التفوق في مجتمعات لا تُشجّع النجاح
عاد أحد تلامذة الصف الخامس الابتدائي من مدرسته مفعمًا بالفرح، يحمل في قلبه فخرًا وفي يده ورقة نتائج نصف السنة. لم تكن درجاته تقل عن (95)، وقد نال ثناء المعلمين والمدير على تفوّقه المعتاد. لقد اجتهد، فنجح، وجاء اليوم الذي يُحتفى فيه بثماره.
لكن فرحه لم يدم طويلًا. ما إن عرض ورقته على أحد الأقارب، حتى رماها الآخر بنظرة امتقاع وعلّق بصوتٍ متشنج:
"مو زين... عندك بس الإنكليزي والجغرافية (100)... درجاتك حطب!"
هكذا، بكلمات قليلة، تلاشى وهج النتيجة، لا لأن الأرقام فقدت معناها، بل لأن الحسد لبس ثوب "النقد"، وجاء ليسرق لحظة الفرح التي طالما انتظرها الطفل.
هذا الموقف الصغير ليس استثناء، بل هو مشهد مكرّر في حياة كثير من الناجحين، الكبار منهم والصغار. حين يضيق صدر بعض الناس برؤية الآخرين يسطعون، يلجؤون إلى أدوات باردة: السخرية، التقليل، والتحقير، متناسين أن كلمة واحدة قد تُطفئ نورًا عمره شهور من الجد والاجتهاد.
إن النجاح ليس مجرد أرقام تُكتب على ورقة، بل تجربة شعورية عميقة، ترتبط بالاعتراف، بالدعم، وبكلمات التقدير التي تنعش الروح. لذا، فإن أول ما يجب أن نعلّمه لأبنائنا، هو كيف يحتمون من الكلمات المسمومة، وكيف يُدركون أن ما يُقال أحيانًا لا يُقاس بصدقه، بل بنيّة قائله.
لأن بعض الكلمات لا تُقال لتُقيّمك، بل لتُكسرك.