لماذا لم أذهب؟ لأن الصلاة كانت أولى
كان عام 1991، وكانت الحرب قد خمد صوتها قليلًا، فعاد التلاميذ إلى مقاعد الدراسة يحملون حقائبهم الثقيلة وأحلامهم الصغيرة، وجاء الإعلان المنتظر: "سفرة دراسية إلى بغداد – متنزه الزوراء ومدينة الألعاب."صفق الجميع بحماسة، أما هو، فظل صامتًا. شيء ما في قلبه لم يطمئن لتلك الرحلة، لكنه قرر أن يشارك، لعل في الأمر متعة طالما حدّثوه عنها.
ركبوا الحافلة، وانطلقت الضحكات، والتقطت العيون صور الأشجار والتماثيل والدواليب الهوائية. لكنه، وسط كل هذا الزحام من الألوان، شعر بالفراغ.
الساعة تجاوزت العصر، ثم المغرب، ثم أقبل الليل، وهم لا زالوا يتنقلون بين لعبة وأخرى. تلفت حوله يبحث عن موضع يصلي فيه، أو عن من يشاركه شعوره بأن الوقت يمضي، والصلاة تتأخر… فلم يجد أحدًا.
عادوا ليلاً، وكان قلبه ممتلئًا بالحيرة، مشبعًا بالخذلان، لا من نزهة لم تروِ ظمأه، بل من صلاة فات وقتها.
في تلك الليلة، جلس إلى نفسه وأقسم: "لن أذهب في سفرة بعدها، ما دامت تأخذني عن صلاتي."
وحين جاء العام التالي، تكرر الإعلان ذاته، لكنّه لم يتحرك. بقي في المدرسة، بينما انطلقت الحافلات دونه.
جاءه أحد أقاربه، وكان مدرسًا، فسأله:
– "لم لم تذهب؟"
أجابه بثقة الطفل الذي اختار طريقه:
– "لأنهم يتأخرون عن الصلاة."
ضحك القريب بصوتٍ عالٍ، كما لو سمع نكتة من طفل لا يفهم الحياة.
وقالت أمه لاحقًا: "كان يمكنك أن تصليها قضاءً."
أما ابن خاله، المدرس أيضًا، فهزّ رأسه بتهكّم، وقال كلماتٍ ساخرة نزلت عليه كالإبر.
لكنه لم يندم، لم يتراجع. بقي صامتًا، كأن صمته صلاته الجديدة، كأن قلبه سجادةٌ لا تُطوى.
ومضى يتمتم بينه وبين نفسه:
"والله وحده ولي التوفيق."