بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء
مقولةٌ مشهورةٌ ومتداولةٌ عند المؤمنين، وكون الإسلام محمدي الوجود ممّا لا شك ولا ريب فيه ومن البديهيات المتفق عليها عند كافة أهل الإسلام، وغيرهم من بقية الأديان السماوية وغير السماوية، أما القول ببقاء الإسلام واستمراريته بسبب الحسين وتضحيته فهذا ممّا يحتاج إلى دليل وبرهان .
فيا ترى هل ما يعتقده المؤمنون من أنه لولا الإمام الحسين عليه السلام، ولولا مواقفه وشهادته في كربلاء لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ومن الدين إلاّ رسمه، ولكان الإسلام اليوم كبقية الأديان السماوية الأخرى – اليهودية والمسيحية – ليس لها تطابق مع دين الكليم موسى والمسيح عيسى عليهمـا السلام إلاّ في الإسم ودعوى الإنتساب إليهما .
فهل هذه الكلمة (( الإسلام محمدي الوجود، وحسيني البقاء )) كلمة حبّ وعاطفة أطلقها عشاق ومحبي الإمام الحسين عليه السلام، أم أنّها كلمة لها واقعُ حقيقي ؟
إذ لعلّ انسان يتسائل ويقول : كثير من المذاهب الإسلامية لا تنظر إلى الإمام الحسين عليه السلام على أنه مفترض الطاعة، كما ينظر إليه المؤمنون، ومع ذلك فإنّها متمسكة ظاهراً بالدين وبدستور الإسلام الخالد (( القرآن الكريم ))، فالاسلام مستمرّ وباقٍ حتى لو لم يقتل الإمام الحسين عليه السلام ، بل حتى لو لم يولد .
إلا انّا نصرّ ونقول : انه لو لم يكن الإمام الحسين عليه السلام، ولو لم تكن واقعة كربلاء لكان الإسلام اسمه موجود وحقيقته مفقودة، ولأصبح كبقية الأديان السماوية الموجودة الآن ليس له من الحق إلا الإسم، وأن مقولة (( الإسلام حسيني البقاء )) لها واقع حقيقي ملموس ممتد من قوله صلّى الله عليه وآله (( حسينُ مني وأنا من حسين )) .
ولتوضيح ذلك نقول : هناك طائفة من البشر يعتنقون المسيحية وطائفة أخرى يعتنقون اليهودية، ويزعمون أنها المسيحية التي جاء بها عيسى،
....................
(1) اخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ورواه في التاريح الكبير : ج4 قسم 2 صفحة 415، مسند الإمام أحمد : 4/172، سنن ابن ماجه، سنن الترمذي، المستدرك على الصحيحين : 3/177، ولمعرفة دلالة الحديث راجع ما ألقيناه تحت عنون ((علي مني وأنا منه)) .
************************************
واليهودية التي انزلت على موسى عليهما السلام، ولكن الواقع يشهد على أن المسيحية واليهودية الموجودة الآن لا تشكل أكثر من 5 بالمائة ممّا كانت عليه عند موسى وعيسى عليهما السلام، بل لعلّه أقل من هذه النسبة .
وليس الكلام – في مقامنا هذا – في اسم المسيحية واليهودية وبعض الأمور الإعتقادية الضئيلة والقليلة والأحكام المتفرغة على ذلك، وإنما الكلام في الطابع العام لهذا الدين أو ذاك، فالطابع العام لليهودية والمسيحية الموجودتان الآن لا يمت بصلة للمسيحية واليهودية التي جاء بها عيسى وموسى عليهما السلام، لا في الإعتقاد ولا في الطقوس العبادية .
أما الإسلام الآن – الموجودة لدى المذاهب الإسلامية – طابعه العام ينطبق مع الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، نعم لا ينطبق عليه بحذافيره ولكنّه في الاعم الاغلب وفي أكثر الأحكام يتطابق معه، فما عند المسلمين اليوم بكافة فرقهم كثير منه مؤسس من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وهذه حقيقة واضحة لا يمكن التغافل والغفلة عنها، وهو سر خروج الإسلام إلى يوم القيامة، فهو خالد بهذه الفرق الإسلامية التي تشكل من مجموعها 50 في المائة إلى 70 بالمائة تقريباً 1 من الدين الذي جاء به النبي الأميّ صلى الله عليه وآله، وخالد على نحو الحقيقة والواقعية بتلك الطائفة التي لا تـزال على الحق وظاهرة به إلى يوم القيامة ، والتي تشكل الإسلام والإيمان صورة وقالباً .
........................................
(1) وهذا بفضل الحسين عليه السلام ولولاه – كما سيأتي ذكره – لكان شأن هذه المذاهب شأن المذاهب المسيحية لا تشكل من دين المسيح عليه السلام إلا اسم ودعوى الإنتساب .
(2) ففي الحديث المستفيض (( لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))، راجع : صحيح البخاري : 4/253 كتاب المناقب باب 28، صحيح مسلم : 1/137 كتاب الإيمان باب نزول عيسى عليه السلام، صحيح سنن أبي داوود للألباني : 2/471، صحيح سنن ابن ماجه للالباني : 1/6، سنن الترمذي : 4/485، صحيح سنن النسائي للألباني : 2/756، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني : 4/571 .
وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عن جابر، وابي امامة، وثوبان، وزيد بن أرقم، ومعاوية بن قرة، وجابر بن سمرة، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، ومسلمة، والمغيرة، وعمران بن الحصين، راجع المسند : 2/321 ، 340 ،379 ، 5/345 ، 384 ، 4/93 ،97، 99، 101 ، 104 ،244 ، 248 ،252 ،369 ،429 ،434 ، 437 ،5/34 ،35 ،92 ،94 ،98 ،103 ،105 ،106 ،108 ،269 ،278 ،279 .
وفي بعض الروايات (( ناس من أمتي ))، وبعضها الآخر كما في صحيح البخاري (( أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ))، وفي بعضها الثالث
**************************
إذا عرفت ذلك نقول : لولا الإمام الحسين عليه السلام لكان اسلام بقية المذاهب والفرق إسلاماً طابعه العام لا يتلاءم مع الإسلام الواقعي والحقيقي الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بل ليس له من الإسلام الواقعي إلا الإسم وزعم الإنتساب، كما هو شأن اليهوديه والمسيحية .
مصادر التشريع
ولبلورة المطلب واتضاحه نمهده بمقدمة، فنقول :
لا شك أن مبدأ إنحراف الأديان قاطبة هو الإنحراف في مصادر التشريع في كل دين، فما من دين إلا وله مصادر تشريع خاصة به يُستنبط منهما عباداته ومعتقداته، وترك هذه المصادر أو استحداث مصادر اخرى لم يقرها الدين او ذاك، هو منشأ وبداية الإنحراف والإبتعاد عن الدين، بل الإختلاف في منابع المعرفة والتشريع هو منشأ كل الإختلاف والتنازع الفكري والثقافي والعقائدي بين بني البشر .
...........................
((لن يبح الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ))، (( والطائفة، والعصابة، والأمة، وناس )) فيها دلالة على أن الدين لا يزال قائما بفئة قليلة من الناس لا بالأغلبية من المسلمين .
************************
فمن باب التوضيح هناك خلاف بين البشر قاطبة في مصادر المعرفة، هل هي العقل أو الحس أو التجربة، فهناك مذهب ومدرسة عقلية صرفة، وهناك مدرسة ثانية حسية صرفة، وهناك مدرسة ثالثة تجريبية صرفة، وهناك مدرسة رابعة تعتبر كل هذه المنابع مصادر للمعرفة مع اختلاف في متعلق المعرفة، فبعض المعارف لا سبيل لمعرفتها إلاّ بالعقل، وبعضها الآخر لا طريق لاستيعابها إلاّ عن طريق الحس، وبعضها الثّالث لا يعرف إلاّ عن طريق التجربة .
وبما أنّ هذه المدارس تختلف في مصادر المعرفة ومنابع التشريع، فيتفرع على هذا الإختلاف، الإختلاف والتباين فيه العقيدة والسلوك العبادي وهذا واضح لا غبار عليه، إذ بداية الخلاف بين المدارس يرجع إلى الخلاف في مصادر المعرفة كما ذكرنا .
وهذا الخلاف أيضاً جارٍ بين المسلمين في مصادر المعرفة المرتبطة بالدين والإسلام، فالكتاب والسنة مجمع على كونهما من مصادر المعرفة والتشريع عند الجميع، وهناك خلاف في كون : سنة أهل البيت عليهم السلام، وسنة الصحابي، والقياس، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والاستحسان، مصادر للمعرفة التشريع الإسلامي .
وبإختلاف المصادرتختلف الأحكام سواء المرتبطة بالجانب العقائدي أو المرتبطة بالأحكام الفرعية – العبادات والمعاملات - .
فمن جعل أهل البيت عليهم السلام 1 مصدراً للمعرفة والتشريع تختلف عقائده وممـارسته عمّن لم يجعلهم عليهم السلام مصدراً لذلك .
ومن جعل قول وفعل وتقرير الصحابي – مهما كانت صحبته مع الرسول صلّى الله عليه وآله – مصدراً للمعرفة والتشريع، تختلف عقائده وممارساته عمن لم يجعلهم مصدراً للمعرفة والتشريع 2 .
ولكن هذا الخلاف كما أشرنا إليه بشكل موجز لا يؤدي إلى غياب الطابع العام للإسلام3، بل يبقى الطابع العام طابعاً اسلامياً نعم الإسلام بمعناه الحقيقي لا يوجد إلاّ في طائفة واحدة المشار إليها في قوله صلى الله عليه وآله المتفدم (( لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق )) .
...............................
(1) كما هو مقتضى الأدلة الكثيرة والمعتبرة والواضحة كحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغيرهما .
(2) ولذلك ذهب أغلبية المسلمين – تبعا للخليفة عمر بن الخطاب إلى أن قول الرجل لزوجته : أنت طالق، طالق، طالق، في مجلس واحـد هو طلاق ثـلاثي بحاجة إلى محـلل، خلافاُ لقوله تعالى { الطلاق مرّتان فـامساك بمعروف أو تسريح بإحسان …… فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوج غيره }، وخلاف لسنة الرسول وسيرة أبي بكر، وستأتي تتمة لذلك فانتظر
************************
الأئمـة المضلـون
نعم : الذي يمحق الإسلام محقًّا ويمحي تعاليمه وسننه هو اتّخاذ الأئمة المضلين فقط وجعلهم حجة على الدين ومصادر للمعرفة والتشريع، فهذا ما يُخاف به على الإسلام، وهذا ما حذّر منه الإسلام والقرآن، في عدة من البيانات والآيات .
من تلك الآيات التي تشير إلى هذا الخطر الكبير قوله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانهُ عمّا يشركون}1 .
.....................................
(3) مع ملاحظة الجهود التي بذلها سيد المتقين علي بن أبي طالب في تصحيح سيرة الخلفاء بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وارشاد بقية الصحابة والتابعين إلى مصادر التشرع الحقة، حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب في مواقف كثيرة (( لولا علي لهلك عمر )) (( لا أبقـاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن )) .
(1) التوبة : 31 .
******************
قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية : أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون1 .
قال الرازي : الأكثرون من المفسرين2 قالوا : ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، نُقل أن عدي بن حاتم كان نصرانياًّ، فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ سورة براءة، فوصل إلى هذه الآية، قال : فقلت : لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وآله : أليس يحرّمون ما أحل الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّمه الله فتستحلّونه ؟!! فقلت : بلى، قال : فتلك عبادتهم3، وقال الربيع : قلت لابي العالية -عامر الشعبي - : كيف كانت تلك الربوبية في بني اسرائيل ؟ فقال : أنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان، فكانوا يأخذون بأقوالهم وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله .
..............................
(1) الكافي : 1/543، المحاسن : 246 .
(2) تفسير الطـبري : 10/80، الكشاف للزمخشري : 2/185، تفسير القرطبي : 8/120، تفسير ابن كثير : 2/348، الدر المنثور :4/174 .
(3) أخرجه ابن سعد، وعبد حميد، والترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه، والبيهقي في سننه، راجع الدر المنثور : 4/174
************************
قال : قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين ((رض)) : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها، وبقوا ينظرون إليّ كالمتعجب، يعني : كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدّنيا1.
أماّ الأحاديث المحذرة من الأئمة الضلين فكثيرة جدّاً منها ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّما أخاف على أمّتي الأئمة المضلين2 .
..........................
(1) تفسير الرازي : 16/37.
(2) سنن الترمذي : 4/504، كتاب الفتن، قال : حديث حسن صحيح، المستدرك : 4/449، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقد روى الحيث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء كل من : أبو داود في السنن : 4/97، أحمد بن حنبل في المسند : 1/42، 5/145، 278، 284،
*********************
فالخطر الذي يخاف منه على الإسلام هو : أن يصبح كل من تسلم زمام الأمور السياسية للمسليمن قوله وفعله وتقريره حجة، كحجية قول وفعل وتقرير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فيصبع مصدراً من مصادر التشريع، وهذا ما حصل بالفعل لدى المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة1 .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حامي الشريعة
الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء
مقولةٌ مشهورةٌ ومتداولةٌ عند المؤمنين، وكون الإسلام محمدي الوجود ممّا لا شك ولا ريب فيه ومن البديهيات المتفق عليها عند كافة أهل الإسلام، وغيرهم من بقية الأديان السماوية وغير السماوية، أما القول ببقاء الإسلام واستمراريته بسبب الحسين وتضحيته فهذا ممّا يحتاج إلى دليل وبرهان .
فيا ترى هل ما يعتقده المؤمنون من أنه لولا الإمام الحسين عليه السلام، ولولا مواقفه وشهادته في كربلاء لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ومن الدين إلاّ رسمه، ولكان الإسلام اليوم كبقية الأديان السماوية الأخرى – اليهودية والمسيحية – ليس لها تطابق مع دين الكليم موسى والمسيح عيسى عليهمـا السلام إلاّ في الإسم ودعوى الإنتساب إليهما .
فهل هذه الكلمة (( الإسلام محمدي الوجود، وحسيني البقاء )) كلمة حبّ وعاطفة أطلقها عشاق ومحبي الإمام الحسين عليه السلام، أم أنّها كلمة لها واقعُ حقيقي ؟
إذ لعلّ انسان يتسائل ويقول : كثير من المذاهب الإسلامية لا تنظر إلى الإمام الحسين عليه السلام على أنه مفترض الطاعة، كما ينظر إليه المؤمنون، ومع ذلك فإنّها متمسكة ظاهراً بالدين وبدستور الإسلام الخالد (( القرآن الكريم ))، فالاسلام مستمرّ وباقٍ حتى لو لم يقتل الإمام الحسين عليه السلام ، بل حتى لو لم يولد .
إلا انّا نصرّ ونقول : انه لو لم يكن الإمام الحسين عليه السلام، ولو لم تكن واقعة كربلاء لكان الإسلام اسمه موجود وحقيقته مفقودة، ولأصبح كبقية الأديان السماوية الموجودة الآن ليس له من الحق إلا الإسم، وأن مقولة (( الإسلام حسيني البقاء )) لها واقع حقيقي ملموس ممتد من قوله صلّى الله عليه وآله (( حسينُ مني وأنا من حسين )) .
ولتوضيح ذلك نقول : هناك طائفة من البشر يعتنقون المسيحية وطائفة أخرى يعتنقون اليهودية، ويزعمون أنها المسيحية التي جاء بها عيسى،
....................
(1) اخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ورواه في التاريح الكبير : ج4 قسم 2 صفحة 415، مسند الإمام أحمد : 4/172، سنن ابن ماجه، سنن الترمذي، المستدرك على الصحيحين : 3/177، ولمعرفة دلالة الحديث راجع ما ألقيناه تحت عنون ((علي مني وأنا منه)) .
************************************
واليهودية التي انزلت على موسى عليهما السلام، ولكن الواقع يشهد على أن المسيحية واليهودية الموجودة الآن لا تشكل أكثر من 5 بالمائة ممّا كانت عليه عند موسى وعيسى عليهما السلام، بل لعلّه أقل من هذه النسبة .
وليس الكلام – في مقامنا هذا – في اسم المسيحية واليهودية وبعض الأمور الإعتقادية الضئيلة والقليلة والأحكام المتفرغة على ذلك، وإنما الكلام في الطابع العام لهذا الدين أو ذاك، فالطابع العام لليهودية والمسيحية الموجودتان الآن لا يمت بصلة للمسيحية واليهودية التي جاء بها عيسى وموسى عليهما السلام، لا في الإعتقاد ولا في الطقوس العبادية .
أما الإسلام الآن – الموجودة لدى المذاهب الإسلامية – طابعه العام ينطبق مع الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، نعم لا ينطبق عليه بحذافيره ولكنّه في الاعم الاغلب وفي أكثر الأحكام يتطابق معه، فما عند المسلمين اليوم بكافة فرقهم كثير منه مؤسس من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وهذه حقيقة واضحة لا يمكن التغافل والغفلة عنها، وهو سر خروج الإسلام إلى يوم القيامة، فهو خالد بهذه الفرق الإسلامية التي تشكل من مجموعها 50 في المائة إلى 70 بالمائة تقريباً 1 من الدين الذي جاء به النبي الأميّ صلى الله عليه وآله، وخالد على نحو الحقيقة والواقعية بتلك الطائفة التي لا تـزال على الحق وظاهرة به إلى يوم القيامة ، والتي تشكل الإسلام والإيمان صورة وقالباً .
........................................
(1) وهذا بفضل الحسين عليه السلام ولولاه – كما سيأتي ذكره – لكان شأن هذه المذاهب شأن المذاهب المسيحية لا تشكل من دين المسيح عليه السلام إلا اسم ودعوى الإنتساب .
(2) ففي الحديث المستفيض (( لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))، راجع : صحيح البخاري : 4/253 كتاب المناقب باب 28، صحيح مسلم : 1/137 كتاب الإيمان باب نزول عيسى عليه السلام، صحيح سنن أبي داوود للألباني : 2/471، صحيح سنن ابن ماجه للالباني : 1/6، سنن الترمذي : 4/485، صحيح سنن النسائي للألباني : 2/756، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني : 4/571 .
وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عن جابر، وابي امامة، وثوبان، وزيد بن أرقم، ومعاوية بن قرة، وجابر بن سمرة، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، ومسلمة، والمغيرة، وعمران بن الحصين، راجع المسند : 2/321 ، 340 ،379 ، 5/345 ، 384 ، 4/93 ،97، 99، 101 ، 104 ،244 ، 248 ،252 ،369 ،429 ،434 ، 437 ،5/34 ،35 ،92 ،94 ،98 ،103 ،105 ،106 ،108 ،269 ،278 ،279 .
وفي بعض الروايات (( ناس من أمتي ))، وبعضها الآخر كما في صحيح البخاري (( أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ))، وفي بعضها الثالث
**************************
إذا عرفت ذلك نقول : لولا الإمام الحسين عليه السلام لكان اسلام بقية المذاهب والفرق إسلاماً طابعه العام لا يتلاءم مع الإسلام الواقعي والحقيقي الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بل ليس له من الإسلام الواقعي إلا الإسم وزعم الإنتساب، كما هو شأن اليهوديه والمسيحية .
مصادر التشريع
ولبلورة المطلب واتضاحه نمهده بمقدمة، فنقول :
لا شك أن مبدأ إنحراف الأديان قاطبة هو الإنحراف في مصادر التشريع في كل دين، فما من دين إلا وله مصادر تشريع خاصة به يُستنبط منهما عباداته ومعتقداته، وترك هذه المصادر أو استحداث مصادر اخرى لم يقرها الدين او ذاك، هو منشأ وبداية الإنحراف والإبتعاد عن الدين، بل الإختلاف في منابع المعرفة والتشريع هو منشأ كل الإختلاف والتنازع الفكري والثقافي والعقائدي بين بني البشر .
...........................
((لن يبح الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ))، (( والطائفة، والعصابة، والأمة، وناس )) فيها دلالة على أن الدين لا يزال قائما بفئة قليلة من الناس لا بالأغلبية من المسلمين .
************************
فمن باب التوضيح هناك خلاف بين البشر قاطبة في مصادر المعرفة، هل هي العقل أو الحس أو التجربة، فهناك مذهب ومدرسة عقلية صرفة، وهناك مدرسة ثانية حسية صرفة، وهناك مدرسة ثالثة تجريبية صرفة، وهناك مدرسة رابعة تعتبر كل هذه المنابع مصادر للمعرفة مع اختلاف في متعلق المعرفة، فبعض المعارف لا سبيل لمعرفتها إلاّ بالعقل، وبعضها الآخر لا طريق لاستيعابها إلاّ عن طريق الحس، وبعضها الثّالث لا يعرف إلاّ عن طريق التجربة .
وبما أنّ هذه المدارس تختلف في مصادر المعرفة ومنابع التشريع، فيتفرع على هذا الإختلاف، الإختلاف والتباين فيه العقيدة والسلوك العبادي وهذا واضح لا غبار عليه، إذ بداية الخلاف بين المدارس يرجع إلى الخلاف في مصادر المعرفة كما ذكرنا .
وهذا الخلاف أيضاً جارٍ بين المسلمين في مصادر المعرفة المرتبطة بالدين والإسلام، فالكتاب والسنة مجمع على كونهما من مصادر المعرفة والتشريع عند الجميع، وهناك خلاف في كون : سنة أهل البيت عليهم السلام، وسنة الصحابي، والقياس، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والاستحسان، مصادر للمعرفة التشريع الإسلامي .
وبإختلاف المصادرتختلف الأحكام سواء المرتبطة بالجانب العقائدي أو المرتبطة بالأحكام الفرعية – العبادات والمعاملات - .
فمن جعل أهل البيت عليهم السلام 1 مصدراً للمعرفة والتشريع تختلف عقائده وممـارسته عمّن لم يجعلهم عليهم السلام مصدراً لذلك .
ومن جعل قول وفعل وتقرير الصحابي – مهما كانت صحبته مع الرسول صلّى الله عليه وآله – مصدراً للمعرفة والتشريع، تختلف عقائده وممارساته عمن لم يجعلهم مصدراً للمعرفة والتشريع 2 .
ولكن هذا الخلاف كما أشرنا إليه بشكل موجز لا يؤدي إلى غياب الطابع العام للإسلام3، بل يبقى الطابع العام طابعاً اسلامياً نعم الإسلام بمعناه الحقيقي لا يوجد إلاّ في طائفة واحدة المشار إليها في قوله صلى الله عليه وآله المتفدم (( لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق )) .
...............................
(1) كما هو مقتضى الأدلة الكثيرة والمعتبرة والواضحة كحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغيرهما .
(2) ولذلك ذهب أغلبية المسلمين – تبعا للخليفة عمر بن الخطاب إلى أن قول الرجل لزوجته : أنت طالق، طالق، طالق، في مجلس واحـد هو طلاق ثـلاثي بحاجة إلى محـلل، خلافاُ لقوله تعالى { الطلاق مرّتان فـامساك بمعروف أو تسريح بإحسان …… فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوج غيره }، وخلاف لسنة الرسول وسيرة أبي بكر، وستأتي تتمة لذلك فانتظر
************************
الأئمـة المضلـون
نعم : الذي يمحق الإسلام محقًّا ويمحي تعاليمه وسننه هو اتّخاذ الأئمة المضلين فقط وجعلهم حجة على الدين ومصادر للمعرفة والتشريع، فهذا ما يُخاف به على الإسلام، وهذا ما حذّر منه الإسلام والقرآن، في عدة من البيانات والآيات .
من تلك الآيات التي تشير إلى هذا الخطر الكبير قوله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانهُ عمّا يشركون}1 .
.....................................
(3) مع ملاحظة الجهود التي بذلها سيد المتقين علي بن أبي طالب في تصحيح سيرة الخلفاء بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وارشاد بقية الصحابة والتابعين إلى مصادر التشرع الحقة، حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب في مواقف كثيرة (( لولا علي لهلك عمر )) (( لا أبقـاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن )) .
(1) التوبة : 31 .
******************
قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية : أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون1 .
قال الرازي : الأكثرون من المفسرين2 قالوا : ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، نُقل أن عدي بن حاتم كان نصرانياًّ، فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ سورة براءة، فوصل إلى هذه الآية، قال : فقلت : لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وآله : أليس يحرّمون ما أحل الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّمه الله فتستحلّونه ؟!! فقلت : بلى، قال : فتلك عبادتهم3، وقال الربيع : قلت لابي العالية -عامر الشعبي - : كيف كانت تلك الربوبية في بني اسرائيل ؟ فقال : أنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان، فكانوا يأخذون بأقوالهم وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله .
..............................
(1) الكافي : 1/543، المحاسن : 246 .
(2) تفسير الطـبري : 10/80، الكشاف للزمخشري : 2/185، تفسير القرطبي : 8/120، تفسير ابن كثير : 2/348، الدر المنثور :4/174 .
(3) أخرجه ابن سعد، وعبد حميد، والترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه، والبيهقي في سننه، راجع الدر المنثور : 4/174
************************
قال : قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين ((رض)) : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها، وبقوا ينظرون إليّ كالمتعجب، يعني : كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدّنيا1.
أماّ الأحاديث المحذرة من الأئمة الضلين فكثيرة جدّاً منها ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّما أخاف على أمّتي الأئمة المضلين2 .
..........................
(1) تفسير الرازي : 16/37.
(2) سنن الترمذي : 4/504، كتاب الفتن، قال : حديث حسن صحيح، المستدرك : 4/449، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقد روى الحيث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء كل من : أبو داود في السنن : 4/97، أحمد بن حنبل في المسند : 1/42، 5/145، 278، 284،
*********************
فالخطر الذي يخاف منه على الإسلام هو : أن يصبح كل من تسلم زمام الأمور السياسية للمسليمن قوله وفعله وتقريره حجة، كحجية قول وفعل وتقرير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فيصبع مصدراً من مصادر التشريع، وهذا ما حصل بالفعل لدى المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة1 .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حامي الشريعة