بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
امتدت هذه الفترة إلى سنة 35هـ تقريباً عام مقتل عثمان و مبايعة الإمام علي ( عليه السلام ) و لا يسعفنا التاريخ هنا أيضا بمعلومات كثيرة عن الحسن ( عليه السلام ) خاصة في بداية هذه المرحلة التي دامت ( 17 سنة ) تقريباً .
عاش الحسن في بداية هذه الحقبة مع أبويه أحزان رحيل الرسول ( صلّى الله عليه و آله ) و الانقلاب الخطير الذي أقصيَ بموجبه الإمام علي عن الحكم . كان الحسن ( عليه السلام ) شاهداً على تلك الأحداث يمزق قلبه حزن فراق جده ، و الحزن لما أصاب أمه و أباه من ويلات القوم و كأنهم يثأرون من وصي الرسول و بنته ( عليها السلام ) لأجدادهم المشركين و عشائرهم في الجاهلية .
شهد الحسن الهجوم على بيت والديه ، و التنكيل بعلي ( عليه السلام ) و غصب إرث الزهراء . . عاش أجواء المحاصرة لأهل البيت و أنصارهم ، و شهد انقلاب القوم على أعقابهم ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا ... ﴾ 1 .
ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى توفيت الزهراء ( عليها السلام ) لتكون أول أهل الرسول لحوقاً به كما بشرها النبي على فراش الموت ، مصيبة جديدة تهتز لها الطفولة البريئة و لما تلتئم جراحات فراق رسول الله ( صلّى الله عليه و آله ) ، ضمته الزهراء آخر لحظات حياتها و هي تجود بنفسها و الحسن و الحسين يبكيان فراق أمهما الحبيبة ، يبكيان موتها مظلومة غريبة . و يشارك الحسن أباه و ثلة من أصحابه الخلَّص دفن الزهراء في عتمة الليل عملاً بوصية الزهراء البتول احتجاجاً على الذين ظلموها و غصبوا حقها . . و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم!!
في خلافة أبي بكر يروي المحدثون موقفاً للحسن يعكس بوضوح ما يختزنه الإمام على صغر سنه من رفض و احتجاج : فقد رأى الحسن أبا بكر يخطب من فوق المنبر فيندفع نحوه و هو يقول : « انزل عن منبر أبي فيقول له الخليفة : بأبي أنت يا بن رسول الله لعمري إنه منبر أبيك لا منبر أبي » .
مات الخليفة الأول ولم يتجاوز عمر الحسن عشر سنوات لكنه مع خلافة عمر بن الخطاب بلغ أشده و تخطى سن الطفولة إلى عنفوان الشباب مما يجعلنا ننتظر منه دورا أعظم لكن الحصار المضروب على علي ( عليه السلام ) و آله سيبقى مستمراً . ولم يخض علي ( عليه السلام ) في الحياة السياسية إلا بمقدار الضرورة حيث يتدخّل في الحالات الطارئة التي تشكل خطراً غير عادي على الرسالة و الأمة . هذا الأمر سيجعل الحسن ، حاله حال أبيه على هامش التاريخ الرسمي للخلافة .
و ربما أرجع البعض الأمر إلى الحصار الذي ضربه الخليفة عمر على كبار الصحابة و منعهم من الخروج من المدينة ، و قد كان ألحق الحسن و الحسين و أبا ذر و سلمان بأهل بدر في العطاء ( خمسة آلاف درهم ) . يقول هاشم معروف الحسني : « و من المؤكد أنهما ( أي الحسن و الحسين ) لم يشتركا في المعارك الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب بالرغم من أنها قد بلغت ذروتها في مختلف المناطق و الانتصارات يتلو بعضهما بعضاً و الأموال و الغنائم تتدفق على المدينة من هنا و هناك ولم تظهر بادرة للإمام أبي محمد الحسن طيلة عهد الخليفة الثاني في حين أنه كان في السنين الأخيرة من خلافة ابن الخطاب قد أشرف على العشرين من عمره و هو سن يخوّله الاشتراك في الحروب و الغزوات و لعلّ السبب في ذلك يعود إلى انصراف أمير المؤمنين عن التدخل في شؤون الدولة و الحياة السياسية ، و مما لا شك فيه أن عدم اشتراك الإمام في الحروب و الغزوات لم يكن مرده إلى تقاعس الإمام و حرصه على سلامة نفسه بل كان كما يذهب أكثر الرواة و المؤرخين لان عمر بن الخطاب قد فرض على كثير من أعيان الصحابة ما يشبه الإقامة الجبرية لمصالح سياسية يعود خيرها إليه » 2 .
و تؤكد كتب التاريخ من جهة أخرى مشاركة الحسن في فتح أفريقية بقيادة عبد الله بن نافع و أخيه عقبة في جيش بلغ عشر آلاف مجاهد كما شارك في غزو طبرستان في الجيش الذي جهزه عثمان بقيادة سعيد بن العاص . مع الحسن و عبد الله بن العباس و غيرهم من أجلاء الصحابة .
إزاء عثمان لم يكن للحسن موقف مضاد لموقف أبيه كما تحاول أن توهم بعض الدراسات فالحسن كان رهن إشارة أبيه في محاولاته للإصلاح مهما أمكن و تقريب وجهات النظر بين الثوار و عثمان . و بلغ الإمام علي قصار جهده في الإصلاح لكنه انسحب من الوساطة في الأخير بعد نكول عثمان عن وعوده التي قطعها للثوار و عدم التزامه بما تعهد به عبر وساطة الإمام حتى قال علي ( عليه السلام ) : « والله لقد دافعت عن عثمان حتى خشيت أن أكون آثما » .
و من الحوادث التي تؤكد وحدة الموقف بين الحسن و أبيه توديعه أبي ذر مع أبيه و أخيه الحسين حين نفاه عثمان و امتنع الناس عن توديعه إطاعة لأمر الخليفة و خضوعاً لتهديداته ولم يخرج في وداعه سوى علي و كميل و الحسن و الحسين و عمار .
و وقف مروان بن الحكم يهدد الحسن : « ألا تعلم يا حسن أن الخليفة قد نهى عن وداع أبي ذر و التحدث إليه فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك » و لكن الحسن لم يكترث له و ودع أبا ذر بقول بليغ : « يا عماه لو لا ينبغي للمودع أن يسكت و للمشيع أن ينصرف لقصر الكلام و إن طال الأسف و قد أتى القوم إليك فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها و شدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها و اصبر حتى تلقى نبيك و يحكم الله بينك و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين » .
المصادر
1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
2. هاشم معروف الحسني : سيرة الأئمة الاثني عشر : 1 / 534 .
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
امتدت هذه الفترة إلى سنة 35هـ تقريباً عام مقتل عثمان و مبايعة الإمام علي ( عليه السلام ) و لا يسعفنا التاريخ هنا أيضا بمعلومات كثيرة عن الحسن ( عليه السلام ) خاصة في بداية هذه المرحلة التي دامت ( 17 سنة ) تقريباً .
عاش الحسن في بداية هذه الحقبة مع أبويه أحزان رحيل الرسول ( صلّى الله عليه و آله ) و الانقلاب الخطير الذي أقصيَ بموجبه الإمام علي عن الحكم . كان الحسن ( عليه السلام ) شاهداً على تلك الأحداث يمزق قلبه حزن فراق جده ، و الحزن لما أصاب أمه و أباه من ويلات القوم و كأنهم يثأرون من وصي الرسول و بنته ( عليها السلام ) لأجدادهم المشركين و عشائرهم في الجاهلية .
شهد الحسن الهجوم على بيت والديه ، و التنكيل بعلي ( عليه السلام ) و غصب إرث الزهراء . . عاش أجواء المحاصرة لأهل البيت و أنصارهم ، و شهد انقلاب القوم على أعقابهم ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا ... ﴾ 1 .
ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى توفيت الزهراء ( عليها السلام ) لتكون أول أهل الرسول لحوقاً به كما بشرها النبي على فراش الموت ، مصيبة جديدة تهتز لها الطفولة البريئة و لما تلتئم جراحات فراق رسول الله ( صلّى الله عليه و آله ) ، ضمته الزهراء آخر لحظات حياتها و هي تجود بنفسها و الحسن و الحسين يبكيان فراق أمهما الحبيبة ، يبكيان موتها مظلومة غريبة . و يشارك الحسن أباه و ثلة من أصحابه الخلَّص دفن الزهراء في عتمة الليل عملاً بوصية الزهراء البتول احتجاجاً على الذين ظلموها و غصبوا حقها . . و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم!!
في خلافة أبي بكر يروي المحدثون موقفاً للحسن يعكس بوضوح ما يختزنه الإمام على صغر سنه من رفض و احتجاج : فقد رأى الحسن أبا بكر يخطب من فوق المنبر فيندفع نحوه و هو يقول : « انزل عن منبر أبي فيقول له الخليفة : بأبي أنت يا بن رسول الله لعمري إنه منبر أبيك لا منبر أبي » .
مات الخليفة الأول ولم يتجاوز عمر الحسن عشر سنوات لكنه مع خلافة عمر بن الخطاب بلغ أشده و تخطى سن الطفولة إلى عنفوان الشباب مما يجعلنا ننتظر منه دورا أعظم لكن الحصار المضروب على علي ( عليه السلام ) و آله سيبقى مستمراً . ولم يخض علي ( عليه السلام ) في الحياة السياسية إلا بمقدار الضرورة حيث يتدخّل في الحالات الطارئة التي تشكل خطراً غير عادي على الرسالة و الأمة . هذا الأمر سيجعل الحسن ، حاله حال أبيه على هامش التاريخ الرسمي للخلافة .
و ربما أرجع البعض الأمر إلى الحصار الذي ضربه الخليفة عمر على كبار الصحابة و منعهم من الخروج من المدينة ، و قد كان ألحق الحسن و الحسين و أبا ذر و سلمان بأهل بدر في العطاء ( خمسة آلاف درهم ) . يقول هاشم معروف الحسني : « و من المؤكد أنهما ( أي الحسن و الحسين ) لم يشتركا في المعارك الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب بالرغم من أنها قد بلغت ذروتها في مختلف المناطق و الانتصارات يتلو بعضهما بعضاً و الأموال و الغنائم تتدفق على المدينة من هنا و هناك ولم تظهر بادرة للإمام أبي محمد الحسن طيلة عهد الخليفة الثاني في حين أنه كان في السنين الأخيرة من خلافة ابن الخطاب قد أشرف على العشرين من عمره و هو سن يخوّله الاشتراك في الحروب و الغزوات و لعلّ السبب في ذلك يعود إلى انصراف أمير المؤمنين عن التدخل في شؤون الدولة و الحياة السياسية ، و مما لا شك فيه أن عدم اشتراك الإمام في الحروب و الغزوات لم يكن مرده إلى تقاعس الإمام و حرصه على سلامة نفسه بل كان كما يذهب أكثر الرواة و المؤرخين لان عمر بن الخطاب قد فرض على كثير من أعيان الصحابة ما يشبه الإقامة الجبرية لمصالح سياسية يعود خيرها إليه » 2 .
و تؤكد كتب التاريخ من جهة أخرى مشاركة الحسن في فتح أفريقية بقيادة عبد الله بن نافع و أخيه عقبة في جيش بلغ عشر آلاف مجاهد كما شارك في غزو طبرستان في الجيش الذي جهزه عثمان بقيادة سعيد بن العاص . مع الحسن و عبد الله بن العباس و غيرهم من أجلاء الصحابة .
إزاء عثمان لم يكن للحسن موقف مضاد لموقف أبيه كما تحاول أن توهم بعض الدراسات فالحسن كان رهن إشارة أبيه في محاولاته للإصلاح مهما أمكن و تقريب وجهات النظر بين الثوار و عثمان . و بلغ الإمام علي قصار جهده في الإصلاح لكنه انسحب من الوساطة في الأخير بعد نكول عثمان عن وعوده التي قطعها للثوار و عدم التزامه بما تعهد به عبر وساطة الإمام حتى قال علي ( عليه السلام ) : « والله لقد دافعت عن عثمان حتى خشيت أن أكون آثما » .
و من الحوادث التي تؤكد وحدة الموقف بين الحسن و أبيه توديعه أبي ذر مع أبيه و أخيه الحسين حين نفاه عثمان و امتنع الناس عن توديعه إطاعة لأمر الخليفة و خضوعاً لتهديداته ولم يخرج في وداعه سوى علي و كميل و الحسن و الحسين و عمار .
و وقف مروان بن الحكم يهدد الحسن : « ألا تعلم يا حسن أن الخليفة قد نهى عن وداع أبي ذر و التحدث إليه فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك » و لكن الحسن لم يكترث له و ودع أبا ذر بقول بليغ : « يا عماه لو لا ينبغي للمودع أن يسكت و للمشيع أن ينصرف لقصر الكلام و إن طال الأسف و قد أتى القوم إليك فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها و شدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها و اصبر حتى تلقى نبيك و يحكم الله بينك و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين » .
المصادر
1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
2. هاشم معروف الحسني : سيرة الأئمة الاثني عشر : 1 / 534 .