(حوار مع شاعرة الرضا عليه السلام/ الشاعر وفاء الطويل تاروت) 11
علي حسين الخباز
يستيقظ المعنى كلما مر على الطف شاعر، لأنه ابن خيمة ظك عليها العويل، تجدها دائما في مآتم الشهداء...
ويسمع... بإذن قصيدته صهيل الخيول، وأنين أطفال الخيام،
وحشرجة الرمال حين يغزوها البكاء...
وكلما يبوح القلب بأنين الجراح، تشتعل الروح يقينا... وتنادي في كل حرف يا حسين
حين يكتب الشاعر قصيدته
يرى المديات كلها قطره ماء، ودماء الفرات، وظلال النخيل، وشمس ظهيرة مذبوحة الوريد، ودمع التراب وعلى صفحة الأفق دمع الرضيع، وابتسامة السيوف...
حين يكون الدم عنوان المصير أنت حين تكتبين القصيدة ماذا تشعرين؟
هل ترفعين سيف مودتك للقتال لتكوني فصلا من فصول كربلاء؟ أم تهزجين بالشعر موقف نصرة لا تموت، وهل تعطشين؟ هل تشربين الماء؟ أم....
ــ سؤال يقظ
كأنك تسأل عن انتمائي...
في حضرة الحسين، الماء هو ميزان الوفاء، ورمز الكرامة، ومرآة الاختبار.
هو الحياةُ التي أُطفئت على ضفاف الفرات،
هو الشهادة التي تجلَّت في صرخة طفلٍ وصبر إمام...
حين يستدعي الإلهام الطف أزهد في كل شي إلا ثورة المشاعر
كيف أشرب وذكريات الظمأ تجثم على صدر القصيدة؟
وأنا أسمع صرخة الرضيع؟
فكل قطرةٍ من الماء ستسألني: هل وفيتِ؟
أستحي من نظرة رقية، ومن جفن العباس...
في حضرة الحسين كل ما بي يمتحن
كلماتي، دموعي، جزعي، صمتي، وحتى جرعة الماء...
فكيف أجرؤ أن أبلّ ريقي، وحكاية الطف ظمأ تجري بين أناملي تلهب المحاجر؟
"تجلي الأسى"
كَيْفَ لِي أَنْ أَشْرَبَ المَاءَ وَحُزْنِي مُسْتَدَامُ
وَالعَزَاءُ الآنَ فِي أَرْوِقَةِ الشِّعْرِ يُقَامُ
وَخَيَالُ الطَّفِّ فِي جَفْنِي نُوَاحٌ وَاحْتِدَامُ
فَإِذَا بَلَّتْ شِفَاهِي قَطْرَةٌ فَاضَ المَلَامُ
كُلُّ مَاءٍ بَعْدَهُمْ صَارَ بَلَاءً وَاخْتِبَارَا
أَشْرَبُ المَاءَ وَفِي الطَّفِّ بَقَى الآلُ حَيَارَى
فَلَهُمْ دَمْعَةُ وَجْدٍ مِنْ شُعُورِي تَتَجَارَى
سَكَبَتْهَا نَبْضَةُ القَلْبِ شُجُونًا وَانْكِسَارَا
كَيْفَ لَا أَبْكِي وَوَجْدِي مُشْعَلٌ مِثْلَ الفَتِيلِ
صَدِئٌ قَلْبُ الهُدَى... لِلصَّبْرِ هَلْ لِي مِنْ سَبِيلِ
حِينَ غَاضَ المَاءُ مِنْ قُرْبَةِ ذَيَّاكَ الكَفِيلِ
وَالطُّفُولَاتُ اغْتَدَتْ رَجْعَ بُكَاءٍ وَعَوِيلِ
وَأَرَى الطِّفْلَ ارْتَوَى مِنْ نَبْلِ مَأْفُونِ مُعَادِ
شَطَرَ النَّحْرَ لِنِصْفَيْنِ بِحِقْدٍ وَعِنَادِ
رَفَعَ السِّبْطُ دِمَاهُ بِابْتِهَالَاتٍ يُنَادِي
أَيُّ ذَنْبٍ قَدْ جَنَاهُ الطِّفْلُ يَا رَبَّ العِبَادِ
إِنَّهُ المَاءُ الَّذِي مَا عَادَ يَرْوِي عَنْ غَلِيلِ
طَعْمُهُ الحَسْرَةُ مُذْ فَاضَتْ جِرَاحَاتُ الكَفِيلِ
كُلُّمَا أُبْصِرُهُ أَغْرَقُ فِي هَوْلِ ذُهُولِي
أَوَ مَا زَالَ إِلَى اللَّحْظَةِ يَجْرِي فِي السُّيُولِ