بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واجهد الامام العظيم نفسه في العبادة ، واخلص فى طاعته لله كأعظم ما يكون الاخلاص ، فلم ير الناس مثله في تقواه وورعه ، وشدة تحرجه في الدين ... لقد كانت حياته مدرسة للتقوى ومدرسة للأيمان ، ومنطلقا للتهذيب والاصلاح ، وقد اكبره الناس أي اكبار لأنه بقية النبوة ، وبقية الله فى أرضه ، فكان السعيد من يراه ، والسعيد من يحظى بمجالسته ، والحديث معه ، وشق ذلك على الامويين الذين كانوا من أحقد الناس على الأسرة النبوية ، فقد هالهم واقض مضجعهم اجماع الناس على اكباره وتحدثهم عن سعة علومه ومعارفه ، وذيوع مثله التي تعنو لها الجباه ، وكان من اعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك فقد روى الزهري ان الوليد قال له : لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا 1 واجمع رأي هذا الخبيث الدنس على اغتيال الامام حينما آل إليه الملك والسلطان ، ونعرض فيما يلي الى ذلك مع ذكر الاحداث التي رافقت سم الامام. سمه
وقام الوليد بن عبد الملك بأخطر جريمة فى الاسلام ، فقد بعث سما قاتلا الى عامله على يثرب ، وأمره ان يدسه الى الامام2 ونفذ عامله ذلك ، وحينما سقى السم أخذ يعاني اقسى الآلام وأشدها ، وبقي حفنة من الايام على فراش المرض يبث شكواه الى الله ، وتزاحم الناس على عيادته ، وهو (ع) يحمد الله ويشكره على ما رزقه من الشهادة على يد شرار بريته.
نصه على امامة الباقر
وعبد (ع) بالامامة الى ولده الباقر ونص عليه يقول الزهري دخلت إليه عائدا فقلت له :
« إن وقع من أمر الله ما لا بد منه ، فالى من نختلف بعدك؟ » فنظر الامام إليه برفق وقال له :
« الى ابني هذا ـ واشار الى ولده الباقر ـ فانه وصي ووارثي وعيبة علمي ، هو معدن العلم وباقره .. »
« هلا أوصيت الى أكبر ولدك؟ .. »
« يا أبا عبد الله ليست الامامة بالكبر والصغر ، هكذا عهد إلينا رسول الله (ص) وهكذا وجدناه مكتوبا فى اللوح والصحيفة .. »
« يا ابن رسول الله عهد إليكم نبيكم أن تكونوا الأوصياء بعده؟ .. »
« وجدنا في الصحيفة واللوح اثنى عشر اسما مكتوبة في اللوح امامتهم واسماء آبائهم وامهاتهم ، ثم قال : ويخرج من صلب محمد ابني سبعة من الاوصياء منهم المهدي .. » 3 ودخل عليه جماعة من اعلام شيعته فدلهم على أمامة ولده الباقر ، ونصبه مرجعا وعلما لأمة جده ، ثم دفع إليه سفطا وصندوقا فيه مواريث الأنبياء ، وكان فيه سلاح رسول الله (ص) وكتبه 4.
وصيته لولده الباقر
وعهد الامام زين العابدين (ع) الى وصيه وسيد ولده الامام الباقر (ع) بما أهمه وكان من جملة ما أوصى به.
١ ـ إنه قال له : اني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط ، فاذا نفقت فادفنها ، لا تأكل لحمها السباع ، فان رسول الله (ص) قال : ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة ، وبارك في نسله ، ونفذ الامام الباقر ذلك 5.
٢ ـ إنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (ع) فقد قال له : « يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، فقد قال لي : يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله » 6.
٣ ـ إنه عهد إليه ان يتولى غسله وتكفينه7 وسائر شئونه حتى يواريه في مقره الأخير.
الى الرفيق الأعلى
وثقل حال الامام ، واشتد به النزع ، وقد أخبر أهل بيته أنه في غلس الليل سوف ينتقل الى جنة المأوى ، وقد اغمي عليه ثلاث مرات فلما أفاق قرأ سورة ( الواقعة ) وسورة ( إنا فتحنا ) ثم قال (ع) : « الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين .. » 8.
ثم ارتفعت تلك الروح العظيمة الى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين ، تحفها ملائكة الرحمن ، وتحفها الطاف الله وتحياته ورضوانه.
لقد سمت روحه الى جنة المأوى بعد أن أضاءت آفاق هذا الكون ، وأشرقت بها عوالم الدنيا ، وذلك بما تركته من سيرة ندية يهتدى بها الحائر ، ويرشد بها الضال.
المصادر
1. حياة الامام علي بن الحسين ( ص ٤٢٦ ).
2. نور الابصار ( ص ١٢٩ ) الفصول المهمة لابن الصباغ ( ص ٢٣٣ ) الاتحاف بحب الاشراف ( ص ٥٢ ) الصواعق المحرقة ( ص ٥٣ ) جدول مصباح الكفعمي ( ص ٢٧٦ ).
3. كفاية الأثر للخزّاز ، اثبات الهداة ٥ / ٢٦٤.
4. بصائر الدرجات ( ص ١٤٦ ) اثبات الهداة ٥ / ٢٦٨.
5. محاسن البرقي ٢ / ٦٣٥.
6. الخصال ( ص ١٨٥ ) الامالي ( ص ١٦١ ).
7. الخرائج ( ص ٢٠ ).
8. روضة الكافي.
تعليق