بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيما الحسين الشهيد، المظلوم، العطشان، الذي بكت له الأرض والسماء، وارتجف له العرش، ومالت له القلوب.
-لماذا نخشع؟ لماذا نبكي؟
أيها الأحبة...
حين يُذكر الحسين عليه السلام، فلا يُذكر رجلٌ فقط، بل تُذكر كل القيم التي لأجلها نُخلق.
حين نبكيه، فإننا لا نبكي مقتل جسدٍ طاهرٍ فحسب، بل نبكي فقدان العدالة، وانطفاء النور، وجفاء الأمة لنبيها وتقطيعها لأوصاله وسبيها لحرائره ونسائه
قال تعالى:
"قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..."
(سبأ: 46)
قف مع نفسك، وفكر:
كيف لا أخشع لذكر الحسين وهو القربان الأعظم؟
كيف لا تدمع عيني وأنا أسمع نحيب زينب؟
كيف لا ينحني قلبي إذا تذكرت جسدًا مطروحًا على الرمضاء بلا غسلٍ ولا كفن؟
🗝️ المفتاح الأول: الحضور بالقلب لا بالجسد فقط
إنّ أول شروط الخشوع، أن تأتي إلى المجلس بقلبك قبل جسدك.
أن تدخل المجلس لا كزائرٍ عابر، بل كمن أتى إلى أعتاب القرب الإلهي من خلال باب الحسين عليه السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
"مَن ذُكرنا عنده ففاضت عيناه، ولو مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه..."
(كامل الزيارات)
🗝️ المفتاح الثاني: تذكر المظلومية لا فقط القتل
إن الحسين لم يُقتل وحده، بل ذُبح الدين معه، وقُطّعت أوصال الرسالة، وسُبيت عترة النبي، وساد الظلم حتى طغى.
قال الإمام الباقر عليه السلام:
"قُتل جدي الحسين مظلوماً كما قُتل يحيى بن زكريا، وذُبح كما تُذبح الشاة."
(تفسير العياشي)
حين تتذكر أن زينب نادت:
"يا محمداه، صلّى عليكَ مليكُ السماء، هذا حسينك بالعراء، مرمّلٌ بالدماء، مقطّع الأعضاء..."
حينها فقط، ستلين القلوب، وتخرّ الدموع، ويذوب الفؤاد خضوعًا وخشوعًا.
🗝️ المفتاح الثالث: الدعاء باستجلاب الدمعة
لا تستحي أن تسأل الله دمعة، فالدمعة طريق، والدمعة شفيعة.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
"كل عينٍ باكية يوم القيامة إلا عين بكت على جدي الحسين، فإنها ضاحكة مستبشرة."
(كامل الزيارات)
ادعُ في خلوتك:
"اللهم لا تحرمني من دمعتي على الحسين، ولا من حرارة مصيبته في قلبي، واجعلني من الباكين، لا الغافلين."
🗝️ المفتاح الرابع: فهم أن البكاء ليس ضعفًا، بل علوّ> قال الله تعالى:
"ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً"
(الإسراء: 109)
الأنبياء كانوا يبكون، والأولياء كانوا يخشعون، وقلوب العارفين كانت تلين كلما ذُكر الحسين.
البكاء على الحسين ليس عاطفةً مؤقتة، بل هو مدرسة تربية وتهذيب وولاء.
هي دمعة ترفعك، لا تُسقطك.
🗝️ المفتاح الخامس: أن ترى نفسك مسؤولًا
إن الحسين لا يريد دموعًا بلا روح، ولا حزنًا بلا وعي.
يريد قلبًا يثور على الظلم، يتطهّر من الرذائل، يتجه إلى الله من خلال مصيبته.
قال الإمام الرضا عليه السلام:
"من جلس مجلسًا يُحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب."
(وسائل الشيعة)
فليكن بكاؤك موقفًا، وليكن خشوعك إعلان ولاء، وليكن حضورك في المجالس عهدًا جديدًا بالثبات.
أيها الإخوات...
لا تخجل من دمعتك على الحسين، فهي نور، وهي شفاعة، وهي راية بيدك يوم القيامة.
قال الإمام الباقر عليه السلام:
"إنّ نفسَ المحزون لَتشقّ قلبَه، وإنّ البكاء عليه رحمة."
(الكافي)
فابكِ... فإنك على حق.
واخشع... فإنك في مجلس الحسين.
واخفض رأسك... فإنك تجالس من بكى له جبرائيل، واستأذن ملك الموت ربه ليُعزّي نبيًّا بولده...