بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد و آل محمد
في خضمّ الحياة، كثيرٌ من الناس لا يعيشون وفق ما يريدون، بل وفق ما يُفرض عليهم. يستيقظون صباحًا لا لأنهم قرروا أن يصنعوا شيئًا، بل لأن أحدهم قال كلمة أزعجتهم… فيردّون. أو لأن موقفًا جرحهم… فيثورون. هكذا يتحوّلون إلى أسرى لردود أفعالهم، لا صُنّاعًا لطريقهم.
ولكن هل خُلقنا لنكون مجرّد مرايا تنعكس فيها تصرفات الآخرين؟ أم خُلقنا لنكون شموسًا تنير الطريق وتخلق الأثر؟
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾
[الإسراء: 84]
أي أن لكلٍّ طريقة في الحياة، وشخصية يسلك بها دربه، فلا تكن شكلك نسخة من انفعالات غيرك… بل كن شكلك أنت.
🕊️ اصنع طريقك لا ردّ فعلك
الإمام علي عليه السلام يقول:
"لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًا"
والعبد هنا لا يُقصد به فقط مَن يُستعبد بالقوة، بل من يُساق بمشاعر الآخرين، ويعيش ليُرضيهم، ويُهاجم من يُخالفه، أو ينكسر إن ذمّه أحد. من يعيش بردود الأفعال، هو عبدٌ لغيره، وإن ظنّ نفسه حرًّا.
🧭 الهدوء… لا يعني الضعف
قد يظن البعض أن التوقف عن الردّ على كل من يخطئ هو ضعف. لكن تأمل قوله تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾
[الفرقان: 63]
سلامًا لا يعني ضعفًا، بل يعني: "أنا أكبر من أن أنزل إلى مستوى الجهل، فأنا منشغل ببناء طريقي، لا بإثبات نفسي لك".
🕊️ من يملك نفسه… يملك الدنيا
قال الإمام الكاظم عليه السلام:
"ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه"
ردود الفعل الغاضبة، المتسرعة، هي دليل على أن غيرك يملك أعصابك، لا أنت. فحين يسبّك أحد… ويثيرك… ثم تردّ بصراخ، من الذي يتحكّم؟ هو… لا أنت.
بينما الذي يبني طريقه، يصمت أحيانًا، يتجاوز، يبتسم، ويكمل مسيره بثبات. لأن عنده "وجهة"، و"هدفًا" أكبر من أن يتوقف في كل محطة ليجادل الغرباء.
🌱 خطوتك اليوم… تصنع طريقك غدًا
إنّ بناء الطريق يحتاج لصبر، وصمت، وتخطيط، وثقة. ومن يستغرق عمره في ردود الأفعال، لا يبني شيئًا. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام:
"من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس، ومن ترك المراء وهو محقّ، ملك قلب إخوانه"
إذن:
- اترك الجدال،
- اترك الانتقام،
- اترك محاولة إثبات نفسك… واصنع طريقك
- توقف عن أن تكون مرآة، وكن شمسًا.
- من يردّ على كل شيء… لا يتقدّم.
- ابنِ نفسك بهدوء… وثق أن الله يرى.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
📘 برنامج عملي – ابنِ طريقك بوعي وثبات (7 أيام)
✅ اليوم الأول – وعي لحظة الانفعال
- 🎯 مهمتك: راقب نفسك اليوم، متى تنفعلين؟ ما الذي يثيرك؟ فقط راقب، ولا ترد بسرعة.
- تمرن على التنفس العميق عند كل انفعال:
- خذي نفسًا عميقًا، احبسه لثوانٍ، ثم أخرجه ببطء.
- 📿 ذكر اليوم الأول :
"اللهم سلّمني من نفسي"
✅ اليوم الثاني – الامتناع عن الرد التلقائي
- 🎯 مهمتك: اختار موقفًا واحدًا يزعجك (كلمة، تصرف)، وقرر أن لا تردّي عليه، بل ابتسم أو اصمت.
- 🪞 اكتب شعورك بعد أن امتنعت عن الرد… ستجد قوة داخلية تتولد.
- 📿 دعاء اليوم الثاني :
"اللهم اجعلني فوق ما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"
✅ اليوم الثالث – حدد طريقك
- 🎯 مهمتك: اكتب ٣ أهداف تهمك في حياتك (روحانية، علمية، شخصية).
- اسأل نفسك: هل تصرفي اليوم يخدمني في هذا الطريق… أم يعطله؟
- 📿 آية اليوم:
﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾
رددها كلما شعرت أن شخصًا آخر يحاول جرك بعيدًا عن طريقك.
✅ اليوم الرابع – إعادة توجيه التركيز
- 🎯 مهمتك: كلما شعرت أنك تريد الرد على أحدهم، اسأل نفسك:
- "ما الذي يمكنني فعله الآن يخدمني أنا؟"
- ثم قومي بعمل بسيط: قراءة، ذكر، شرب ماء بهدوء.
- 📿 دعاء اليوم الرابع :
"اللهم اكفني شر نفسي وشر الناس وشر ما خفي عني"
✅ اليوم الخامس – تدريب (أنا المسؤول عن طريقي)
- 🎯 مهمتك: واجه اليوم موقفًا مزعجًا، ثم اكتب جملة:
"أنا من يقرر كيف أعيش، لا هم" - 🧠 كرر الجملة ٣ مرات في داخلك كلما شعرت بالضعف أو الغضب.
- 📿 حديث اليوم:
عن الإمام علي عليه السلام: "العقل حفظ التجربة"
خذي كل تجربة كدرس، لا كجُرح.
✅ اليوم السادس – تفعيل الصمت المقدّس
- 🎯 مهمتك: خصص نصف ساعة من يومك لصمت تام (بدون هاتف، كلام، تشتيت).
- اسألي الله: "يا رب دلّني على طريقي، وامنحني الثبات"
- 📿 ذكر اليوم السادس :
"يا من بيده مقاليد الأمور، دلّني على الصواب"
✅ اليوم السابع – بناء عاداتك بدل ردودك
- 🎯 مهمتك: اختار عادة إيجابية صغيرة (مثل كتابة شكر، قراءة ٥ آيات، كوب ماء دافئ صباحًا).
- اجعليها عادة يومية، بدلًا من عادة الرد والتفاعل السلبي.
- 📿 ختام البرنامج:
"اللهم اجعلني نافعًا لنفسي، نافعًا لغيري، ثابتًا في دربي، صادقًا في نيتي"