إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ماهي اهم الخطب التي جرت في الكوفة؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماهي اهم الخطب التي جرت في الكوفة؟

    أربع خطب أساسية هي التي نقلتها كتب التاريخ لنا عن الإمام زين العابدين والسيدة زينب وأم كلثوم وفاطمة بنت الحسين عليهم السلام، ومن خلالها نستطيع أن نجد التنوع في كيفية الخطاب مع وحدة الحفاظ على محاور التوجيه والموعظة، وبالرغم من أنه لا يوجد تنسيق مسبق للحديث ومفرداته فيما بين الخطباء إلا أننا في النتيجة نحصل على ما يشبه التكامل بين تلك المفردات.
    أول خطبة​
    نستطيع أن نلحظ جملة من الأفكار الأساسية التي ركزت عليها السيدة زينب عليها السلام في خطبتها الكوفية، وهي
    أول خطبة لها وأول خطبة – على الإطلاق – في الكوفة من جهة أسارى أهل البيت عليهم السلام لذلك تكتسب أهمية خاصة لهاتين الجهتين: فمن تلك الأفكار التي ركزت عليها في خطابها لهم:

    1/ فضيحة التفاصل بين العواطف والعمل وأن المبالغة في البكاء من دون تحمل مسؤولية لا ينفع.

    2/ فضيحة التظاهر بحسن الإيمان والولاء والانطواء في المقابل على مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة أو كقصة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم وفي العذاب أنتم خالدون.

    3/ وضع جريمة مقتل الحسين عليه السلام في حجمها العظيم، وأنها ليست مجرد قتل رجل ما بيد السلطة، وإنما هي تمتد للاعتداء على رسول الله صلى الله عليه وآله شخصياً، فكبده صلى الله عليه وآله هو الذي فري ورأسه في الحقيقة هو الذي قطع وبُري وأسرته وكرائمه وحرائره هي التي سبيت لقد سبيتم رسول الله بسبي نسائه وعياله.

    4/ فهل يكفي في ذلك دمعة باردة؟ أو أنّة خافتة؟ لقد جئتم بها شوهاء صلعاء سيئة المظهر هي من الضخامة مثل طلاع الأرض (مثلما طلعت عليه الشمس).

    5/ بل إنها في هذا تؤكد في أول إثبات تاريخي على أنه قد مطرت السماء دمًا، تفاعلاً مع هذه المصيبة وتعظيمًا لما حصل على أثرها، وهي بذلك تصيب عصفورين بحجر واحد؛ تثبت الواقعة تاريخياً حتى لا يتم إنكارها، وتثبت درسها وتفاعل الكون معها.

    وأما نص الخطبة فقد نقلها ابن أعثم عن خزيمة الأسدي قائلاً: ونظرت إلى زينب بنت علي رضي الله عنه يومئذ ولم أر خفرة قط أفصح منها كأنها تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، ثم قالت: الحمد لله وصلواته على أبي محمد رسول الله وعلى آله الطاهرين الأخيار، أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل، أتبكون؟! فلا رقت لكم دمعة، إنما مثلكم كمثل (الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيرًا واضحكوا قليلاً، كل ذلك بانتهاككم حرمة ابن خاتم الأنبياء وسيد شباب أهل الجنة غداً وملاذ حضرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقًا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وتوليتم بغضب الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله فريتم وأي دم له سفكتم وأي حريم له ورثتم وأي حرمة له انتهكتم؟! (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (*) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) لقد جئتم بها خرقاء شوهاء طلاع الأرض، أفعجبتم إن أمطرت السماء دمًا ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل ولا يحفزه البدار، ولا يخاف عليه فوت الثأر، كلا! إن ربك لبالمرصاد.

    وأما الخطبة الثانية فخطبة فاطمة بنت الحسين:

    فإنه يظهر من السيد ابن طاووس في اللهوف أنها من حيث الترتيب كانت للسيدة فاطمة بنت الحسين عليها السلام والتي عبر عنها بالصغرى – في مقابل الكبرى وهي بنت علي عليهما السلام – فقد قال: وروى زيد بن موسى قال: حدثني أبي، عن جدي عليهما السلام قال: خطبت فاطمة الصغرى عليها السلام بعد أن ورد من كربلاء (إلى الكوفة)، فقالت:

    ونشير أولاً إلى أفكارها الأساسية التي وردت فيها ثم نتبعها بالنص الذي ذكره السيد ابن طاووس رحمه الله فإنها تطرقت في هذه الخطبة إلى الأفكار التالية:

    1 ـ التأكيد على مفهوم الحمد لله بهذا المقدار (عدد الرمل والحصى وزنة العرش للثرى..) وأن ما حصل هو مما يحمد الباري عليه، ثم التذكير بموضوع عقائدي وهو أن الله سبحانه قد أخذ العهد من الناس على الإيمان بوصية علي بن أبي طالب وأنه من يخالف ذلك فهو يخالف ما أنزل الله، وأن هذا المجتمع الكوفي بدلاً من أن يدفعوا عن أمامهم الضيم في حياته انتهى به الأمر إلى أن يقتل شهيداً في بيت من بيوت الله عز وجل مع وجود جماعة مسلمة اللسان مؤمنة الشعار لكنها ضعيفة التحقيق والعمل لذلك الشعار، وإن مقتل ذريته من الحسين عليه السلام وأنصاره هو امتداد لذلك القتل، ونلحظ هنا ملاحظة لن تكون إلا في مجلس يزيد بن معاوية بعد نحو من شهر من الزمان سيتطرق لها بالتفصيل الإمام زين العابدين وهو إعادة تعريف الناس بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومزاياه، فهنا أيضاً نلاحظ السيدة فاطمة تطرقت لهذا الجانب بنحو من التفصيل بالقياس إلى حجم خطبتها.

    2/ كذلك نلاحظ أنها مثلما فعلت عمتها زينب قد صدمت المجتمع الكوفي بتحميله المسؤولية في قتاله الحسين وأصحابه، وأنهم في ذلك قد سقطوا في امتحان الابتلاء الذي ابتلاهم الله به، فينما كان المفروض أن يتبعوا آل بيت النبي حيث جعل الله فيهم وعاء علمه وحكمته وجعلهم حجته على أهل أرضه، فإذا بهم يعدون عليهم ويرون قتلهم حلالاً وأموالهم نهبًا، كل ذلك افتراء على الله سبحانه ولكن الله خير الماكرين.

    وهنا للمتأمل أن يلاحظ أن كلمات السيدة فاطمة بتواليها وترادفها هي أشبه بالمطارق التي تنزل على تلك الرؤوس واحدة بعد الأخرى، بل في تنوع الأساليب في هذا فهي تارة تقرر، وأخرى تتساءل، وثالثة تستنكر فانظر إليها كيف تتكلم هنا ” أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟! وأية نفس نزعت إلى قتالنا؟! أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟! قست والله قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على أسماعكم وأبصاركم”.

    وأمّا النص الذي ألقته عليها السلام فهو هكذا:

    “الحمد الله عدد الرّمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وأن ذريته ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات! اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب عليه السلام، المسلوب حقه، المقتول بغير ذنب – كما قتل ولده بالأمس -ـ في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتى قبضته إليك محمود النقيبة، طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهم فيك لومة لائم ولا عذل عاذل، هديته يا رب للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا، غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته وهديته إلى صراط مستقيم.

    أما بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على أهل الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً.

    فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً، كأننا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدم، قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراء على الله ومكراً مكرتم والله خير الماكرين.

    فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أسلتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا، فان ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا لعظيمة (ِإلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (*) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) تباً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنه الله على الظالمين.

    ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟! وأية نفس نزعت إلى قتالنا؟! أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟! قست والله قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على أسماعكم وأبصاركم وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

    فتباً لكم يا أهل الكوفة، أي ترات لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم وذحول له لديكم بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي وبنيه وعترة النبي الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم، وافتخر بذلك مفتخركم فقال:

    نحن قتلن علياً وبني علي بسيوف هندية ورماح

    وسبينا نساءهم سبي تُركِ ونطحناهم فأي نطاح

    بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، فأكظم واقعِ كما أقعى أبوك، فإنما لكل أمرئ ما كسب وما قدمت يداه، أحسدتمونا – ويلكم – على ما فضلنا الله؟!

    فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا، وبحرك ساج لا يواري الدَّعامصا

    ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    الشيخ فوزي آل سيف

  • #2

    بعد أن نقل خطبتي زينب العقيلة وفاطمة الصغرى: إنه خطبت أم كلثوم ابنة علي عليهما السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء..
    وهنا ينبغي التوقف للاستفادة من هذه الإشارة في قضية تاريخية، وهي: هل أنه كان للإمام عليّ عليه السلام ابنتان: زينب وأم كلثوم؟ أو هما واحدة تارة تعرف بالاسم وأخرى بالكنية كما ذهب إلى ذلك المرحوم السيد المقرم في كتابه مقتل الحسين.
    وهذا البحث وإن كان محله ليس هنا وإنما قد يبحث في موضوع الأولاد والذرية للإمام أو في الحياة الأسرية، وهو غير هذا المقام إلا أن هذا الموقع مما يفيد في تلك المواضع، فإن النص هنا يشير إلى التعدد، ولا معنى لتكلف أن يكون هناك امرأة واحدة خطبت مرتين في موضعين وبأسلوبين مختلفتين تماماً كما سيأتي، ومع ذلك يقال هي واحدة؛ عبر عنها الراوي تارة بالاسم وأخرى بالكنية لا نرى وجهاً صحيحاً لذلك أبداً.
    إن المتأمل في صياغة الخبر ثم في الخطبة نفسها من حيث المعاني التي تطرقت لها أم كلثوم، وأساليب الخطاب تختلف اختلافاً كاملاً ولا سيما في أدب الخطاب وقوة الكلمات عما نجده لدى العقيلة زينب عليها السلام، وبالفعل فإن ما قيل في كلام السيدة زينب من أنها (ما رأيت خفرة أفصح منها.. أو أنها تفرغ عن لسان أبيها.. أو ما قاله ابن زياد في شأن كلامها) كل ذلك لا ينطبق على ما قالته أختها أم كلثوم.
    إن هذه الخطبة لأم كلثوم، وهي قليلة الكلمات، هي أشبه بنفثة ألم مخلوطة بالبكاء والعويل، استوحت مما قالته العقيلة أختها واستمدت منها، ولكن يبقى الفارق كبيراً جداً بين النسيجين، والاختلاف بيّن في القماشتين: فهلمّ لنرى ما قالته أم كلثوم كما نقله أيضاً في الملهوف: يا أهل الكوفة، سَوءاً لكم! ما لكم؟ خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً. ويلكم! أتدرون أي دواهٍ دهتكم؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم؟ وأي دماء سفكتموها؟ وأي كريمة اهتضمتموها؟ وأي صبية سلبتموها؟ وأي أموال نهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون.
    ثم قالت: قتلتم أخـي صبراً فويــل لأمكم، ستجزون ناراً حـرها يتوقـد، سفكتم دمـاء حــرم الله سفكها، وحرمهـا القرآن ثــم محمد، ألا فأبشروا بـالنار إنكم غداً، لفي قعر نار حرها يتصعد، وإني لأبكي فـي حياتي على أخي، على خير مـن بعـد النبي سيولـد.
    الخطبة الرابعة: خطبة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام
    ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فاستوى قائماً، فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي بما هو أهله فصلى عليه، ثم قال:
    أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً.
    أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه؟! فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي؟.
    قال الراوي: فارتفعت اصوات الناس من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون.
    فقال: “رحم الله امرءًا قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة”. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا.
    فقال عليه السلام: «هيهات هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل؟! كلاّ ورب الراقصات (إلى منى)، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهواتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري.
    ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا، ثم قال:
    لا غرو إن قتل الحسين فشيخه، قد كان خيراً من حسين وأكرما
    فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي، أصاب حسيناً كان ذلك أعظما
    قتيل بشط النهر روحي فداؤه، جزاء الذي أراده نار جهنما
    ثم قال عليه السلام: رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا.
    وهي من حيث العبارات لا تعتبر من الخطب الطويلة لكنها تناولت أمورًا مهمة:
    التعريف بنفسه باعتبار أنه ابن الحسين الشهيد الذي قتل بشط الفرات من غير ترات (ثارات) ولا ذنب! وهذا مهم لجهة أن قسماً من أهل الكوفة لا يعرفون بالضرورة الإمام السجاد عليه السلام كما تعرف بالوصف إلى أنه ابن من سلب نعيمه وانتهك حريمه.
    ثم إن النقطة الثانية وهي التي كان ينتظر فيها جوابهم ولم نجدها بنفس الكيفية في سائر الخطابات وهو أنه قررهم بالسؤال: هل أنهم كتبوا إلى الحسين وعاهدوه على أن ينصروه؟ وأنهم بعد ذلك خدعوه؟ وأنهم ماذا يجيبون رسول الله صلى الله عليه وآله لو سألهم في ذلك؟ وأنهم لماذا خذلوا ذريته؟ وأن النبي سينفيهم عن أمته!
    وحيث كان السؤال مباشراً والجواب منتظراً منهم، فقد أجابوه: كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنّ يزيدَ ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا، إلا أن الإمام عليه السلام رفض منهم هذه الفيضة النفسية غير المتهيئة من الناحية العملية، فما أسرع أن يسل هؤلاء ألسنتهم بالتأييد وأعينهم بالدمع من دون أن يحركوا ساكناً، وإلا فما الذي يمنعهم من ذلك وهم من الصباح يتفرجون على أسارى آل محمد ثم لا يحرك الواحد منهم ساكناً أو يقول كلمة؟ فهل بقيت المسألة منتظرة أن يأمرهم الإمام السجاد؟!
    لذلك قال عليه السلام – فاضحاً إياهم – هيهات هيهات، أيها الغدرة المكرة.. وأشار إلى أن الأمر راجع إلى أنه “حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم” فإن حب الحياة والرغبة في العيش والخوف من التضحية كلها مانعة لهم عن اتخاذ موقف كالذي أشاروا إليه.
    واكتفى منهم بموقف لا يكلفهم ولا هو يعتمد فيه عليهم وهو أن (مسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا) أي نحن لا ننتظر معونتكم ولا مساعدتكم ولكن على الأقل لا تكونوا إلباً لبني أمية وأنصارهم علينا بالشماتة أو المعاونة.


    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X