تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [1].
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾، المقصود من الخلف هم الإسرائيليون الذين تشبثوا بمتاع الحياة الدنيا، وهي إشارة إلى نمط ثقافي خاص منهم وهم: الحكام أو القضاة (وفقا للنصوص المفسرة) فيما تذكر بأنهم كانوا يرتشون ويحكمون بالجور.
وهنا لا نحتاج إلى التعقيب على ظاهرة الانحراف حتى في الشخوص الفوقية التي ورثت الكتاب، حيث جرفها متاع الحياة الدنيا أيضا، مع أنه، كما يقول تعالى: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾.
وعليه فينبغي أن نقف عند مدى الانحراف الذي شدّدت القصة على رسمه لدى الإسرائيليين خواص أو عاديين بالرغم من إفساح المجال لهم بتعديل السلوك، وبالرغم من أخذ المواثيق عليهم بألاّ يعملوا إلاّ بموجب المبادئ المرسومة لهم في كتابهم، وبالرغم من إضفاء النعم عليهم، بالرغم من كل ذلك، تظل الشخصية الإسرائيلية ذات تاريخ ملحوظ من الانحراف، سردت القصة جانبا منه، كما أنها لا تزال تعرض جوانب أخرى منه.
الضمير هم في قوله ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾، يرجع للصالحين في قوله في الآية السابقة ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. والخلف والسلف لفظان متقابلان فالسالف السابق والخلف اللاحق الذي يشغل حيّزه في الزمان ومعنى ﴿وَرِثُوا اَلْكِتابَ﴾ أن التوراة في زمانهم صارت إرثا لهم كما كانت إرثا لأسلافهم فهم في دورهم مسؤولون بها كما كان أسلافهم مسؤولين بها والعرض في قبال الجوهر هو الأمر القابل للزوال ببطء أو بسرعة والمراد بالأدنى هي الحياة الفعلية في الدنيا في مقابل الآخرة، يريد سبحانه أن الفريق الصالح من بني إسرائيل خلف من بعدهم جيل تناولوا التوراة كما كانت في أيدي أسلافهم وكان من لازم تناولها العمل بها لكنهم لم يعملوا فكانوا يقدمون عرض هذه الدنيا العاجلة من أي طريق حصل لهم برشوة وتلصص وغش وتدليس على ما زوي لهم في الآخرة ويمنّون أنفسهم بأنهم يموتون مغفورا لهم وأنهم إن عصوا مرّة فلا يعصون الى الأبد لكنهم في هذه الحالة إن جاءهم عرض ممّا يوجب فسقا وانحرافا أخذوه ايضا كما أخذوه سابقا ولا يحقّقون ندمهم في الخارج على ما يفعلون من سوء طرفة عين فإن كان هؤلاء يدينون بالكتاب الذي ورثوه فإن في الكتاب مواثيق مهمّة وعهودا قويّة أخذت منهم على الاّ ينسبوا الى الله غير الحقّ الذي قاله تعالى: ﴿وَدَرَسُوا ما فِيهِ﴾، أي وكان تلقّيهم للكتاب تلقّي دراسة مكررة فإن الدارس لمطلب إنما يتحقق منه حيث يكرره وهؤلاء درسوا ما في الكتاب واصرّوا على خلافه هذا ﴿وَاَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، المعاصي ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾[2]، والتمسك بالشيء هو القبض عليه بقوّة، بِالْكِتابِ فيعتبرونه المصدر الوحيد لبرامج حياتهم وَأَقامُوا اَلصَّلاةَ المطلوبة منهم فإننا ﴿لا نُضِيعُ﴾، أجرهم لأنهم مصلحون كالعامل المتقن لعمله فإنه قد يستفيد وراء أجرته إحسانا زائدا على المقرّر.
وورد عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اَللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((قَالَ إِنَّ اَللهَ خَصَّ عِبَادَهُ بِآيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ أَنْ لاَ يَقُولُوا حَتَّى يَعْلَمُوا وَلاَ يَرُدُّوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾، وَقَالَ: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمّٰا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾[3]))[4].
[1] سورة الأعراف، الآية: 169.
[2] سورة الأعراف، الآية: 170.
[3] سورة يونس، الآية: 39.
[4] الكافي، ج 1، ص 63.