مَدفن رؤوس شهداء كربلاء

هل تمَّ إرجاع رؤوس الشهداء إلى كربلاء أو تمَّ دفنُها في موضعٍ آخر بعيداً عن أجسادهم؟
مشهور الإماميَّة هو ردُّ الرأس الشريف لكربلاء:
أمَّا سيِّدُ الشهداء الإمام الحسين (ع) فالمشهور عندنا -نحن الإماميَّة- أنَّ رأسَه الشريف قد تمَّ إرجاعُه إلى كربلاء وإلحاقُه بالجثمان الطاهر، ذكر ذلك السيِّدُ ابن طاووس في اللهوف قال رحمه الله: “أمّا رَأسُ الحُسَينِ عليه السّلام فَرُوِيَ أنَّهُ أُعيدَ فَدُفِنَ بِكَربَلاءَ مَعَ جَسَدِهِ الشَّريفِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ، وكانَ عَمَلُ الطّائِفَةِ عَلى هذَا المَعنَى المُشارِ إلَيهِ” (1) وفي البحار للعلامة المجلسي قال: “والمشهور بين علمائنا الامامية أنَّه دُفِن رأسُه مع جسده، ردَّه عليُّ بن الحسين عليهما السلام”. (2)
ويُؤيِّد قول المشهور ما رواه الشيخُ الصدوق في الأمالي بسندٍ له عن فاطمة بنت عليّ قالت: “إنَّ يَزيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أمَرَ بِنِساءِ الحُسَينِ عليه السّلام فَحُبِسنَ مَعَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السّلام في مَحبِسٍ لا يَكُنُّهُم مِن حَرٍّ ولا قَرٍّ حتى تقشَّرتْ وُجوهُهُم، ولَم يُرفَع بِبَيتِ المَقدِسِ حَجَرٌ عَلى وَجهِ الأَرضِ إلّا وُجِدَ تَحتَهُ دَمٌ عَبيطٌ، وأبصَرَ النّاسُ الشَّمسَ عَلَى الحيطانِ حَمراءَ كَأَنَّهَا المَلاحِفُ المُعَصفَرَةُ، إلى أنْ خَرَجَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهما السّلام بِالنِّسوَةِ، ورَدَّ رَأسَ الحُسَينِ عليه السّلام إلى كَربَلاءَ”(3).
ولعلَّ هذه الرواية هي إحدى الروايات التي قصدها السيِّدُ المرتضى (رحمه الله) في مَعرض جوابِه حين سُئل عن ردِّ رأس الحسين (ع) إلى كربلاء، قال رحمه الله: “وقد رَووا أيضاً أنّ الرأس أُعيد بعد حمله إلى هناك، ودُفن مع الجسد بالطفّ”.(4)
وعلى أيِّ تقدير فما عليه مشهورُ الإماميَّة هو أنَّ الرأس المعظَّم قد تمَّ إرجاعُه إلى الجثمان الطاهر في كربلاء، نعم لا دليل على أنَّ ذلك وقع يوم الأربعين مِن مقتله الشريف بل الدليل على خلافه بحسب ما تقتضيه المعطياتُ التأريخيَّة، كما بيَّنا ذلك في موضعٍ آخر.
وثمة أقوالٌ أخرى في تحديد موضع دفن الرأس الشريف، منها أنَّه دُفن في النجف الأشرف عند الإمام أمير المؤمنين (ع) ومنها أنَّه دُفن في دمشق واختلفوا في الموضع الذي دُفن فيه، ومنها أنَّه دُفن في مصر في المشهد المعروف، ومنها أنَّه دُفن في مدينة الرسول الكريم (ص) في مقبرة البقيع، والذي أُرجِّحه أنَّه دُفن أولاً في البقيع ثم إنَّ الإمام زين العابدين (ع) أخذه فألحقَه بالجثمان الطاهر في كربلاء.
تسريح رؤوس الشهداء إلى الكوفة:
وأمَّا رؤوس بقيَّة الشهداء العظام من بني هاشم وغيرهم -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- فالمنصوصُ عليه في كلمات جملةٍ وافرة من المؤرِّخين هو أنَّ رؤوسهم قد تمَّ تسريحُها إلى الكوفة ومنها إلى الشام ثم لم نجدْ من تصدَّى لتحديد موضعِ دفنها.
ونذكر في المقام للتوثيق عدداً من نصوص مؤرِّخي الفريقين في ذلك:
النص الأول: ما أورده البلاذري في أنساب الأشراف قال: “.. وبعث عمرٌ- بن سعد- برأس الحسين من يومه مع خولى بن يزيد الأصبحي من حمير، وحميد بن مسلم الأزدي إلى ابن زياد.. وأقام عمرُ بن سعد يومَه والغد، ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فنادى في الناس بالرحيل إلى الكوفة.. واحتُزَّت رُؤوسُ القَتلى، فَحُمِلَ إلَى ابنِ زِيادٍ اثنانِ وسَبعونَ رَأساً، مَعَ شِمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ، وقَيسِ بنِ الأَشعَثِ، وعَمرِو بنِ الحَجّاجِ الزُّبَيدِيِّ، وعَزرَةَ بنِ قَيسٍ الأَحمَسِيِّ مِن بَجيلَةَ، فَقَدِموا بِالرُّؤوسِ عَلَى ابنِ زِيادٍ..”(5)
النص الثاني: ما أورده الدينوري في الأخبار الطوال : أقامَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِكَربَلاءَ بَعدَ مَقتَلِ الحُسَينِ عليه السّلام يَومَينِ، ثُمَّ أذَّنَ فِي النّاسِ بِالرَّحيلِ، وحُمِلَتِ الرُّؤوسُ عَلى أطرافِ الرِّماحِ، وكانَتِ اثنَينِ وسَبعينَ رَأساً..”(6)
النص الثالث: ما أورده الطبري في تأريخه قال: قال هشام: قال أبو مخنف: ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس مَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد..”(7)
وقال في موضعٍ آخر: “.. وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمَر حميد بن بكير الأحمري فأذَّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحملَ معه بناتِ الحسين وأخواتِه ومَن كان معه من الصبيان وعليَّ بن الحسين مريض… قال: وقُطف رؤوس الباقين فسرِّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمر بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد”(8)
النص الرابع: ما أورده الشيخ المفيد في الارشاد قال: “.. وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنُطفت، وكانت اثنين وسبعين رأساً، وسرَّح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج، فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد”(9)
تسريح رؤوس الشهداء إلى الشام:
النص الأول: ما أورده الشيخ المفيد في الإرشاد قال: “.. لَمّا فَرَغَ القَومُ مِنَ التَّطوافِ بِهِ – بِرَأسِ الحُسَينِ (ع)- بِالكوفَةِ، رَدُّوه إلى بابِ القَصرِ، فَدَفَعَهُ ابنُ زِيادٍ إلى زَحرِ بنِ قَيسٍ، ودَفَعَ إلَيهِ رُؤوسَ أصحابِهِ، وسَرَّحَهُ إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ عَلَيهِم لَعائِنُ اللَّهِ ولَعنَةُ اللّاعِنينَ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ، وأنفَذَ مَعَهُ أبا بُردَةَ بنَ عَوفٍ الأَزدِيَّ، وطارِقَ بنَ أبي ظَبيانَ في جَماعَةٍ مِن أهلِ الكوفَةِ، حَتّى وَرَدوا بِها عَلى يَزيدَ بِدِمَشقَ”(10)
النص الثاني: ما أورده البلاذري في أنساب الأشراف قال: “.. ثم دعا – ابن زياد- زحر بن قيس الجعفي فسرَّح معه برأس الحسين ورؤس أصحابه وأهل بيته إلى يزيد بن معاوية..”(11)
النص الثالث: ما أورده الطبري في تأريخه عن أبي مخنف قال: دَعَا – ابنُ زِيادٍ – زَحرَ بنَ قَيسٍ فَسَرَّحَ مَعَهُ بِرَأسِ الحُسَينِ عليه السّلام ورُؤوسِ أصحابِهِ إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ، وكانَ مَعَ زَحرٍ أبو بُردَةَ بنُ عَوفٍ الأَزدِيُّ، وطارِقُ بنُ أبي ظَبيانَ الأَزدِيُّ، فَخَرَجوا حَتّى قَدِموا بِهَا الشّامَ عَلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ (12).
النص الرابع: ما أورده ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ قال: “..إنَّ ابنَ زِيادٍ نَصَبَ الرُّؤوسَ كُلَّها بِالكوفَةِ عَلَى الخَشَبِ، وكانَت زِيادَةً عَلى سَبعينَ رَأساً، وهِيَ أوَّلُ رُؤوسٍ نُصِبَت فِي الإِسلامِ بَعدَ رَأسِ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ بِالكوفَةِ.. ثم إنَّ ابن زياد حط الرؤوس في يوم الثاني وجهَّزها والسبايا إلى الشام إلى يزيد بن معاوية، قال الواقدي: ثم دعا ابن زياد زجر بن قيس الجعفي وسلم اليه الرؤوس والسبايا وجهزه إلى دمشق..”(13)
لم نجد ما يُحدِّد مَدفن رؤوسِ الشهداء:
فقطعُ رؤوس الشهداء الأبرار وحملها إلى الكوفة ومنها إلى الشام أمرٌ ثابت لا ريب فيه، إلا أنَّه لم تتصدَّ النصوص رغم كثرتها – فيما وقفنا عليه – لإفادة أنَّه قد تمَّ ردُّها إلى كربلاء كما أنَّها لم تتصدَّ لتحديد الموضعِ الذي دُفنت فيه.
ما أفاده السيِّدُ محسن الأمين في الأعيان:
نعم أفاد السيِّد محسن الأمين رحمه الله تعالى في كتابه أعيان الشيعة ما هذا نصُّه قال: “رأيتُ بعد سنة 1321 في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق مشهداً وُضِع فوقَ بابِه صخرةً كُتب عليها ما صورتُه: هذا مدفنُ رأس العباس بن علي، ورأس عليِّ بن الحسين الأكبر، ورأس حبيب بن مظاهر، ثم أنَّه بعد ذلك بسنين هُدم هذا المشهد وأُعيد بناؤه وأُزيلت هذه الصخرة وبُني ضريح داخل المشهد ونُقش عليه أسماءٌ كثيرة لشهداء كربلاء، ولكنَّ الحقيقة أنَّه منسوبٌ إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المقدَّم ذكرها بحسب ما كان موضوعاً على بابه كما مر”.
وقال رحمه الله: “وهذا المشهد: الظنُّ قويٌّ بصحَّة نسبته، لأنَّ الرؤوس الشريفة بعد حملها إلى دمشق والطواف بها وانتهاء غرض يزيد من إظهار الغلبة والتنكيل بأهلِها والتشفِّي لا بدَّ أن تُدفن في إحدى المقابر، فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير، وحُفظ محلُّ دفنِها والله أعلم”(14)
الشيخ محمد صنقور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-اللهوف- السيد ابن طاووس- ص 114.
2-بحار الأنوار- المجلسي-ج45/ 145
3-الأمالي- الصدوق- ص232. روضة الواعظين – الفتال النيسابوري-ص 192.
4-رسائل الشريف المرتضى-الشريف المرتضى-ج3/ 130.
5-أنساب الأشراف – البلاذري-ج3/ 206.
6- الأخبار الطوال- ابن قتيبة الدينوري- ص259، بغية الطلب في تاريخ حلب- ابن العديم- ج6/ 2630.
7- تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 358. الكامل في التأريخ – ابن الأثير- ج4/ 80.
8-تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 348. 349.
9-الإرشاد – المفيد- ج2/ 113. مثير الأحزان- ابن نما الحلي- ص 65، إعلام الورى- الطبرسي- ج1/ 470، اللهوف – السيد ابن طاووس- ص84، الدر النظيم- ابن حاتم المشغري -ص 559.
10-الإرشاد – المفيد- ج1/ 118.
11- أنساب الأشراف- البلاذري- ج3/ 212 ،
12-تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 351. تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج18/ 445. الكامل في التأريخ – ابن الأثير- ج4/ 83, البداية والنهاية – ابن كثير- ج8/ 208.
13- تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزي- ص233، ٢٣٤.
14-أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين- ج1/ 627.

هل تمَّ إرجاع رؤوس الشهداء إلى كربلاء أو تمَّ دفنُها في موضعٍ آخر بعيداً عن أجسادهم؟
مشهور الإماميَّة هو ردُّ الرأس الشريف لكربلاء:
أمَّا سيِّدُ الشهداء الإمام الحسين (ع) فالمشهور عندنا -نحن الإماميَّة- أنَّ رأسَه الشريف قد تمَّ إرجاعُه إلى كربلاء وإلحاقُه بالجثمان الطاهر، ذكر ذلك السيِّدُ ابن طاووس في اللهوف قال رحمه الله: “أمّا رَأسُ الحُسَينِ عليه السّلام فَرُوِيَ أنَّهُ أُعيدَ فَدُفِنَ بِكَربَلاءَ مَعَ جَسَدِهِ الشَّريفِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ، وكانَ عَمَلُ الطّائِفَةِ عَلى هذَا المَعنَى المُشارِ إلَيهِ” (1) وفي البحار للعلامة المجلسي قال: “والمشهور بين علمائنا الامامية أنَّه دُفِن رأسُه مع جسده، ردَّه عليُّ بن الحسين عليهما السلام”. (2)
ويُؤيِّد قول المشهور ما رواه الشيخُ الصدوق في الأمالي بسندٍ له عن فاطمة بنت عليّ قالت: “إنَّ يَزيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أمَرَ بِنِساءِ الحُسَينِ عليه السّلام فَحُبِسنَ مَعَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السّلام في مَحبِسٍ لا يَكُنُّهُم مِن حَرٍّ ولا قَرٍّ حتى تقشَّرتْ وُجوهُهُم، ولَم يُرفَع بِبَيتِ المَقدِسِ حَجَرٌ عَلى وَجهِ الأَرضِ إلّا وُجِدَ تَحتَهُ دَمٌ عَبيطٌ، وأبصَرَ النّاسُ الشَّمسَ عَلَى الحيطانِ حَمراءَ كَأَنَّهَا المَلاحِفُ المُعَصفَرَةُ، إلى أنْ خَرَجَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهما السّلام بِالنِّسوَةِ، ورَدَّ رَأسَ الحُسَينِ عليه السّلام إلى كَربَلاءَ”(3).
ولعلَّ هذه الرواية هي إحدى الروايات التي قصدها السيِّدُ المرتضى (رحمه الله) في مَعرض جوابِه حين سُئل عن ردِّ رأس الحسين (ع) إلى كربلاء، قال رحمه الله: “وقد رَووا أيضاً أنّ الرأس أُعيد بعد حمله إلى هناك، ودُفن مع الجسد بالطفّ”.(4)
وعلى أيِّ تقدير فما عليه مشهورُ الإماميَّة هو أنَّ الرأس المعظَّم قد تمَّ إرجاعُه إلى الجثمان الطاهر في كربلاء، نعم لا دليل على أنَّ ذلك وقع يوم الأربعين مِن مقتله الشريف بل الدليل على خلافه بحسب ما تقتضيه المعطياتُ التأريخيَّة، كما بيَّنا ذلك في موضعٍ آخر.
وثمة أقوالٌ أخرى في تحديد موضع دفن الرأس الشريف، منها أنَّه دُفن في النجف الأشرف عند الإمام أمير المؤمنين (ع) ومنها أنَّه دُفن في دمشق واختلفوا في الموضع الذي دُفن فيه، ومنها أنَّه دُفن في مصر في المشهد المعروف، ومنها أنَّه دُفن في مدينة الرسول الكريم (ص) في مقبرة البقيع، والذي أُرجِّحه أنَّه دُفن أولاً في البقيع ثم إنَّ الإمام زين العابدين (ع) أخذه فألحقَه بالجثمان الطاهر في كربلاء.
تسريح رؤوس الشهداء إلى الكوفة:
وأمَّا رؤوس بقيَّة الشهداء العظام من بني هاشم وغيرهم -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- فالمنصوصُ عليه في كلمات جملةٍ وافرة من المؤرِّخين هو أنَّ رؤوسهم قد تمَّ تسريحُها إلى الكوفة ومنها إلى الشام ثم لم نجدْ من تصدَّى لتحديد موضعِ دفنها.
ونذكر في المقام للتوثيق عدداً من نصوص مؤرِّخي الفريقين في ذلك:
النص الأول: ما أورده البلاذري في أنساب الأشراف قال: “.. وبعث عمرٌ- بن سعد- برأس الحسين من يومه مع خولى بن يزيد الأصبحي من حمير، وحميد بن مسلم الأزدي إلى ابن زياد.. وأقام عمرُ بن سعد يومَه والغد، ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فنادى في الناس بالرحيل إلى الكوفة.. واحتُزَّت رُؤوسُ القَتلى، فَحُمِلَ إلَى ابنِ زِيادٍ اثنانِ وسَبعونَ رَأساً، مَعَ شِمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ، وقَيسِ بنِ الأَشعَثِ، وعَمرِو بنِ الحَجّاجِ الزُّبَيدِيِّ، وعَزرَةَ بنِ قَيسٍ الأَحمَسِيِّ مِن بَجيلَةَ، فَقَدِموا بِالرُّؤوسِ عَلَى ابنِ زِيادٍ..”(5)
النص الثاني: ما أورده الدينوري في الأخبار الطوال : أقامَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِكَربَلاءَ بَعدَ مَقتَلِ الحُسَينِ عليه السّلام يَومَينِ، ثُمَّ أذَّنَ فِي النّاسِ بِالرَّحيلِ، وحُمِلَتِ الرُّؤوسُ عَلى أطرافِ الرِّماحِ، وكانَتِ اثنَينِ وسَبعينَ رَأساً..”(6)
النص الثالث: ما أورده الطبري في تأريخه قال: قال هشام: قال أبو مخنف: ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس مَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد..”(7)
وقال في موضعٍ آخر: “.. وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمَر حميد بن بكير الأحمري فأذَّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحملَ معه بناتِ الحسين وأخواتِه ومَن كان معه من الصبيان وعليَّ بن الحسين مريض… قال: وقُطف رؤوس الباقين فسرِّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمر بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد”(8)
النص الرابع: ما أورده الشيخ المفيد في الارشاد قال: “.. وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنُطفت، وكانت اثنين وسبعين رأساً، وسرَّح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج، فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد”(9)
تسريح رؤوس الشهداء إلى الشام:
النص الأول: ما أورده الشيخ المفيد في الإرشاد قال: “.. لَمّا فَرَغَ القَومُ مِنَ التَّطوافِ بِهِ – بِرَأسِ الحُسَينِ (ع)- بِالكوفَةِ، رَدُّوه إلى بابِ القَصرِ، فَدَفَعَهُ ابنُ زِيادٍ إلى زَحرِ بنِ قَيسٍ، ودَفَعَ إلَيهِ رُؤوسَ أصحابِهِ، وسَرَّحَهُ إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ عَلَيهِم لَعائِنُ اللَّهِ ولَعنَةُ اللّاعِنينَ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ، وأنفَذَ مَعَهُ أبا بُردَةَ بنَ عَوفٍ الأَزدِيَّ، وطارِقَ بنَ أبي ظَبيانَ في جَماعَةٍ مِن أهلِ الكوفَةِ، حَتّى وَرَدوا بِها عَلى يَزيدَ بِدِمَشقَ”(10)
النص الثاني: ما أورده البلاذري في أنساب الأشراف قال: “.. ثم دعا – ابن زياد- زحر بن قيس الجعفي فسرَّح معه برأس الحسين ورؤس أصحابه وأهل بيته إلى يزيد بن معاوية..”(11)
النص الثالث: ما أورده الطبري في تأريخه عن أبي مخنف قال: دَعَا – ابنُ زِيادٍ – زَحرَ بنَ قَيسٍ فَسَرَّحَ مَعَهُ بِرَأسِ الحُسَينِ عليه السّلام ورُؤوسِ أصحابِهِ إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ، وكانَ مَعَ زَحرٍ أبو بُردَةَ بنُ عَوفٍ الأَزدِيُّ، وطارِقُ بنُ أبي ظَبيانَ الأَزدِيُّ، فَخَرَجوا حَتّى قَدِموا بِهَا الشّامَ عَلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ (12).
النص الرابع: ما أورده ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ قال: “..إنَّ ابنَ زِيادٍ نَصَبَ الرُّؤوسَ كُلَّها بِالكوفَةِ عَلَى الخَشَبِ، وكانَت زِيادَةً عَلى سَبعينَ رَأساً، وهِيَ أوَّلُ رُؤوسٍ نُصِبَت فِي الإِسلامِ بَعدَ رَأسِ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ بِالكوفَةِ.. ثم إنَّ ابن زياد حط الرؤوس في يوم الثاني وجهَّزها والسبايا إلى الشام إلى يزيد بن معاوية، قال الواقدي: ثم دعا ابن زياد زجر بن قيس الجعفي وسلم اليه الرؤوس والسبايا وجهزه إلى دمشق..”(13)
لم نجد ما يُحدِّد مَدفن رؤوسِ الشهداء:
فقطعُ رؤوس الشهداء الأبرار وحملها إلى الكوفة ومنها إلى الشام أمرٌ ثابت لا ريب فيه، إلا أنَّه لم تتصدَّ النصوص رغم كثرتها – فيما وقفنا عليه – لإفادة أنَّه قد تمَّ ردُّها إلى كربلاء كما أنَّها لم تتصدَّ لتحديد الموضعِ الذي دُفنت فيه.
ما أفاده السيِّدُ محسن الأمين في الأعيان:
نعم أفاد السيِّد محسن الأمين رحمه الله تعالى في كتابه أعيان الشيعة ما هذا نصُّه قال: “رأيتُ بعد سنة 1321 في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق مشهداً وُضِع فوقَ بابِه صخرةً كُتب عليها ما صورتُه: هذا مدفنُ رأس العباس بن علي، ورأس عليِّ بن الحسين الأكبر، ورأس حبيب بن مظاهر، ثم أنَّه بعد ذلك بسنين هُدم هذا المشهد وأُعيد بناؤه وأُزيلت هذه الصخرة وبُني ضريح داخل المشهد ونُقش عليه أسماءٌ كثيرة لشهداء كربلاء، ولكنَّ الحقيقة أنَّه منسوبٌ إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المقدَّم ذكرها بحسب ما كان موضوعاً على بابه كما مر”.
وقال رحمه الله: “وهذا المشهد: الظنُّ قويٌّ بصحَّة نسبته، لأنَّ الرؤوس الشريفة بعد حملها إلى دمشق والطواف بها وانتهاء غرض يزيد من إظهار الغلبة والتنكيل بأهلِها والتشفِّي لا بدَّ أن تُدفن في إحدى المقابر، فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير، وحُفظ محلُّ دفنِها والله أعلم”(14)
الشيخ محمد صنقور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-اللهوف- السيد ابن طاووس- ص 114.
2-بحار الأنوار- المجلسي-ج45/ 145
3-الأمالي- الصدوق- ص232. روضة الواعظين – الفتال النيسابوري-ص 192.
4-رسائل الشريف المرتضى-الشريف المرتضى-ج3/ 130.
5-أنساب الأشراف – البلاذري-ج3/ 206.
6- الأخبار الطوال- ابن قتيبة الدينوري- ص259، بغية الطلب في تاريخ حلب- ابن العديم- ج6/ 2630.
7- تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 358. الكامل في التأريخ – ابن الأثير- ج4/ 80.
8-تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 348. 349.
9-الإرشاد – المفيد- ج2/ 113. مثير الأحزان- ابن نما الحلي- ص 65، إعلام الورى- الطبرسي- ج1/ 470، اللهوف – السيد ابن طاووس- ص84، الدر النظيم- ابن حاتم المشغري -ص 559.
10-الإرشاد – المفيد- ج1/ 118.
11- أنساب الأشراف- البلاذري- ج3/ 212 ،
12-تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 351. تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج18/ 445. الكامل في التأريخ – ابن الأثير- ج4/ 83, البداية والنهاية – ابن كثير- ج8/ 208.
13- تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزي- ص233، ٢٣٤.
14-أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين- ج1/ 627.