تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾[1].
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾، نوح عليه السلام يدأب في دعوة قومه لعبادة الإلهة الذي ليس إله سواه فكذّبوه جحودا وعنادا ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، وهم من آمن به. وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة. وقيل: كانوا تسعة: بنوه سام ويافث وحام، وستّة ممّن آمن به.
﴿فِي الْفُلْكِ﴾، متعلّق ب ﴿مَعَهُ﴾، كأنّه قال: والّذين استقرّوا معه في الفلك، أو صحبوه فيه. أو ب ﴿أَنجَيْنَاهُ﴾، أي: أنجيناهم في السفينة من الطوفان. أو حال من الموصول، أو من الضمير في ﴿مَعَهُ﴾.
الفلك أي السفينة، حيث أمره الله سبحانه فعمل سفينة وركب هو والمؤمنون فيها، ثم أمطرت السماء، وتفجرت العيون، حتى أخذ الماء وجه الأرض، وهلك الكفار بأجمعهم، ثم يبست الأرض وخرج نوح والمؤمنون، يعمرون الأرض بتقوى الله من جديد.
وقوله تعالى: ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾، أي: عمي القلوب غير مستبصرين. يقال: رجل عم، إذا كان أعمى القلب، ورجل أعمى في البصر. وأصله عميين فخفّف. والفرق بين العمي والعامي: أنّ العمي يدلّ على عمى ثابت، والعامي على عمى حادث.
فهم عمين عن الحقّ يقال: «رجل عمي» إذا كان أعمى القلب ورجل أعمى أي بلا بصر.
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره لهذ المقطع من الآية الشريفة: [وهذا العمى القلبي كان نتيجة أعمالهم السيئة وعنادهم المستمر، لأنّ التجربة أثبتت أنّ الإنسان إذا بقي في الظلام مدة طويلة، أو أغمض عينيه لسبب من الأسباب وامتنع عن النظر مدة من الزمن، فإنّه سيفقد قدرته على الرؤية تدريجا وسيصاب بالعمى في النهاية.
وهكذا سائر أعضاء البدن إذا تركت الفعالية والعمل مدّة من الزمن يبست وتعطلت عن العمل نهائيا.
وبصيرة الإنسان هي الأخرى غير مستثناة عن هذا القانون، فالتغاضي المستمر عن الحقائق، وعدم استخدام العقل والتفكير في فهم الحقائق والواقعيات بصورة مستمرة، يضعف بصيرة الإنسان تدريجا إلى أن تعمى عين القلب والعقل في النهاية تماما][2].
وقد ورد عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ نُوحاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا غَرَسَ اَلنَّوَى مَرَّ عَلَيْهِ قَوْمُهُ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ وَيَقُولُونَ قَدْ قَعَدَ غَرَّاساً حَتَّى إِذَا طَالَ اَلنَّخْلُ وَكَانَ جَبَّاراً طُوَالاً قَطَعَهُ ثُمَّ نَحَتَهُ فَقَالُوا قَدْ قَعَدَ نَجَّاراً ثُمَّ أَلَّفَهُ فَجَعَلَهُ سَفِينَةً فَمَرُّوا عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ وَيَقُولُونَ قَدْ قَعَدَ مَلاَّحاً فِي فَلاَةٍ مِنَ اَلْأَرْضِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا))[3].
وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتّى يسيل مسامعه دما، وحتّى لا يعقل شيئا ممّا يصنع به، فيحمل فيرمى به في بيته أو على باب داره مغشيّا عليه. فأوحى الله تعالى إليه: ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ﴾[4].
فعندها أقبل على الدعاء عليهم، ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك، ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾[5]، فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال وأرحام النساء، فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد، وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتّى هلكت أموالهم، وأصابهم الجهد والبلاء. ثمّ قال لهم نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾[6]، فأعذر إليهم وأنذر، فلم يزدادوا إلاّ كفرا، فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم ودعائهم، فلم يؤمنوا ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾[7]، يعني: آلهتهم، حتى اغرقهم الله وآلهتهم الّتي كانوا يعبدونها. وبعد نوح عبد الناس الأصنام، وسمّوا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح. فاتّخذ أهل اليمن يغوث ويعوق، وأهل دومة الجندل اتّخذوا صنما سمّوه ودّا، واتّخذت حمير صنما سمّته نسرا، وهذيل صنما سمّوه سواعا. فلم يزالوا يعبدونها حتّى جاء الإسلام.
[1] سورة الأعراف، الآية: 64.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 5، ص 88-89.
[3] الكافي، ج 8، ص 283..
[4] سورة هود، الآية: 36.
[5] سورة نوح، الآية: 26.
[6] سورة نوح، الآية: 10.
[7] سورة نوح الآية: 23.