بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[1].
قيل في بيان الآية: إنّ [الحمس][2]، وهم طائفة من المشركين يطوفون البيت وهم عراة يعبدون الأصنام ويقولون: نعبد إلهنا ونطوف عراة كما ولدتنا امّنا، ولا نطوف بثياب قارفنا فيها الذنوب.
وقيل: هم قوم آخرون.
ثمّ أتوا بدليل آخر بزعمهم حيث قالوا: ﴿والله أَمَرَنا بِها﴾، فردّ الله عليهم بأنّ الله لا يأمر بالسوء والفحشاء، فهل سمعتم منه تعالى بلا واسطة أو عرفتم ذلك بطريق الوحي إلى الأنبياء؟ أمّا الأوّل فبديهيّ البطلان وأمّا الثاني فباطل أيضا لأنّكم تنكرون نبوّة الأنبياء على الإطلاق، فإذن لا طريق لكم على العلم بهذا الأمر فكيف ﴿تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾؟
واحتجّ الذين ينفون القياس بهذه الآية، وقالوا: الحكم المثبت بالقياس مظنون وغير معلوم وما لا يكون معلوما لم يجز القول به لأنّه تعالى قال في معرض الذمّ: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ﴾؟
الفاحشة: أي كبائر الإثم العارمة والتي تهزّ أركان النظام بصرامة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾[3]، أي تشيع المنكرات.
وقال تعالى مخاطبا لأزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله: ﴿مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ﴾[4]، أي بمنكر من قول أو فعل، بحيث لا يتناسب وحرمة شأن أمّهات المؤمنين!
وقال: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾[5]، و ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾[6]، و ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ﴾[7]،
فهو افتراء من قبل المشركين على الله لإضلال عباده، وهو ظلم يجنيه الإنسان على نفسه وعلى غيره، ويجني سوء عاقبته، فقال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾[8]،
وقد وجد في البشر؛ ناس فكروا وبحثوا فيما يجب عليهم لله من الشكر والعبادة، واتباع الحق والعدل وفعل الخير بحسب ما يرشد إليه عقولهم، وأخطئوا في بعض، وكانوا خير الناس للناس على حين فترة من الرسل كما فعل قصي؛ إذ وضع للعرب سننا حسنة كسقاية الحاج، ورفادتهم، وإطعامهم، وسن الشورى في مهام الأمور.
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾، فالقرآن قد جاء يهدى جميع متّبعي الملل والأديان السابقة إلى استعمال عقولهم مع ضمائرهم للوصول إلى العلم والهدى والاطمئنان في الدين، وألا يكتفوا بما كان عليه آباؤهم وأجدادهم من ذلك، فإن هذا جناية على الفطرة البشرية والعقل والفكر والقلب التي امتاز بها البشر، وبهذا العلم والهدى امتاز الإسلام ودخل فيه العقلاء من جميع الأمم أفواجا، ثم نكث المسلمون على رؤوسهم إلا قليلا منهم، واتبعوا سنن من قبلهم من أهل الكتاب وغيرهم في التقليد لآبائهم ومشايخهم المنسوبين إلى بعض أئمة علمائهم الذين نهوهم عن التقليد ولم يأمروهم به، فأبطلوا بذلك حجّة الله تعالى على الأمم التي وكل الله دعوتها إليهم، وصاروا حجة على دينهم، فكيف يدعون إليه وحجته القرآن وهم يحرمون الاهتداء به ؟
أخيرا: قد ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله))[9].
كالجبرية القائلين: بأن جميع الفواحش والشرور الداخلية في الوجود من الشرك والظلم والزناء والسرقة والقتل وغيرها مرادة لله تعالى وهو يرضى بها ويحبها ويأمر بها.
[1] سورة الأعراف، الآية: 28.
[2] بضم الحاء قبائل من العرب قد تشددت في دينها فكانت لا تستظل أيام منى، ولا تدخل البيوت من أبوابها، وهي قريش وكنانة ومن دان بدينهم من بنى عامر بن صعصعة.
[3] سورة النور، الآية: 19.
[4] سورة الأحزاب، الآية: 30.
[5] سورة الأنعام، الآية: 151.
[6] سورة الأعراف، الآية: 33.
[7] سورة الشورى، الآية: 37.
[8] سورة يونس، الآية: 17.
[9] تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 17.