الخذلان (بكسر الخاء لا بضمها كما يخطئ بها الكثيرون) مصدر خذل يخذل خذلا وخذلانا، وهو تركك نصرَة أخيك وعونه، والخاذل: ضد الناصر، والتخذيل: حمل الرجل على خذلان صاحبه، وتثبيطه عن نصْرَته، وأصل هذه المادة يدل على ترك الشيء والقعود عنه. وخذلان الله تعالى للعبد: ألا يعصمه من السيئة، فيقع فيها(1).
والخذلان اصطلاحًا: قال الراغب: (الخذلان: ترك من يظن به أن ينصر نصْرَته) (2).
و للخذلان حديث مرير سيما في سيرة الأنبياء لكنها في نفس الوقت تقدم مواساة كبرى، وقبل أن نشرح قصص الخذلان في تاريخ الأنبياء لننظر هل نهت السنة الشريفة عن الخذلان أم هو عمل محبوب
فنجد أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "يا عباد الله احذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها، حتى توقعه في رد ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين الله (3)"
وقد أنجب الخذلان مآس وكوارث غيرت وجه التاريخ ومصائر الأقوام ومنها ما يذكره القرآن الكريم في قصص الأنبياء
أبتداء من قصة ولدي آدم قابيل وهابيل الذي خذل إيمانه حين غضب عند عدم تقبل قربانه و خذل أبوة آدم ورحمه فأفجعه وأمه بقتل أخيه وخذل أخيه الذي أستمر على موقفه بقوله المذكور في القرآن الكريم لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ( سورة المائدة الآية :28)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (سورة المائدة/ الآيات:27،28،29،30،31)
ونقرأ في الآيات الكريمة خذلانه لأخيه بعد قتله حتى عجز أن يواري سوأة أخيه فأرسل الله عز وجل غرابًا يعلمه كيف يواري سوأة أخيه، ونقرأ في الآية تالية جواب الحق عز وجل لهذا الخذلان الذي أدى إلى القتل وما ترتب عليه إذ شبه من قتل نفسًا بقتل البشر جميعًا ومن أحياها بساعدتها أو بمنحها ما ينجيها فكأنما أحيا الناس جميعًا فكيف بمن قرأ هذه الآيات ولم يرتدع
(مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ) ﴿المائدة: 32﴾
ولو أنتقلنا لقصة نبي الله يوسف فلو لم يخذله أخوته لما رمي في الجب ولما أغترب عن أبيه وبلده ولما بكى يعقوب أربعين عامًا حتى كف بصره، ويعترف أخوته بخذلانهم لإيمان بدلالة قولهم كما ينقلها القرآن الكريم
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ
(يوسف: 9) تأملوا أن يصلحوا إيمانهم بعد قتل أخاهم لكن الحق سبحانه وتعالى جعلهم آية للسائلين وخلد قولهم في القرآن الكريم فهل من معتبر؟
وفي قصة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء فلو لم يخذله قومه لما غادرهم بعد أن أجمعوا لحرقه حيًا وكذبوا دعوته وفندوا عقيدته إلا أن مغادرته لهم كان الفتح له إذ بنى البيت العتيق ورزق باسماعيل واسحاق وقد جعل الله كل منهم نبيا
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا
(مريم: 49)
وكذلك قوم نبي الله لوط الذين خذلوا أنفسهم ومكروا بها حين عاندوا نبيهم ولم يرعوا عن أفعالهم الشنيعة
ولنا وقفات أخرى مع الخذلان في قصص الأنبياء
....
فيا أيها المخذول أما يكفيك أن يواسيك أنبياء الله تخيل نفسك وقد أحاط بك هؤلاء الكرام، وتذكر لم يخذل ابن بنت نبي قط على هذه الأرض كما خذل الحسين بن علي (عليه السلام) ونحن نستعد لأيامه أفلا يكفيك لتضع رأسك في حجر المواساة وتسلم أمرك لله وتدعو بدعوة نوح (عليه السلام) وقد خذله قومه بعد دعوة دامت ألف سنة إلا خمسين عاماً
(فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر الآية:10).
..........................
1ـ لسان العرب: ص202
2ـ المفردات: ص 227.
3ـ بحار الأنوار: ج7،ص260أنبياء الله قد خذلوا
مريم حميد الياسري/ كربلاء المقدسة
الخذلان (بكسر الخاء لا بضمها كما يخطئ بها الكثيرون) مصدر خذل يخذل خذلا وخذلانا، وهو تركك نصرَة أخيك وعونه، والخاذل: ضد الناصر، والتخذيل: حمل الرجل على خذلان صاحبه، وتثبيطه عن نصْرَته، وأصل هذه المادة يدل على ترك الشيء والقعود عنه. وخذلان الله تعالى للعبد: ألا يعصمه من السيئة، فيقع فيها(1).
والخذلان اصطلاحًا: قال الراغب: (الخذلان: ترك من يظن به أن ينصر نصْرَته) (2).
و للخذلان حديث مرير سيما في سيرة الأنبياء لكنها في نفس الوقت تقدم مواساة كبرى، وقبل أن نشرح قصص الخذلان في تاريخ الأنبياء لننظر هل نهت السنة الشريفة عن الخذلان أم هو عمل محبوب
فنجد أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "يا عباد الله احذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها، حتى توقعه في رد ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين الله (3)"
وقد أنجب الخذلان مآس وكوارث غيرت وجه التاريخ ومصائر الأقوام ومنها ما يذكره القرآن الكريم في قصص الأنبياء
أبتداء من قصة ولدي آدم قابيل وهابيل الذي خذل إيمانه حين غضب عند عدم تقبل قربانه و خذل أبوة آدم ورحمه فأفجعه وأمه بقتل أخيه وخذل أخيه الذي أستمر على موقفه بقوله المذكور في القرآن الكريم لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ( سورة المائدة الآية :28)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (سورة المائدة/ الآيات:27،28،29،30،31)
ونقرأ في الآيات الكريمة خذلانه لأخيه بعد قتله حتى عجز أن يواري سوأة أخيه فأرسل الله عز وجل غرابًا يعلمه كيف يواري سوأة أخيه، ونقرأ في الآية تالية جواب الحق عز وجل لهذا الخذلان الذي أدى إلى القتل وما ترتب عليه إذ شبه من قتل نفسًا بقتل البشر جميعًا ومن أحياها بساعدتها أو بمنحها ما ينجيها فكأنما أحيا الناس جميعًا فكيف بمن قرأ هذه الآيات ولم يرتدع
(مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ) ﴿المائدة: 32﴾
ولو أنتقلنا لقصة نبي الله يوسف فلو لم يخذله أخوته لما رمي في الجب ولما أغترب عن أبيه وبلده ولما بكى يعقوب أربعين عامًا حتى كف بصره، ويعترف أخوته بخذلانهم لإيمان بدلالة قولهم كما ينقلها القرآن الكريم
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ
(يوسف: 9) تأملوا أن يصلحوا إيمانهم بعد قتل أخاهم لكن الحق سبحانه وتعالى جعلهم آية للسائلين وخلد قولهم في القرآن الكريم فهل من معتبر؟
وفي قصة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء فلو لم يخذله قومه لما غادرهم بعد أن أجمعوا لحرقه حيًا وكذبوا دعوته وفندوا عقيدته إلا أن مغادرته لهم كان الفتح له إذ بنى البيت العتيق ورزق باسماعيل واسحاق وقد جعل الله كل منهم نبيا
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا
(مريم: 49)
وكذلك قوم نبي الله لوط الذين خذلوا أنفسهم ومكروا بها حين عاندوا نبيهم ولم يرعوا عن أفعالهم الشنيعة
ولنا وقفات أخرى مع الخذلان في قصص الأنبياء
مريم
فيا أيها المخذول أما يكفيك أن يواسيك أنبياء الله تخيل نفسك وقد أحاط بك هؤلاء الكرام، وتذكر لم يخذل ابن بنت نبي قط على هذه الأرض كما خذل الحسين بن علي (عليه السلام) ونحن نستعد لأيامه أفلا يكفيك لتضع رأسك في حجر المواساة وتسلم أمرك لله وتدعو بدعوة نوح (عليه السلام) وقد خذله قومه بعد دعوة دامت ألف سنة إلا خمسين عاماً
(فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر الآية:10).
..........................
1ـ لسان العرب: ص202
2ـ المفردات: ص 227.
3ـ بحار الأنوار: ج7،ص260