بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾[1].
ذكر المزيد من قبل الله تعالى لما وقع من أمر موسى عليه السّلام مع فرعون وقومه، فقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾، وهو المدمر لأنهم كانوا طوفانا يدمّر الحق وأهله، ما طاف بهم وغشي أماكنهم وحرثهم، من مطر أو سيل. قيل: إنّه أرسل عليهم الماء ثمانية أيّام في ظلمة شديدة، لا يقدر أحد أن يخرج من بيته. ودخل الماء بيوتهم حتّى قاموا وبلغ إلى تراقيهم، ومن جلس غرق.
وكانت بيوت موسى وسائر بني إسرائيل منضمّة ببيوتهم، فلم يدخل فيها قطرة، وركد على أراضيهم، فمنعهم من الحرث والتصرّف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعا. فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا ونحن نؤمن بك، فدعا فكشف الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله، ولم يؤمنوا. وقيل: المراد بالطوفان الطاعون كما ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قُلْتُ: ((مَا اَلطُّوفَانُ؟ قَالَ: هُوَ طُوفَانُ اَلْمَاءِ وَاَلطَّاعُونُ))[2].
﴿وَالْجَرَادَ﴾، حيث يجرد الثمر، إذ كانوا يجردون الحياة الإنسانية عن ثمرتها السامية، ومعناه: أرسل عليهم الجراد بعد الطوفان، فأكلت عامّة زروعهم وثمارهم، ثمّ أكلت كلّ شيء حتّى الأبواب وسقوف البيوت والثياب، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل.
ففزعوا إلى موسى ثانيا، فدعا وخرج إلى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب، فرجعت إلى النواحي الّتي جاءت منها، فلم يؤمنوا.
﴿وَالْقُمَّلَ﴾، حيث تمتص الدم وتؤذي صاحبه وهي تسكن مساكن القذارات، وهم يمتصون دماء الحياة ويؤذون ذوي الحياة، فأرسل عليهم القمّل بعد ارتفاع عذاب الجراد. قيل: هي كبار القردان.
وقيل: أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها. وقيل: البراغيث. وكان يقع في أطعمتهم، ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصّها، ففزعوا إليه فرفع عنهم. فقالوا: قد تحقّقنا الآن أنّك ساحر.
﴿وَالضَّفَادِعَ﴾، إذ ضفدعوا: متقبضين منكمشين أمام الحق، فيريد تعالى أن يقول: ثمّ أرسلناها عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب وطعام إلاّ وجدت فيه. وكانت تمتلئ منها مضاجعهم، وتثب إلى قدورهم وهي تغلي، وأفواههم عند التكلّم. فضجّوا وفزعوا إلى موسى، وقالوا: ارحمنا هذه المرّة ولا نعودنّ. فدعا فكشف عنهم، ولم يؤمنوا.
﴿وَالدَّمَ﴾، إذ كانوا يسيلون الدماء في سبيل الباطل، والمراد: بعد رفع عذاب الضفادع عنهم أرسلنا عليهم الدم، فصارت مياههم دما، وإذا شربه الاسرائيلي كان ماء. وكان القبطي يقول للإسرائيلي: خذ الماء في فيك وصبّه في فيّ، فكان إذا صبّه في فم القبطي تحوّل دما. وعطش فرعون حتّى أشرف على الهلاك، فكان يمصّ الأشجار الرطبة، فإذا مضغها صار ماءها الطيّب الحلو ملحا أجاجا. وقيل: المراد منه الرعاف.
﴿آيَاتٍ﴾، نصب على الحال ﴿مُّفَصَّلَاتٍ﴾، عن السحر، مبيّنات لإحقاق الحق، فهي الآيات المبيّنات الظاهرات، لا تشكل على عاقل أنّها آيات الله تعالى ونقمته عليهم. أو مفصّلات لامتحان أحوالهم أيوفون بما وعدوا من أنفسهم أم ينكثون؟ إلزاما للحجّة عليهم، إذ كان بين كلّ آيتين منها شهر، وكان امتداد كلّ واحدة أسبوعا. وقيل: إنّ موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل.
ف ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾، عن الإيمان وعن الخضوع لهذه الآيات ﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾، مصرّين على الكفر والمعاصي يجرمون ثمرة الحياة قبل إيناعها، نكرانا للآيات على التماعها. وقال تعالى في الآيات السابقة ﴿أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾، وهنا ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾، تختصان هذه العذابات الست بهم دون بني إسرائيل على اختلاطهم بهم، مما يدل على أن هذه لم تكن لهم عذابا وإنما هي لهؤلاء، فقد يصدق ما ذكر في التواريخ أن القبطي كان يأخذ الماء من النيل دما أحمر له طعمه ولونه، والإسرائيلي يأخذه منه ماء فراتا له طعمه ولونه، وهكذا الطوفان والجراد والقمل والضفادع إذ لم تكن تؤذي الإسرائيليين!، وكانت تستأصل كل رياحه عن حياتهم أولئك اليومية، حتى اضطروا على فرعنتهم وغرورهم أن يلتجئوا إلى موسى لما وقع عليهم ذلك الرجز العذاب الأليم.
[1] سورة الأعراف، الآية: 133.
[2] تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 60.