بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾[1].
﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾، اشارة الى أمر جماعيّ ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾[2]، تشير إلى العداوة الدائبة بين الشيطان وبين الإنسان، فما هي العداوة بين بعض في ثنائي الأمر: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾؟
هل هي العداوة بين قبيلي الإناث والذكور من بني الإنسان، أم نسل الإنسان ككل حيث التثنية تخرج الشيطان، ولا تبعيض بين الإنسان والشيطان حتى يعمهما هنا البغض؟
أم إنها بين الإنسان والشيطان طالما الشيطان غير مذكور هنا ولكنه مذكور هناك، ولا يعني التبعيض المجانسة، وإنما تبعيض في هذا الجمع العصيان، أو الجمع الذي يجوز عليه ككل العصيان، فثنائية الأمر وجماعيته تعنيان العداوة الدائبة بين قبيلي الإنسان والشيطان.
أو إنها تعنيهما جميعا، فآية الجمع تعني عداوة الجمع، بين الشيطان وبينهما، وآية التثنية تعني فقط ما بينهما كخليفة الأرض جميعا، فحياة الأرض الضيقة العناء الشقاء، هي حياة العداء بين بني الإنسان، كما بين الإنسان والشيطان: ازدواجية العداء التي تتوحد في اغراءات الشيطان، فقد يأتيك بنفسه أو خيله ورجله من ذوي جنسه، وقد يأتيك بذوي جنسك: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ﴾، حيث ينزغون بيننا: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[3]،
﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[4]، هذه الهداية الآتية لخليفة الأرض إلى الأرض لا ريب هي فوق هدى العقل، سواء أكانت هدى تهدي العقل في أخطاءه أو تهديه في تكامله، أم تحمل أحكاما ليس للعقل فيها حكم لا جملة ولا تفصيلا، فهذا المثلث من الهدي تجمع الشرائع كلها، فهي المقصودة للمكلفين منذ آدم إلى يوم الدين، إلا أن آدم ومن دونه إلى نوح لم يبعثوا بشريعة أو شرائع من القسم الثالث إطلاقا فإنها لأولى العزم من الرسل، حيث العزم لهم يعني فيما يعني استقلال الشريعة الناسخة لما قبلها ان كانت، والحاكمة على من بعدها إلى ولي عزم آخر، وليست إلّا لأولي العزم من الرسل الخمسة الذين دارت عليهم الرّحى.
وقد توحي ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾[5]، توحي أن الناس ظلوا في فترة من الزمن ضلّالا عن هكذا شرعة إلهية تحمل كتاب وحي برسالة، فليكن آدم رسولا بلا كتاب بشرعة غيرها، كالتي تهدي العقل فقط عن أخطاءه، أمّا التي لها فروع لا تحكمها العقل لا جملة وتفصيلا فلا، وعلّها ليست بالتي تكمّلها أيضا، وإنما الزاوية الأولى من مثلث الوحي الرسالة، وهي أدنى درجات الرسالة .
ولا شك ان اوّل ما أتت من هدي لخليفة الأرض كانت بواسطة آدم صفي الله، الذي اصطفاه واجتباه بعد ما عصى وتاب عليه وهدى ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾[6]، ولحد الآن ما فابتعث رسولا بالهدى عائشا في مربع النور والسرور: لذا قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.
فليست توبة آدم بالتي تزيل عنه شقاء الحياة وضلالها وخوفها وحزنها بل وعليه أن يتبع هدى الله في حياته الدنيا حتى لا يخاف ولا يحزن ولا يضل ولا يشقى.
فقد تخطّى هذه الخليفة المعصية إلى التوبة وإلى الهدى، فعصيانه أهبطه إلى الأرض الشقاء والعناء، وتوبته أصلحته لحياة راضية خالية عن مربع العناء، وهداه أدخله إلى جنة الحياة وهو في الدنيا، فتألّفت حياته الأرضية بحياة سماوية علينية إذا تعلق بوحي السماء، وهي أرضية سجينية إذا تحلل عن وحي السماء.
[1] سورة الأعراف، الآية: 24.
[2] سورة البقرة، الآية: 38.
[3] سورة الإسراء، الآية: 53.
[4] سورة طه، الآيتان: 123-124.
[5] سورة البقرة، الآية: 213.
[6] سورة طه، الآيتان: 121-122.