دفتر أبو السيم
مع بداية موسم القرطاسية، ألحّت عليّ صغيرتي المدلّلة أن أصحبها إلى إحدى المكتبات لتنتقي ما يسرّها من اللوازم المدرسية. ولمّا كانت من المتفوقات الحريصات، تركتُ لها حرية الاختيار من بين أكداس الدفاتر والأقلام والملوّنات.
وهناك، بين أرفف الأدوات، سافرتُ بعيدًا...
سافرتُ إلى مقعدي الخشبي في الصف الرابع الابتدائي، إلى ذلك اليوم الذي مررتُ فيه أمام مكتبة بلدتي الوحيدة. كان قلبي الصغير يخفق بشغف الاكتشاف، وعيناي تتوهجان بدهشة الأطفال، حين لمحتُ للمرة الأولى ما يُسمّى بـ"دفتر أبو السيم".
غلافه اللامع، زخرفته الغريبة، وطريقته الفريدة في التجليد، جعلتني أشتهي امتلاكه، لا لحاجة دراسية، بل لحبٍّ بريء للجمال. سألتُ صاحب المكتبة عن السعر فقال: "ثلاثة دراهم" — أي ما يعادل مصروفي ليومين.
ترددتُ لحظة... ثم عقدت العزم على التوفير.
جمعت فلسًا فوق فلس، وانتظرت يومين بشوق.
وما إن وضعت الدفتر بين يديّ حتى شعرتُ بفرحة لا توصف. كنتُ أملك الدنيا.
لكن الفرحة ما لبثت أن انطفأت.
إذ أتى أحدهم، من حيث لا أدري، وتطفّل على لحظة سعادتي. زمجر بوجه طفولتي، ورماني بكلمات الزجر:
"شنو تسوي بهالدفتر؟ مو عندك دفاتر؟ ليش تصرف فلوسك على شغلات فاضية؟!"
والأغرب، بل الأوقح، أن ذلك الرجل لم يكن وليّ أمري، ولا من سعى لرزقي، ولا من وهبني فلسًا واحدًا.
أردتُ أن أصرخ:
"تبا لك من أرعن! لماذا تسرق مني فرحتي الصغيرة؟"
مرت السنون... وها أنا الآن، أقف في المكتبة، أمنح طفلتي حريتها في أن تختار...
لعلها تكتب في أحد دفاترها فرحةً لم يُفسدها أحد.