بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً،
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، مصابيح الهدى وسفن النجاة.
من نكون في عين الله؟ ومن نكون يوم نُعرض على الله؟
1️⃣ أنا في عين الآخرة: لا كما يراني الناس، بل كما أنا
في الدنيا، تُقيَّم الناس بالأسماء، المناصب، المظاهر، عدد المتابعين، أو الرصيد البنكي.
لكن في الآخرة، يُكشَف الحجاب عن حقيقتك التي لا يراها أحد في الدنيا، حتى أقرب الناس إليك.
> "يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ" (الطارق: 9)
أي تُكشَف أسرار النفس، وتُعرض الخفايا، وتُظهر الأعمال بوجوهها الحقيقية.
🔹 قال الإمام الصادق عليه السلام:
"ما من عبدٍ إلا سيُعرض عليه عمله يوم القيامة ساعةً فساعة، نهاره وليلُه، كل ساعة بما فيها." (الكافي)
كل لحظة عشتها ستُعرض عليك:
أين كنت؟
ما قلت؟
ما نظرت؟
ما نويت؟
وكل نية تُعرى، وكل كلمة تُسمع، وكل دمعة، وكل خفقة قلب!
2️⃣ ما وزنُك الحقيقي؟
في الآخرة، لا تُوزن الأجساد… تُوزن القلوب، وتُوزن الأعمال:
"فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ" (القارعة: 6-7)
لكن ما الذي يُثقّل الميزان؟
هل هو كثرة الأعمال؟ لا فقط.
بل صفاؤها، خلوصها، صدقها.
🔹 الإمام زين العابدين عليه السلام يقول في دعائه:
"واجعل سريرتي خيرًا من علانيتي، وعلانيتي صالحة."
يا رب، اجعل حقيقتي، حين أُعرض عليك، أجمل مما يرى الناس…
واجعل ظاهري طيبًا، لكن باطني أطهر وأطهر.
3️⃣ العمل رياءً، أم لله؟
هنا المفصل، هنا الميزان الأخطر:
ما نفع صلاة إن كانت لتُقال عني "صالح"؟
ما نفع صدقة إن كانت لتُقال عني "كريم"؟
ما نفع دعاءٍ يُقال بلساني، وقلبي مشغول بمديح الناس؟
🔹 عن الإمام الصادق عليه السلام:
"يُؤتى بعبد يوم القيامة، قد كان كثير الصلاة والصيام،
فيُقال له: هذا لغير الله، فخذ نصيبك ممن عملت له!" (الكافي)
فهل أنا ممن يعمل لله، أم أبيع آخرتي بثناء عابر؟
4️⃣ عندما تُعرَض الأعمال ككائنات حية
في الروايات أن الإنسان سيرى أعماله في صورها الحقيقية:
🔹 عن الإمام الباقر عليه السلام:
"تُعرض الأعمال يوم القيامة في أحسن صورة،
فإن كانت حسنة، استبشرت بها، وإن كانت سيئة، فزعت منها." (الخصال)
غيبة قد تُرى كحية سوداء تلدغك!
نظرة حرام قد تُرى جمرة تلسع عينيك!
كلمة جارحة تُصبح نارًا تطاردك…
بينما:
دمعة خشية لله، تشرق نورًا.
نظرة رحمة على يتيم، تُسجَّل كفَجر صادق.
سترك على مؤمن، يُصبح ظلك في يوم لا ظل فيه إلا ظل الله.
5️⃣ من أنا؟ عبدٌ لله، أم عبدٌ للناس؟
قال الإمام علي عليه السلام:
"لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا." (نهج البلاغة)
هل أعيش ليقال عني "ناجح، ذكي، محبوب، محترم"، أم أعيش لأكون عبدًا لله؟
في عين الآخرة، لا يُرى إلا صدق العبودية.
كم مرة قلت: "إياك نعبد"، ولكن قلبي يعبد نظرة الناس، وكلام الناس، وقبول الناس؟
6️⃣ حين نُبعث، نُبعث على ما عشناه
قال رسول الله ﷺ:
"يُبعث كل عبد على ما مات عليه." (الخصال)
فمن مات ولسانه ذاكِر، يُبعث ونورُ الذكر في قلبه.
ومن مات وقلبه معلق بالدنيا، يُبعث مثقلاً بقيوده.
هل أنا، لو متُّ الآن، على ما يُرضي الله؟
هل أنا مستعد لأن أُعرض على الله الآن؟
7️⃣ دعاء أخير: أن يراني الله بعين رحمته
يا رب…
لا ترني نفسي كما هي… بل طهّرني أولاً
لا تحاسبني بما يعلم الناس، بل بما تعلم أنت
لا تفضحني على رؤوس الخلائق، بل استرني كما سترتني في الدنيا
🔹 قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة:
"إلهي، أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرًا في فقري؟
إذا أردت أن تعرف من أنت في الآخرة، فاسأل نفسك الآن:
ماذا تحب؟
بماذا تفكر؟
على ماذا تموت؟
من تُرضي؟
ولمن تعمل؟
وفي النهاية، ستُجيبك السماء، لا الناس…
وسيُقال لك:
"اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا" (الإسراء: 14)