الذكاء العاطفي… حينَ يصبح القلبُ حكيمًا

[يازهراء]

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِ على محمد و آل محمد

ليس الذكاء فقط ما نعرفه في الكتب، أو ما يُقاس في الامتحانات… هناك نوعٌ آخر من الذكاء، لا يُرى بسهولة، لكنه يُحسّ…
حين تفهم نفسك، وتفهم من أمامك،
حين تضبط غضبك، وتحتوي مشاعر غيرك،
حين لا تجعل انفعالك يقودك، بل تقود مشاعرك بهدوء الحكمة،
هذا هو الذكاء العاطفي… أن تكون قويًّا في داخلك، دون أن تؤذي،
أن تشعر، دون أن تنكسر… أن تُعبّر، دون أن تَجرح.

ما هو الذكاء العاطفي؟


الذكاء العاطفي يعني أن تمتلك أربع مهارات رئيسية:

1. الوعي الذاتي:
   أن تفهم مشاعرك…
   هل أنت غاضب فعلًا؟ أم متألم؟ أم متعب؟
   حين تُميّز مشاعرك، لا تتحرك بطريقة خاطئة، ولا تتكلم بكلام تندم عليه.
2. إدارة الانفعالات:
   أن تكون قادرًا على تهدئة نفسك…
   لا تغضب بسرعة، وإن غضبت لا تُؤذِ…
   النبي صلى الله عليه وآله قال:
   "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
3. التعاطف مع الآخرين:
   أن تفهم كيف يشعر من أمامك…
   أن ترى الألم في عينيه، حتى لو ابتسم…
   أن تحتوي الطفل الذي يصرخ، لأنك تعلم أن خلف صراخه خوفًا أو حاجة.
4. فنون التواصل والرد:
   كيف ترد؟ كيف تعتذر؟ كيف تعبر عن ضيقك؟
   ليس بالصوت العالي، ولا بالصمت الموجع،
   بل بالكلمة الطيبة، بالحوار الهادئ، بالتوقيت المناسب.
5. القرآن يعلّمنا الذكاء العاطفي

قال تعالى:


﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (فصلت: 34)

إذا أساء إليك أحد، لا ترد عليه بنفس الأسلوب،
بل رد بلُطف، بحِكمة، أو حتى بصمتٍ يُربّي، لا بصمتٍ يُؤذي.
الله يقول: لا ترد السيئة بسيئة، بل بحُسنى،
وهذا يتطلب قلبًا متوازنًا لا تجرّه العواطف نحو الفوضى.

أمير المؤمنين عليه السلام… مدرسة في الحِلم


الإمام علي عليه السلام كان حازمًا في الحق، لكن حليمًا مع الناس.
قيل له: كيف تتحمّل من يُسيء إليك؟
فقال:
"أُحب أن أكون مظلومًا لا ظالمًا".

كان يملك انفعالاته كأنما يملك جيشًا…
عندما يواجه جهلًا، لا يرد بجهل، بل يُطفئ النار بلُطف.
هذا هو الذكاء العاطفي النقيّ، الذي يجمع بين القوة والتسامح.

الزهراء عليها السلام… توازن الوجدان والعقل


حين واجهت فاطمة الزهراء عليها السلام ظلم القوم بعد وفاة رسول الله،
لم تخرج بسيف، بل خرجت بصوتٍ حقيقي، صادق، مليء بالإيمان والعاطفة المؤثرة.
خُطبتها في المسجد كانت موجة من الذكاء العاطفي، فيها عتاب، وفيها نصيحة، وفيها إحساس بالحق والرحمة.

لقد وجهت رسائلها بكلمات بليغة، تفهمها القلوب قبل العقول…
وهذا هو الذكاء العاطفي في أقوى صورة:
أن توصل رسالتك دون أن تخسر احترامك أو مشاعرك.

دعاء الإمام السجاد عليه السلام… تربية القلب


قال في دعاء مكارم الأخلاق:
"اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَيِّرْنِي بِسِيرَةِ أَهْلِ الْخُلْقِ، فَأَكُفَّ عَنِّي جَنَاحَ الْجَهْلِ"

يعني: اجعلني لا أتحرك بجهل، ولا أرد بغضب،
بل أتصرف بحِكمة، أُمسك نفسي عن الخطأ،
هذا الدعاء هو طلب صادق أن يصبح القلب منضبطًا، لا يتبع كل انفعال، بل يحكم على الموقف بما يرضي الله، لا بما يُرضي الهوى.

أنت… والذكاء العاطفي في حياتك اليومية

• حين يُخطئ طفلك وتصرخ، فقد خسر شيئًا من أمانه…
  لكن حين تضمّه وتعلّمه بهدوء، فقد ربح قلبًا وفهمًا.
• حين يؤذيك أحد وترد بقسوة، ربما ترتاح لحظة…
  لكنك تخسر علاقتك.
  أما إذا عبّرت بصدق دون أذية، فقد أصلحت الجرح وارتقيت.
• حين تخونك مشاعرك وتودّ البكاء أو الانفجار…
  خذ نفسًا، أوقف الدنيا للحظة، وقل:
  "يا الله… لا تتركني لنفسي لحظة"
• كن ذكيًّا بقلبك… تكن عظيمًا في أثرك

الذكاء العاطفي هو أن تعيش بقلبك… ولكن لا تنكسر.
أن تُحب، ولكن لا تذوب.
أن تَرحم، ولكن لا تُهان.
أن تفهم، وتغفر، وتُعبّر، وتبني جسورًا بدل أن تهدمها.

فلتكن دعاءك اليوم:

"اللهم اجعل قلبي ذكيًّا، حليمًا، قويًّا، مَلكًا على مشاعري، لا عبدًا لها.