صحيفتي .. وأحدهم
في أواخر الثمانينيات، كنتُ مراهقًا يترقّب كل خميس كأنه عيد. لا بسبب عطلة، بل لأن صحيفة رياضية تصدر من نادٍ أحبه كانت تملأ يومي. كانت صحيفة أسبوعية، صغيرة بحجمها، عظيمة بمحتواها، أجد فيها أسماء اللاعبين، تحليلات المباريات، صورًا باهتة لكنها مشبعة بالحياة. وذات مساء، لمعت على شاشة التلفزيون إعلانات عن صدور العدد الجديد. لم أتمالك فرحتي، لكن أحدهم سخر وقال بتحاملٍ خبيث: "إي خل يكيف!" كأنما القراءة في تلك الصحيفة جريمة تستحق الاستخفاف. ظلّ السؤال يرافقني لسنوات: هل ارتكبتُ خطأً؟ وهل كان حُبي لصحيفة ناديي سببًا للّوم؟ واليوم، بعد مضي الزمن، أجد بين يدي 26 عدداً من تلك الصحيفة. أوراق صفراء، لكنها تشع دفئاً. أستعيد فيها تفاصيل كنت أظنها نسيت. أسمع صوت المذيع، رائحة الورق، ونبض القلب الذي كان ينتظر الخبر. الآن أبتسم لذلك الساخر، وأهمس في داخلي: "وش دخلك؟ وليش ضايج؟" لقد كنت أقرأ ما أحب، وأحتفي بما يشبهني. فالصحف التي نقرؤها في شبابنا، ليست مجرد أخبار، بل بيوت صغيرة نسكنها كلما ضاقت بنا الدنيا. ولكل من أحب شيئًا وسُخر منه: تمسّك به. فما تحبّه قد يكون أثمن من ألف رأي عابر.