تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
سورة عظيمة، قصيرة في ألفاظها، عميقة في معانيها، شاملة في توحيدها، غنية في بركاتها، إنها سورة التوحيد، أو كما تعرف بـ سورة "قل هو الله أحد".
يقول الإمام الباقر عليه السلام:
> "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن"
📚 الكافي، ج2، باب فضل القرآن
لماذا هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن؟ وما سرّ بركتها في معرفة الله تعالى؟ هذا ما نحاول أن نتأمل فيه اليوم.
سورة التوحيد تعريفٌ موجز بالله
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"إن الله عزّ وجل علم أن سيكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالى: قل هو الله أحد، والآيات من سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصدور، فمن رام وراء ذلك فقد هلك."
📚 التوحيد للشيخ الصدوق، ص87
أي أن هذه السورة فيها من المعاني ما يكفي لمن أراد أن يعرف الله تعالى كما أراد الله أن يُعرف، دون أن يتيه في وهم التجسيم أو الضلالات.
إنها توقِف العقول عند حدّها، وتمنحها من النور ما يكفيها لتسجد لله بتسليم وفهم.
التوحيد العملي لا النظري
الإمام علي عليه السلام قال:
"أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده..."
📚 نهج البلاغة، الخطبة الأولى
هنا نربط التوحيد بالمعرفة، لا بمعنى الحفظ فقط، بل أن تعرف الله فتراه في كل شيء، وتتوكل عليه في كل شيء، وتفرّ إليه لا منه.
وسورة التوحيد لا تخبرنا فقط أن الله "واحد"، بل تعلمنا كيف نعيش هذا الواحد في قلوبنا، أن لا يكون لنا مع الله غيره.
وهي سورة تُطهّر القلب من الشرك الخفي
رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله:
"من قرأ (قل هو الله أحد) مائة مرة، كُتب له أجر مئة شهيد."
📚 ثواب الأعمال للصدوق
أترون؟ مئة مرة من التأمل والتكرار في هذه السورة، كأنها تطهر قلبك من الشرك الخفي، وتمنحك مقام الشهداء الذين باعوا كل شيء لله.
وهذا دليل على أن هذه السورة ليست فقط آية تُقرأ، بل باب للعبور إلى معرفة الله التي تغير الإنسان من الداخل.
وسورة التوحيد سورة شفاء الروح والجسد
قال الإمام الرضا عليه السلام:
"من قرأ (قل هو الله أحد) عند نومه، أمن الفزع الأكبر."
📚 عيون أخبار الرضا، ج2
بركة هذه السورة لا تقف عند الفكر فقط، بل تتجاوز إلى أثرها في النفس، والطمأنينة، والأمان في الدنيا والآخرة.
وورد أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقرأها ثلاثًا، وينفث في يديه، ويمسح بهما جسده عند النوم، وعلّم ذلك الحسن والحسين عليهما السلام.
📚 الكافي، ج2، باب التعويذ
أن سورة التوحيد مفتاح للمعرفة الخالصة
نقرأ في دعاء الإمام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية:
"إلهي كفى بي عزًا أن أكون لك عبدًا، وكفى بي فخرًا أن تكون لي ربًّا."
ومن يعرف الله كما وصف نفسه في "قل هو الله أحد"، يستقر في هذا المقام: مقام العبودية بعز، لا بذل، ومقام الافتخار بالانتماء للرب الواحد الأحد.
إن سورة التوحيد ليست مجرد أربع آيات، إنها مفتاح لكل قلب يبحث عن الله.
إذا أُغلقت أبواب العقل، وإذا ضلّت الطرق، تبقى هذه السورة هادية، باسمه، تصرخ في أعماقنا:
"قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد."
فلنكرّرها لا كألفاظ، بل كفهم، وكحياة، وكطريق نحو الله.