تويت
فوائد لغوية القاب العباس عليه السلام (كبش الكتيبة)
الشيخ حمزه ابو العرب
قال المرحوم العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه (بطل العلقمي:1/59): شاع عند العرب وصف البطل بالكبش على جهة العموم، ونظموه في اشعارهم، فمنه ما جاء عن (الدميري في حياة الحيوان) وهو من شعر (صفين):
الليلُ داجن والكباشُ تنتطح نطاح اسد ما اراها تسطلح
فمنْ يُقاتل في وغاها ما نجى ومن نجى بنفسه فقد ربح
قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة:5/154) كبش الكتيبة: عظيمها ورئيسها.
قال:
ثم ما هابوا ولكن قدّموا كبش غارات اذا لاقا نطحْ
وقال الشيخ المظفر في (بطل العلقمي/1/54): لايُطلق الكبش في الحرب عند العرب إلا على من تكاملت فيه سمات البطولة، وجمعت فيه صفات الرجولية، ولـُقـِّب بهذا اللقب قبل ابي الفضل العباس بن علي عليه السلام رجلان من اعظم رجال العرب، واشهرها؛ احدهما بطل المشركين بلا نزاع – طلحة بن ابي طلحة القرشي – قتله امير المؤمنين عليه السلام يوم أحد فسُرّ بقتله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
قال الحلبي في سيرته (ج2/339) : في غزوة احد خرج رجل من المشركين - بين الصفين – وهو طلحة بن ابي طلحة، وكان بيده لواء المشركين، وطلب المبارزة مرارا، ولم يخرج اليه احد.
فقال: يا اصحاب محمد زعمتم ان قتلاكم الى الجنة، وان قتلانا الى النار كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك حقا لخرج إليّ بعضكم.
فخرج اليه علي بن ابي طالب عليه السلام فاختلفا ضربتين فقتله علي عليه السلام.
وفي ذلك اليوم قتل علي جميع اصحاب الألوية ( بطل العلقمي:1/65)، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسمعوا صوتا:
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى الا علي
وثانيهما: بطل المسلمين غير مدافع وهو (مالك بن الحارث الاشتر النخعي) صاحب امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بطل العرب المشهور كان يُلقب (كبش العراق)، ذلك امر مشهور، اكثر شعراء صفين من ذكره.
وبعد هذه المقدمة التاريخية، لابد لنا من ان نقف على المعنى اللغوي لهذا اللقب (كبش الكتيبة).
ذكر اللغويون، ومنهم ابن منظور في لسان العرب، والرازي في مختار الصحاح، والفيّومي، في (المصباح المنير): ان الكبش واحد الكباش وهو فحل الضأن، ومؤنث الكبش من غير لفظه وهو (النعجة).
وقال اللغويون ايضا: كبش القوم رئيسهم وسيدهم، وحاميهم، والمنظور اليه فيهم، وكبش الكتيبة قائدها والكتيبة - في اللغة - الطائفة من الجيش مجتمعة (والجمع كتائب).
فحقيقة الكبش - في اللغة - هو الفحل المتقدّم على قطيع الغنم، ليقودها ويتحمّل مسؤولية هذه القيادة ومخاطرها، ولذلك قيل في المثل: (هو كبش الفداء). ومن الحقيقة تخرج الكلمة الى المجاز، قال الزمخشري في (اساس البلاغة ص534): ومن المجاز هو: كبش كتيبة وهم كباش الكتائب.
والذي جوّز للكلمة ان تخرج من الحقيقة الى المجاز هو العلاقة والصلة بينهما، ونعني بها المشابهة بين كبش القطيع وكبش الكتيبة في القيادة والمسؤولية ومجابهة المخاطر...
وصف الشعراء العباس عليه السلام بكل صفات البطولة، ومنها كبش الكتيبة حيث لقبوه به.
ومن اولئك الشعراء المرحوم الشيخ (حسن قفطان المتوفى سنة 1277هـ ) حيث رثى العباس عليه السلام بقصيدة بلغت ابياتها اربعة وثلاثين بيتا منها:
ومشى اليه السبط ينعاه كسرتَ الان ظهري يا اخي ومعينــي
عباس كبش كتيبتي وكنانتي وسري قومي بل اعز حصوني
يا ساعدي في كل معترك به أسطو وسيف حمايتي بيمينــي
لمن اللوى اعطي ومن هو جامع شملي وفي ضنك الزحام يقيني(1)
ومنهم الشيخ (محمد رضا الأزري المتوفى سنة 1240هـ) حيث رثى العباس عليه السلام بقصيدة بلغت ابياتها ستة عشر بيتا، ومنها – عن لسان الحسين عليه السلام- :
اليوم سارَ عن الكتائب كبشها اليوم غابَ عن الصلاة امامها
اليوم نامت اعينٌ بك لم تنَمْ وتسهّدت اخرى فعز منامها (2)
وما ذكره الكتاب المعاصرون من ان العباس عليه السلام قال لأخيه - لما اراد حمله الى المخيم-:
(اتركني في مكاني يا اخي لأني كبش كتيبتك واذا رآني اصحابك مقتولا يقل عزمهم...)
اقول ان هذا غير دقيق؛ لأن الانسان لا يلقب نفسه بنفسه، بل الذي يلقبه هو المجتمع من خلال سلوكه إن خيراً فخيرٌ وان شرا فشرٌ...
فالشعراء هم الذين لقبوا العباس عليه السلام بكبش الكتيبة لا غيرهم .