العري، وعند ما ذاقا وأكلا من الشجرة الممنوعة التي كانت شجرة العلم والمعرفة، انفتحت أبصار عقولهما، فرأيا عريهما، وعرفا بقبح هذه الحالة.
إنّ آدم الذي تصفه التّوراة لم يكن في الواقع إنسانا، بل كان بعيدا من العلم والمعرفة جدا، إلى درجة أنّه لم يكن يعرف حتى عريه.
ولكن آدم الذي يصفه القرآن الكريم، لم يكن عارفا بوضعه فحسب، بل كان واقفا على أسرار الخلقة أيضا (علم الأسماء)، وكان يعدّ معلّم الملائكة، وإذا ما استطاع الشيطان أن ينفذ فيه فإنّ ذلك لم يكن بسبب جهله، بل استغلّ الشيطان صفاء نيّته، وطيب نفسه][4].
وَحينئذ ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾، خاطبهما: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا﴾: ألم أمنعكما عَنْ ﴿عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾، يعني تلك الشجرة، وقد استعمل تلكما لأنه يخاطب الاثنين والكاف حرف الخطاب كما لا يخفى وألم ﴿أَقُل لَّكُمَا﴾، أخبركما ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾: أي ظاهر العداوة، والجملة ظاهرة المعنى.
[1] سورة الأعراف، الآية: 22.
[2] بحار الأنوار، ج 11، ص 160.
[3] الإرشاد، ج 1، ص 121.
[4] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 4، ص 596.