بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [1].
﴿إِذْ يَعْدُونَ﴾، عدوا معتديا متعديا على شرعة الله ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ﴾. فتراهم كيف عدوا فيه؟
هل صادوا فيه الحيتان (السمك) جهارا ودون ستار؟ والعصيان الجاهر هو دأبهم الدائب في المحرمات الأصلية، والسبت عن العمل يوم السبت كان ابتلاء لهم لردح محدد من الزمن! سبتا عن مختلف تخلفاتهم النحيسة عن شرعة الله، وليس مجرد الصيد في أصله مما يستحق به العذاب الغليظ: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾[2]؟
أم احتالوا في صيدهم إذ لم يصيدوها يوم السبت، وإنما سدوا عليها منافذ الفرار فصادوها بعد السبت؟
أم تأولوا محرم الصيد يوم سبتهم بأن القصد منه حرمة أكل الصيد يوم السبت دون مجرد صيده؟ وهذا أنحس وأنكى لأنه يضم إلى محرم العمل محرم الحيلة الغيلة في حكم الله، تحليلا لما حرمه الله بتلك الحيلة.
أم افترقوا في عدوهم إلى هذه الفرق الثلاث؟ قد تحتملها كلها ﴿إِذْ يَعْدُونَ﴾، فإن مجرد الصيد يوم سبتهم كان محرما عليهم سواء اصطادوا ولم يأكلوا، أم وأكلوا، أم لم يصيدوا في نفس اليوم وإنما سدوا عليها طرق الفرار.
ففي صيد الحيتان وأكلها يوم السبت ثالوث من المحظور فإنه عمل وصيد وأكل منه، وكلها ممنوعة فيه، وفي صيدها فيه فقط دون أكل محظوران اثنان، ثم في سد طريقها دون صيد يومه ولا أكل محظور واحد، ولكنه مع الثاني قد يكون أشد من الثالث لمكان الحيلة على شرعة الله، فرية وقحة على الله كأنه سن في شرعته حيلة وغيلة وهما من قضايا الجهالة والضعف!
وهنا ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ﴾، ولأن السمك كان متعودا على حريته يوم السبت، لذلك جعل يتراءى لهم على الساحل، كثير الورود، قريب المأخذ، سهل الصيد، فكان يفوتهم متنقل من أيديهم يوم سبتهم وقطعهم الصيد فيه، ثم ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ﴾، وهو غير السبت من أيام الأسبوع ﴿لَا تَأْتِيهِمْ﴾. وتراها تشاورت في أمرها فعاكست إتيانها في معاكسة السبت مع سائر الأيام، وذلك الترتيب الرتيب هو منقطع النظير في السواحل، فليكن بخارقة ربانية إذ ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾، نبلوهم بسبتهم يوم السبت، وبسبت حيتانهم في غير السبت ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾، بوفرة وكثرة شارعة هارعة إلى الساحل وكأنها تسخر من هؤلاء المسبوتين، فلم يتحمل فريق منهم هذه السخرية فأخذوا يصطادون جهارا، وراح آخرون يحتالون على السبت، يقيمون الحواجز على الحيتان يخوّطون عليها يوم سبتهم حتى إذا جاء الأحد سارعوا إليها واصطادوها زاعمين أنهم لم يصطادوا في السبت إذ كانت في الماء وراء الحواجز غير مصيدة، وقد روي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((وَجَدْنَا فِي كِتَابِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ، وَأَنَّ اَلْحِيتَانَ كَانَتْ سَبَقَتْ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اَلسَّبْتِ لِيَخْتَبِرَ اَللهُ طَاعَتَهُمْ فِي ذَلِكَ فَشُرِّعَتْ لَهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ فِي نَادِيهِمْ وَقُدَّامَ أَبْوَابِهِمْ فِي أَنْهَارِهِمْ وَسَوَاقِيهِمْ، فَتَبَادَرُوا إِلَيْهَا فَأَخَذُوا يَصْطَادُونَهَا وَيَأْكُلُونَهَا، فَلَبِثُوا بِذَلِكَ مَا شَاءَ اَللهُ لاَ يَنْهَاهُمْ اَلْأَحْبَارُ وَلاَ يَنْهَاهُمُ اَلْعُلَمَاءُ مِنْ صَيْدِهَا، ثُمَّ إِنَّ اَلشَّيْطَانَ أَوْحَى إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِنَّمَا نُهِيْتُمْ مِنْ أَكْلِهَا يَوْمَ اَلسَّبْتِ وَلَمْ تُنْهَوْا عَنْ صَيْدِهَا فَاصْطَادُوا يَوْمَ اَلسَّبْتِ وَأَكَلُوهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ اَلْأَيَّامِ))[3].
فليست الحيلة لتغير واقع المحظور حين يكون المحظور واقعا من الأمور.
فيصيدونها في يوم السبت ولا يأكلونها في نفس اليوم تأويلا أن المحرم هو أكلها يوم السبت، رغم أن الأكل لم يكن بنفسه من ضمن السبت.
وترى كيف كانت حالة الباقين الذين لم يعدوا في السبت تجاه الذين عدوا فيه؟ كانوا قسمين اثنين، قسم نهوا عن السوء، وآخرون سكتوا عنه ونهوا هؤلاء عن نهيهم عن السوء؟
أم وقسم ثالث سكتوا عن النهيين، نهي الناهين ونهي العاصين.
[1] سورة الأعراف، الآية: 163.
[2] سورة البقرة، الآية: 65.
[3] بحار الأنوار، ج 14، ص 52.