بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم إلعن قتلة الحسين
اللهم إلعن قتلة الحسين
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾[1].
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾، المقصود من التبديل هو المحو للسيئات بعد التوبة وتوضع مكانها حسنة فالتبديل: هو وضع أحد الشيئين مكان الآخر ﴿حَتَّى عَفَوا﴾، يعني اعرضوا وتباعدوا عن الشكر.
ولكن علينا أن نفهم من الآية الشريفة لا تعني أن الحسنة مكان السيئة واليسر مكان العسر والنعمة مكان الشظف، وعلى الجملة العفو الزيادة مكان النقيصة، إنها لا تعني إلاّ جزاء وفاقا إن لم يضّرّعوا بالبأساء والضراء، فبلية الحسنة أصعب من بلية السيئة، ولذلك ترى أكثر الساقطين في البلايا هم من المنعمين حيث يكثرون وينتشرون، مسهلين العيش، متيسرين الحياة، معذّرين تخلفاتهم أمام الله، فقد تعني ﴿حَتَّى عَفَوا﴾، إلى جانب غورهم في زخرفات الحياة، اعتبارهم أنفسهم معفيين عن المسؤوليات، إباحيين في اللذات والشهوات، عائشين في اللاّمبالاة الطليقة، فكل ما يصدر منهم عفو بلا أي تحرج أو مبالات، فقد عفوا في أنفسهم وأموالهم وأولادهم نماء، وعفوا عفوا ولأن العفو تأتي بمعاني: الزيادة والانتقاص لازمة، وبمعنى التجاوز متعدية ب «عن» فطليقة ﴿عَفَوا﴾، كما هنا قد تعنيها كلّها وفقا لأدب اللفظ وعناية المعنى، فقد ﴿عَفَوا﴾، بتلك الحسنات بعد السيئات زيادة ونموا في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ومحاصيلهم، فعفوا انتقاصا على نقصهم في نقضهم عهد الله، ثم ازدادوا عفوا حيث عفوا عن سيئاتهم أنفسهم بإباحية طليقة وكأنها مشروعة مرضية لله ﴿وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾، قصدا إلى أنهما ليستا جزاء وفاقا لسيئات أو حسنات، إذ لم تكن لآبائنا حالتان مختلفتان تستجران الجزاءين هذين المتقابلين، وكذلك الأمر فينا نحن، فذلك جريان طبيعي في إقبال الدنيا وإدبارها دون ما رباط لهما بحسنات أو سيئات، أم إن ذلك فوضى جزاف من الله دون أن تكون الضراء والسراء خلفية ربانية للسيئات والحسنات، أم قد بلغ أمرهم في بلية الحسنة بعد السيئة أنهم تحسّنوا كآبائهم مستحقين للحسنة بتركهم شرعة الله التي يدعيها الأنبياء! إذ ﴿لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾[2]، لذا نحن سائرون وفق مشيئة الله، ماضون بأمر الله، اعتبارا للإشراك بالله وترك شرعة الله، إيمانا بالله، فتوحيد وتصديق شرعته إذن كفر به!
واحتمال آخر أن ﴿قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾، تخصهما بهم دون هؤلاء الأولاد، حيث بدلت السيئة لهم بالحسنة، وعليه فقد عفوا عن أنفسهم إصابة السيئة إن كانت هذه الإصابات قاصدة، رعونة لهم كأنهم يستحقون فقط الحسنة، ﴿فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾، هي شر أخذة، إذ قد يؤخذ الظالمون بإخبار مسبق كما في قوم لوط ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾[3].
فلأن هؤلاء الأنكاد عمدوا إلى سدّ كل المنافذ حتى لا يسمعوا الحق ولا يروه ولا يفهموه، مهما مستهم البأساء والضراء إيقاظا لفطرهم، وهي الخطوة الأخيرة لاهتدائهم دون اختيار لهم، فلم يزدهم إلاّ عتوا ونفورا، فلذلك يستحقون مباغتة العذاب ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، مجيئه بالفجيعة إلاّ عندما أخذهم، كما ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾، رغم ما أشعرتهم الضراء والسراء.
وهكذا تكون الدعوة الربانية أنه ما دامت الإمكانية لبلاغ الحجة لا يظنّ بها، فمن خطوة الحجة البالغة إلى العظة، وإلى الإنذار بالعاقبة، وإلى إيقاظ الفطرة بمختلف الأساليب، وحده الأخير هو إيقاظها رغم تعنّت أصحابها، ومن ثم استئصالهم حين استأصلت لهم كل الطرق لانتباههم، إذ لا خير فيهم إلا ضر وشر للإنسانية.
حينذاك في ساعة الغفلة السادرة، والغفوة الغادرة، والعفوة البادرة تباغتهم العاقبة المضمونة ﴿فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، وهذه سنة جارية ربانية في إصلاح المتخلفين خطوة خطوة، حتى إذا خطوا الخطوة الأخيرة في الأخطاء العامدة، ولم يبق إلى قلوبهم نافذة هدى وتبصرة، استأصلهم الله وأخمد نيرانهم تطهيرا للجو عن هؤلاء الأرجاس أهل النحس وهو قوله تعالى: ﴿يَومَ يَغشَىهُمُ العَذَابُ مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[4].
[1] سورة الأعراف، الآية: 95.
[2] سورة الأنعام، الآية: 148.
[3] سورة هود، الآية: 81.
[4] سورة العنكبوت، الآية: 55.