بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[1].
حوارية بشكل مناداة بين فريقي الجنة والنار وبعد ما وجد كلّ ما وعدهم الله بما يعدون، فقد ينعم فريق الجنة بما وجده من الوعد، وجدنا حقا ما وعدنا ربنا حقا، حيث إن ﴿حَقًّا﴾، ذو تعلقين اثنين، ثم يستجوبون فريق النار فلا مفلت لهم عن ﴿نَعَمْ﴾، ثم ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾، من مذياع الحق بالحق وقد أصفق الفريقان أنه علي أمير المؤمنين عليه السّلام ﴿أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، المستحقين النار، لا المعفو عنهم المستحقون الجنة، والظالمون هنا هم ﴿اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ﴾. فعبارة ﴿الظَّالِمِينَ﴾، هنا قاصدة للعموم الموصوف بالثلاث الآتية مهما كانوا من المسلمين.
وترى كيف المؤذن هناك علي عليه السّلام والنبي صلى الله عليه وآله فوقه محتدا وصلوحا؟ وذلك لأن له صلى الله عليه وآله المقام الأوّل وهو فوق الأذان، فالثانية بأذنه عن إذن الله أن يكون هو المؤذن، وكما كان مؤذن هذه الرسالة القدسية على هامشه صلى الله عليه وآله وكما ورد عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: ((خَطَبَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنَ اَلنَّهْرَوَانِ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَسُبُّهُ وَيَعِيبُهُ وَيَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، فَقَامَ خَطِيباً وَذَكَرَ اَلْخُطْبَةَ إِلَى أَنْ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِيهَا: وَأَنَا اَلْمُؤَذِّنُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اَللّٰهِ عَلَى اَلظّٰالِمِينَ﴾، أَنَا ذَلِكَ اَلْمُؤَذِّنُ، وَقَالَ: ﴿وَأَذانٌ مِنَ اَللّٰهِ وَرَسُولِهِ﴾، وَأَنَا ذَلِكَ اَلْأَذَانُ))[2].
فكما أنه المؤذن يوم الدنيا أذانا رساليا بعد الأذان الرسولي، كذلك هو المؤذن في الأخرى بإذن منه صلى الله عليه وآله.
ولو كان المؤذن هناك هو الرسول صلى الله عليه وآله بنفسه لجئ باسمه المبارك، دون مجرد الوصف ﴿مُؤَذِّنٌ﴾، غير المعلوم صاحبه إلاّ بسناد لمحات من القرآن كآيات الولاية ولا سيما آية شاهد منه: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً..﴾[3]، فإنها شاهدة لكون الإمام عليه السّلام هو الشخصية الثانية بعد الأولى الرسولية، فليكن مؤذنا هناك كما هو المؤذن عنه صلى الله عليه وآله هنا.
ومن جهة أخرى هو كلام من خالق الخلق عز وجل سبق في الآيات المتأخرة عن أولى مراحل اليوم الآخر (الموت) ثم الموقف وما واكبه من مناقشات بين أصحاب النار (رؤساء وتابعين) ثم (الجحيم) وكيفية دخولهم فيها.
أما الآن فالحديث عن مرحلة رابعة من مراحل اليوم الآخر وهي مرحلة الجحيم مقابلاً للجنة من حيث المواقف التي يصدر عنها كل من أصحاب الجنة وأصحاب النار عبر المحاورات التي تجري بين الفريقين، وأهمية هذه المحاورات تتمثل في كونها وسيلة قصصية تنقل لنا حقائق جديدة عن الإيمان، والحياة، والمبادئ، يستهدف النص توصيلها إلى المتلقي للإفادة منها في تعديل سلوكه.
وعليه لنتقدم إلى هذا المرأى أو ما يُسمّى في اللغة القصصية بالمشهد أو الموقف، فماذا نجد؟
ينقل لنا النص مرأىً مسرحياً هو: بيئة الجنة وبيئة النار متقابلين، يطلّ أصحاب الجنة على أصحاب النار فيقولون لهم: ﴿قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً﴾، فيجيبهم أصحابُ النار بكلمة ﴿نَعَمْ﴾، وهنا يتدخّل عنصر ثالث ﴿فأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُم﴾، فَيُعَقِّبُ على قولِ أهلِ النار قائلاً: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾[4].
إذاً، وظيفة العنصر الثالث هي (من الزاوية الفنية) تقرير الحقيقة المتصلة بشرح أسباب دخول المنحرفين النار، حيث وصفهم بأنهم ﴿يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾، ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾، و ﴿وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾.
[1] سورة الأعراف، الآية: 44.
[2] تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 184.
[3] سورة هود، الآية: 17.
[4] سورة هود، الآية: 19.