إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإمام الحسن المجتبى (ع): الشَّهِيدُ المَسمُوم وَالشَّاهِد المَظلوُم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام الحسن المجتبى (ع): الشَّهِيدُ المَسمُوم وَالشَّاهِد المَظلوُم

    7 صفر الأحزان سنة 50ه كانت شهادته ودُفن في بقيع الغرقد في المدينة المنورة




    مقدمة ولائية

    الله سبحانه أخبرنا عن أولياء شهداء، وعن شهداء أشهاد على أعمال الخلق، كما أنه سبحانه جعل هذه الأمة شاهدة على كل الأمم بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)، وأكد هذه الشهادة في قوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج: 78)، فهذا مقام الشهادة الذي جعله الله لأهل البيت الأطهار (ع) من أئمة المسلمين، فهم الحجج والشهداء الأشهاد على العباد.
    ومن هؤلاء الأشهاد كان الإمام الحسن المجتبى (ع) السبط الأكبر لنبي الله الأكرم (ص)، والابن الأول لأول الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، وكثرهم جهاداً في الدِّين الخاتم، أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وزوجته سيدة نساء العالمين (ع)، فهو الحبيب ابن الحبيبين الغاليين على قلب رسول الله (ص)، وهو إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة فيها لا يُشاركه في مناقبه وفضائله إلا صنوه وشقيقه الإمام الحسين (عليهما السلام).
    هذا الإمام العظيم الذي افترض الله طاعته وولايته من بعد أبيه على الخلق جميعاً إلا أنه غدرت به الأمه وخذلته لصالح رأس النفاق والكذب والافتراء معاوية بن هند الهنود آكلة الكبود، الذي كان متربِّصاً في الشام ويفعل كل ما يحلو له ويظن أو يرى أنه يُحقق له مصلحته بالوصول إلى الكرسي والسلطان والحكم والصولجان، فهو الذي جاء بمبدأ النفعية قبل ميكيافلي بقرون "الغاية تبرر الوسيلة"، فغايته الكرسي والحكم، فأي وسيلة تخدمه كان لا يتردد لحظة في استخدامها مهما كانت دنيئة أو خسيسة أو رذيلة لأنه أدنى وأخس وأرذل منها.
    أليست هذه هي الطامة الكبرى التي وقعت، بل سقط فيها هذه الأمة المرحومة بمحمد وآله الأطهار (ع) فتتركهم بل وتقتلهم لأجل الشجرة الملعونة في القرآن، وأخبث وشر بيت في العرب صبيان النار من بني أمية الطلقاء سُنَّةً، واللعناء كتاباً، حقاً إن هذا من أعجب العجب؟
    عظمة وسؤدد الإمام الحسن (ع)

    التاريخ الإنساني كله يشهد أنه لا يوجد أحد له ما للإمام الحسن من الفضل والفخر والشرف والسؤدد إلا صنوه الإمام الحسين (ع)، فيُروى أن في مجلس من المجالس تفاخرت قريش والإمام الحسن بن علي (ع) حاضر لا ينطق، فقال معاوية: يا أبا محمد ما لك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان؟
    قال الحسن (ع): (ما ذكروا فضيلة إلاّ ولي محضها ولُبابها)، فأي فضيلة في قريش، وأي كرامة للعرب إلا وكان للإمام الحسن (ع) زبدتها وخلاصتها ولُبابها، فالفخر يأتي من بعده، والشرف بالانتساب إليه، وروي أن معاوية فَخَرَ يوماً فقال: أنا ابن بطحاء مكة...
    فقال الحسن بن علي (ع): (أعليّ تفتخر يا معاوية، أنا ابن عروق الثرى، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن مَنْ جاء بالهدى، أنا ابن مَنْ ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق، أنا ابن مَنْ طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبي تباهيني به؟ وقديم كقديمي تساميني به؟ تقول: نعم أو لا).
    قال معاوية: بل أقول لا وهي لك تصديق.
    فقال الإمام الحسن (ع): الحق أبلج ما يحيل سبيله *** والحق يعرفه ذوو الألباب
    وعن المنهال بن عمرو أن معاوية سأل الحسن (عليه السلام) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أيها الناس مَنْ عرفني فقد عرفني، ومَنْ لم يعرفني فسأبيِّن له نفسي؛ بلدي مكة ومنى، وأنا ابن المروة والصفا، وأنا ابن النبي المصطفى، وأنا ابن مَنْ علا الجبال الرواسي، وأنا ابن مَنْ كسا محاسن وجهه الحيا، أنا ابن فاطمة سيدة النساء، أنا ابن (خَليات) قليلات العيوب، (أنا ابن) نقيات الجيوب - وأذن المؤذن، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله - فقال: يا معاوية محمد أبي أم أبوك؟ فإن قلتَ: ليس بأبي فقد كفرتَ، وإن قلتَ: نعم، فقد أقررتَ ثم قال: أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها، وأصبحت العجم تعرف حق العرب بأن محمدا منها يطلبون حقنا ولا يردون إلينا حقنا). (البحار المجلسي: ج ٤٣ ص ٣٥٦)
    هذه هي الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس يُبينها الإمام الحسن السبط (ع) ولكن أنَّى لهذه الأمة الأموية أن تفقه مكانة وعظمة هذا الإمام، وهذه النعمة الكبرى فيها، فقدَّمت الذنابي على المقادم، والطلقاء الملاعين على سادة الخلق طراً، فتاهت وضاعت وما عرفت لأنها دانت بدين قريش وليس بدين الله تعالى الذي أنزله على حبيبه المصطفى (ص) واستودعه أهل بيته الأطهار (ع).
    مع عمرو بن العاص

    إن من عجائب الدنيا أن يفخر ابن ليلى هذا الهاجي لرسول الله بسبعين بيت من الشعر، وابن الشانئ الأبتر كما وصفه الله تعالى على سيد شباب أهل الجنة، فقد روي أنه لقي عمرو بن العاص الإمام الحسن (ع) في الطواف فقال له: يا حسن! زعمت أن الدِّين لا يقوم إلاّ بك وبأبيك! فقد رأيتَ الله أقام معاوية فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أ فيرضى الله بقتل عثمان؟ أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ البيض (قشر البيض الداخلي) وأنت قاتل عثمان! والله إنه لألم للشعث، وأسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك!
    فقال الإمام الحسن (ع): (إن لأهل النار علامات يعرفون بها: إلحاد لأولياء الله وموالاة لأعداء الله، والله إنك لتعلم أن علياً لم يرتب في الدِّين ولم يشك في الله ساعة ولا طرفة عين قط والله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك بنوافذ أشد من الأقضبة (الأسنة)، فإياك والتهجُّم عليَّ فإنِّي مَنْ قد عرفت، ليس بضعيف الغمزة، ولا هش المشاشة، ولا مري‏ء المأكلة، وإني من قريش كواسطة القلادة يُعرف حسبي ولا أُدعى لغير أبي، وأنتَ مَنْ تعلم ويعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزارها؛ ألأمهم حسباً، وأعظمهم لؤماً، فإياك عنِّي فإنك رجس ونحن أهل بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس وطهّرنا تطهيراً) فأفحم عمرو وانصرف كئيباً.
    علماً أن هذا المنافق كان يقول: أنا أبو عبد الله قتلته (عثمان) وأنا بوادي السباع، والله إن كنتُ لألقى الراعي فأحرِّضه عليه - وفي لفظ البلاذري: وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم - أنا أبو عبد الله (إِذَا حكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيْتُها)، وكان الإمام الحسن (ع) من أشد المدافعين عن عثمان كما يروون ولكن يأتي هذا... ليتَّهمه ويُحرِّض معاوية على قتله، ولكن الإمام الحسن (ع) ليس قصير الحربة فقد أقعاه... وقرعه بقوارعه.
    مع مروان الوزغ ابن الوزغ

    وفي مجلس ومشاجرة عظيمة جرت بين الإمام الحسن (ع) ورهط من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن الأموية جمعه معاوية وأرسلوا إلى الإمام الحسن السبط (ع) فألقمهم بأحجارهم، وقرعهم بقوارعه العظيمة فأقعوا كالكلاب الممطورة، ولكن مروان الوزغ لم يكن حاضراً وقد وسمع بما لقي معاوية وأصحابه من الإمام الحسن بن علي (ع) فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟
    قالوا: قد كان كذلك، فقال لهم مروان: أفلا أحضرتموني ذلك؟! فو الله لأسبَّنه ولأسبنَّ أباه وأهل البيت سبّاً تتغنى به الإماء والعبيد.
    فقال معاوية والقوم: لم يفتك شيء وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش، فقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية، فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي (ع)، فلما جاءه الرسول قال له الإمام الحسن (ع): (ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة).
    فأقبل الإمام الحسن (ع) فلما أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير أن مروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الإمام الحسن (ع) حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص، ثم قال الإمام الحسن (ع) لمعاوية: لِمَ أرسلت إليّ؟
    قال: لستُ أنا أرسلتُ إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك.
    فقال مروان: أنت يا حسن السَّباب لرجال قريش؟
    فقال الحسن (ع): وما الذي أردت؟
    فقال: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبّاً تتغنى به الإماء والعبيد.
    فقال الحسن (ع): أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببتُ أباك، ولكن الله عزّ وجل لعنك ولعن أباك، وأهل بيتك وذريتك، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة، على لسان نبيه محمد (ص) والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممَّن حضر هذه اللعنة من رسول الله (ص) لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان بما خوفك إلا طغياناً كبيراً، وصدق الله وصدق رسوله يقول تبارك وتعالى: (والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ونُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء: 60)، وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله (ص) عن جبرئيل عن الله عزّ وجل.
    فوثب معاوية فوضع يده على فم الإمام الحسن (ع)، وقال: يا أبا محمد ما كنتَ فحّاشاً ولا طيّاشاً.. فنفض الإمام الحسن (ع) ثوبه، وقام فخرج فتفرق القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه. (من حياة الإمام الحسن (ع) السيد محمد الشيرازي: ص140)
    وكثيرة هي مجالس الإمام الحسن المجتبى (ع) في مجالس بني أمية الطلقاء وفي كل مرة كان يضعهم على حقيقتهم المفضوحة، ويُبين لهم أنه من الأشهاد على العباد وأئمة الحق في الخلق.
    شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع)

    التاريخ يشهد بأن بنداً من بنود معاهد الصلح بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية كان (ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده للإمام الحسن ثم لأخيه الإمام الحسين (ع)، ولذا كان أثقل شيء عليه حياة الإمام الحسن (ع) فلما زيَّن له الشيطان المغيرة بن شعبة البيعة ليزيد بولاية العهد فاحتال على قتل الإمام الحسن (ع) بالسم، وعلى هذا اتفق الفريقان الشيعة والسنة في هذه الأمة والشواهد كثيرة على ذلك سنأخذ بعضها فقط ونأخذ تفاصيلها من الإمام الراحل (قدس سره الشريف) من كتابه (من حياة الإمام الحسن (ع) بتصرف منا بالتقديم والتأخير والاختصار.
    يقول الراوي: كان الإمام الحسن (ع) يكلمني إذا تنخَّع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئ مما خرج من جوفه من الدم، فقلتُ له: ما هذا يا ابن رسول الله إني لأراك وجعاً؟
    قال (ع): (أجل دسَّ إليَّ هذا الطاغية مَنْ سقاني سمّاً فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى). قلتُ: أ فلا تتداوى؟
    قال(ع): (قد سقاني مرَّتين وهذه الثالثة لا أجدُ لها دواءً، ولقد رقيَ إليَّ: أنَّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السمِّ القتّال شُربة، فكتب إليه ملك الروم: "أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا"، فكتب إليه: أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة، وقد خرج يطلب ملك أبيه وأنا أُريد أن أدسَّ إليه مَنْ يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه، ووجه إليه بهدايا وألطاف، فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسُقيتها) (الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص13)
    ولعلك تشعر كيف أن ملك الروم كان أشرف وشهم أكثر من ابن هند ولكنه أغرى الرجل بأن المقصود بالسم هو (ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة)، ولم يكتب ابن النبي العربي محمد (ص) لأنه لا يعتبره نبياً بل ملكاً وولده (خرج يطلب ملك أبيه)، وهذا ما فاه به والده الذي ينتسب غليه من قبله صخر بن حرب أبو سفيان حيث قال: (إنما هو الملك ولا أدري ما الجنة والنار)، وكذلك نادى بها وريثه يزيد الشر بقوله: (لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل)، فهي أفكار وعقائد متوارثة في تلك العائلة الرومية، والمجهولة الأصل، ومن بؤس الدنيا فعلاً وحقاً أن يتسلَّط صبيان بني أمية على هذه الأمة ويتآمرون مع الروم واليهود على قتال ومحاربة رسول الله (ص) طيلة الرسالة ثم يتآمرون لقتل ذريته غيلة بالسم، أو جهاراً بالسيف والأمة ساكتة صامتة.
    شواهد تاريخية مختلفة

    عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): (قال الحسن بن علي (ع) لأهل بيته: إني أموت بالسم كما مات رسول الله (ص)، فقال له أهل بيته: ومَنْ الذي يسمّك؟ قال: جاريتي أو امرأتي، فقالوا له: أخرجها من ملكك عليها لعنة الله، فقال: هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها، ما لي منها محيص، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها، كان قضاء مقضياً وأمرا واجباً من الله، فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته قال: فقال الحسن (ع): هل عندك من شربة لبن؟ فقالت: نعم وفيه ذلك السم الذي بعث به معاوية، فلما شربه وجد مس السم في جسده، فقال: يا عدوة الله قتلتيني قاتلك الله، أما والله لا تصيبين مني خلفاً، ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيراً أبداً).
    وقال الشيخ المفيد: (إلى أن تمَّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد، فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ـ وكانت زوجة الحسن (ع) ـ مَنْ حملها على سمّه، وضَمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي (ع) مريضاً أربعين يوماً ومضى لسبيله).
    وقال أبو الفرج: (وانصرف الحسن رضي الله عنه إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه..
    وبإسناده عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم فقبلت وسمّت الحسن فسوَّغها المال، ولم يزوّجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بني مسمّة الأزواج".
    وقال المدائني: (دسّ إليه معاوية سمّاً على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن (ع)، وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوّجك يزيد ابني، فلما مات (ع) وفَّى ـ معاوية ـ لها بالمال ولم يزوّجها من يزيد، وقال: أخشى أن تصنع بابني ما صنعت بابن رسول الله (ص).
    وقال الطبري في تاريخه كما نقله عنه ابن أبي أصيبعة: (إن الحسن بن علي رضي الله عنهما مات مسموماً في أيام معاوية وكان عند معاوية كما قيل دهاء فدسَّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن رضي الله عنه شربة وقال لها: إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد، فلما توفي الحسن بعثت إلى معاوية تطلب قوله فقال لها في الجواب: أنا أضن بيزيد).
    وفي تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي: (قال علماء السير منهم ابن عبد البر: سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي).
    وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (وقال قتادة وأبو بكر بن حفص: سُمّ الحسن بن علي، سمّته امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي، وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك).
    وقال الشعبي: (إنما دسّ إليها معاوية فقال: سمِّي الحسن وأزوّجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد فبعث إليها بالمال، وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته لولا ذلك لزوجتك إياه).
    هكذا قضى الإمام المجتبى، والسبط الأكبر نحبه بسم الطاغية معاوية، وذكروا أنه سمَّه مرات ومرات وهو مصرٌّ على جريمته النكراء حتى أرسل إليه ملك الروم سمَّاً شديداً قطَّع أمعاءه وجعله يُلقي كبده في الطست، وبقي أياماً يُعاني من ألم السم حتى انتقل إلى ربه والتحق بجده وأبيه وأمه (صلوات الله عليهم) فترك هذه الدنيا شهيداً سعيداً وشاهداً على ظلم هذه الأمة وتنكرها لحقه فيها، وظلم بني أمية وطغاتها الطلقاء لا سيما معاوية بن هند الهنود وحاشيته الملعونة.
    فآلاف التحية والسلام على سيدنا الإمام الحسن المجتبى الشهيد المسموم والشاهد المظلوم.
    شبكة النبا المعلوماتية

  • #2
    مظلومية الإمام الحسن الشجاع.. في حياته وبعد استشهاده


    حان الوقت لإعطاء سيرة الإمام الحسن المجتبى المزيد من الاهتمام والرعاية وتخصيص الكثير من البرامج، وتخصيص موسم باسم الإمام الحسن المجتبى (الأيام الحسنية) لكشف حقيقة سيرته وشخصيته العظيمة المليئة بالأحداث والوقائع المهمة للأمة وخاصة شيعته وكل البشر، الإمامة والقيادة والشجاعة والعلوم والمعرفة فهو ريحانة وسبط رسول الله...
    في البدء لابد من التأكيد على قضية مهمة مغيبة في سيرة وشخصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وهي الشجاعة والجهاد والبطولة المحمدية العلوية الهاشمية، وما العجب وقد تورث من خير البشر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبيه امير المؤمنين أسد الله الغالب الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، كل الصفات الأخلاقية والعلوم والزعامة والشجاعة..، فهو الإمام القائد العالم البطل الكريم الزكي الحليم المحارب الشجاع الثائر..، الذي شارك بسلاحه في كل الميادين وفي كل زمان ومكان وخاصة في الحروب التي خاضها والده أمير المؤمنين (ع)، فهو في مقدمة المحاربين عندما يحتاج الظرف للحرب والسلاح والمواجهة العسكرية، وهو رجل السلام والحوار وحماية الأرواح، فهو إمام وقائد وحجة الله على الخلق.
    بعد كشف حقيقة جيشه وحالة الانهزام والانشقاق والتخاذل بين قيادة وأفراد الجيش..، استطاع انتزاع الحقوق عبر الحوار والإتفاق والصلح، وبسبب ذلك الإنتصار الذي حققه الإمام من خلال الصلح بشكل سلمي، فإن أعداء الحق والحرية لم يتركوه –أي الإمام- لشعورهم بالهزيمة، لأنه قام بتعرية وإسقاط النظام الأموي الظالم الفاسد البعيد عن الدين الإسلامي الأصيل وأبسط الأخلاق..، الذي يستخدم الكذب والتزييف في الإعلام فقط، هزمه عبر الإتفاقية الواضحة والمحددة، التي تلزمه بالشروط التي تنص عليها إتفاقية الهدنة، فعدم التزام الحكم الأموي بها ظهر أمام القوم والتاريخ بانه خائن غير محترم وغير وفي بالعهود وسقط. فقام الحكم الأموي الظالم بقتله غدرا فقضى نحبه شهيدا مسموما مظلوما، دون أن يتنازل عن الحق ونصرة المظلومين. وهو الإمام الشهيد المظلوم من الذين عاصروه ومن التاريخ والأمة..، والتقصير بحقه من قبل شيعته!.
    الأيام الحسنية

    ولهذا يجب احياء المناسبات الحسنية ببرامج متنوعة فعالة وقوية ومؤثرة، وتكون حاضرة في أدبيات عشاق أهل البيت (عليهم السلام) بشكل واسع لرفع المظلومية عن السبط الأكبر، فكل من ينتمي للمنهج المحمدي العلوي الفاطمي الحسيني ينتمي للمنهج الحسني الذي تعرض لمظلومية كبيرة، وما زالت مظلوميته قائمة بعدما منع أن يدفن بجوار جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، و دمرت حضرته، وهدم مرقده، ولا يوجد قبة فوق قبره الشريف، ولا حضرة لزيارته والجلوس عند مقامه الشريف، ولا أحد يستطيع ان يمشي إليه ويرفع الصوت بالسلام عليك يا أبا محمد المجتبى ولا النداء أيها المظلوم والمسموم‼️.
    ومن الاقترحات لنصرة الإمام الحسن (ع) والدفاع عن مظلوميته، أن تكون هناك فعالية سنوية قوية باسم الأيام الحسنية لسد النقص والتقصير الواضح، تبدأ من أول شهر صفر إلى يوم شهادته، يتناول الخطباء والعلماء والباحثون والكتاب، بعض من محطات سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) فهي مليئة بالعلوم والمعارف وأنوار الرحمة والفائدة، والأهم هو الحضور بفعالية من قبل عشاق محمد وآل محمد (ص)، والتغطية والتفاعل من قبل الوسائل الإعلامية مثل القنوات التلفزيونية وبرامج التواصل الاجتماعي الحديث؛ لتكون شخصية الإمام الحسن حاضرة بسيرته العطرة وكلماته وإيمانه وفكره وجهاده لعامة البشر.
    حتما مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) هي الأعظم والأشد، مصيبة هونت كل المصائب، مصيبة جمعت كل المصائب على أهل البيت (عليهم السلام)، ومن يعشق ويبكي ويسير على منهج الإمام الحسين (عليه السلام)، هو حتما يعشق ويبكي ويتفاعل ويسير على منهج الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وجده رسول الله المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وأبيه علي المرتضى وأمه فاطمة الزهراء (عليهم السلام). منهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) واحد، فهم حجج الله على خلقه، وهم الأئمة الأطهار، والسادة الأنوار، يحملون رسالة السماء، وهم الأولياء والأوصياء بعد الأنبياء، والسير على منهج جدهم خاتم الأنبياء والمرسلين (ص) لإحقاق الحق ونشر العدل ولأجل نصرة المظلومين ورفض الظلم والظالمين، والإمام الحسن (ع) هذا منهجه فهو إمام وولي ووصي و حجة الله على خلقه وهو قدوة وأسوة حسنة.
    الدفاع عن مظلومية الإمام الحسن

    لقد تعرض الإمام الحسن(ع) سبط رسول الله (ص) للظلم والمظلومية في حياته، وبعد استشهاده مسموما مظلوما من قبل زوجته جعدة بنت الأشعث، بطلب وإغراء من قبل معاوية بمئة ألف درهم ووعدها بالزواج من ابنه يزيد وغيرها، "واستنادا إلى بعض الأخبار أن الإمام الحسن (ع) أوصى أن يُدفن عند قبر جده النبي (ص)، لكن مروان بن الحكم وعدد من بني أمية بقيادة عائشة بنت أبي بكر منعوا ذلك بقولها: "البيت بيتي، ولا آذن لأحد أن يدفن فيه". وذكرت كتب التاريخ "أن بني أمية رموا جنازة الإمام الحسن المسموم المظلوم بسهام، حتى اُخرج منه سبعون سهماً".. فدُفن في مقبرة البقيع!.
    لقد حان الوقت لإعطاء سيرة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) المزيد من الاهتمام والرعاية وتخصيص الكثير من البرامج، وتخصيص موسم باسم الإمام الحسن المجتبى (ع) (الأيام الحسنية) لكشف حقيقة سيرته وشخصيته العظيمة المليئة بالأحداث والوقائع المهمة للأمة وخاصة شيعته وكل البشر، الإمامة والقيادة والشجاعة والعلوم والمعرفة..، فهو ريحانة وسبط رسول الله (ص) الأكبر الذي هو سيد وزعيم وقدوة وأسوة حسنة بمواصفات سادة الجنة..، وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على عظمة مكانة الإمام الحسن وأخيه الإمام الحسين ومنها قوله (ص): "الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النّار".
    وهو أشبه الناس بجده الرسول الأعظم (ص) خلقا وخلقا وسؤددا وهديا وحكمة وهيبة فقد روي عن أنس بن مالك، قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحسن بن علي (عليه السلام)، وله مكانة خاصة عند جده النبي الأكرم (ص) وقد تجلت في الإمام المجتبى (ع) الكثير من الصفات النبوية المباركة، ولكن القوم أعداء الإمام الحسن الذين هم أعداء جده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالتالي فهم أعداء الله -سبحانه وتعالى-، قد خالفوا كل ما قاله جده رسول الله (ص)، فقد حاربوه وقتله، وقاموا بحملات تشويه لشخصيته، ويوجد الكثير من التزييف والكذب والافتراء والإساءة في الكتب التاريخية لغاية اليوم، رغم انها تخالف الحقائق، وكل تلك حملات التشويه والاساءة مصدرها اعداء منهج أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة بني أمية، وتقع مسؤولية الدفاع عن القائد المجاهد الثائر الإمام الحسن (عليه السلام) على كل فرد ينتمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وعلى كل حر وشريف، والاجتهاد بنشر المعلومات الصحيحة وتفنيد كل المغالطات التي مازالت تكرر في كتب أعداء منهج أهل البيت (عليهم السلام).
    الإمام الحسن ومواجهة التحديات والطغاة

    لقد قدم الإمام الحسن (ع) من خلال سياسته انموذجا للبشرية برفض الظلم والطغيان، وضرورة مواجهته بالقوة المتاحة، والإمام بذل ما يستطيع وقدم الشهداء وتعرض للطعن بخنجر تارة، وتارة بسهم وهو يصلي، ومحاولات عديدة لاغتياله بالسم قبل الأخير من قبل زوجته جعدة بنت الأشعث وهو الأشد لقد روي انه عندما سيطر السّم على كل أنحاء جسم الإمام الحسن (ع) حتى أنه شكا لأخيه الحسين (ع) قائلاً: (يا أخي سقيت السّم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي)...، وعندما وجد الخيانة في جيشه، ووجود فئات تفتقد الإيمان الخالص والذوبان مع القائد والقضية المقدسة وعدم الرغبة لديهم بالتضحية والشهادة، واشتباه الحق على عدد كبير منهم..، لجأ الإمام الحسن المجتبى (ع) إلى أسلوب آخر لتحقيق الإنتصار المستقبلي الدائم دون حرب وقتال، والحصول على المطالب والإصلاح بالحكمة وبالطريقة السلمية عبر الإتفاق المحدد الهدنة دون تنازل أو إستسلام.
    الإمام الحسن المجتبى (ع) هو الثائر الإصلاحي لتحقيق الإصلاح وتعرية وإسقاط النظام الظالم الفاسد عبر الإتفاقية الواضحة والمحددة. ولهذا لابد من التأييد والدعم والتشجيع على ممارسة سياسة الإمام الحسن المجتبى (ع) الحقيقية، وهي اولا القوة والشجاعة والبطولة في التصدي والمطالبة بالحق والعدل وتحقيق الإصلاح والسلام والاستقرار، وعندما يكون الظرف لا يسمح برفع السلاح وخوض الحروب ويصبح الحسم العسكري بعيدا، لعدم وجود المؤيد والناصر والمجاهد الثائر الوعي …، يمكن اللجوء للمعاهدة والاتفاق على هدنة دون تنازل عن الحق ونصرة المظلومين ودون الإستسلام ومدح النظام الإستبدادي وعدم السماح بسفك دماء الأبرياء وعدم السكوت عن الاعتقالات التعسفية والفساد، وإنما عبر التمسك بالحق..، حينها الأفضلية تكون للحلول السلمية والتوجه للحوار والتفاهم والإتفاق على إتفاقية محددة (هدنة) لحفظ الحقوق.
    الإمام الحسن وحماية الشيعة وصناعة جيل الثورة
    من أهم إنجازات الإمام الحسن المجتبى (ع) في ظل تلك المرحلة الصعبة غياب الوعي عند القوم، وعدم إدراك مكانة الإمام الحسن (ع) عند الله وعند جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال (ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". ناس لا تدرك معنى الإمامة والسيادة والتقديم والاحترام والطاعة للإمام، أمة تعيش الجهل واتباع الهواء والشهوات والملذات والمصالح الدنيوية وطاعة الظالم المستبد وتتأثر بإعلامه وما يروج له، فضاع الدين وقتلت الأخلاق والمروءة والكرامة في الأمة...
    أولا: حرص الإمام الحسن المجتبى (ع) على المحافظة وحماية الشيعة لبقاء واستمرار الحياة الكريمة لهم، وذلك عبر إتفاقية الهدنة التي تحدد من ضمن شروطها عدم التعرض للشيعة.
    ثانيا: قام الإمام الحسن المجتبى (ع) بدور كبير في صناعة جيل جديد على مستوى من الإيمان بالإمامة والوعي وطاعة القائد والتضحية في سبيل الحق ونصرة المظلوم، جيل يستحق ان ينال أعلى مراتب السمو بالشهادة والخلود عبر الزمان.
    ثالثا: التمهيد للثورة ضد الظلم والظالمين بقيادة الإمام الحسين (عليه السلام) الثورة القابلة للاندلاع بمجرد كشف حقيقة نفاق وظلم بني أمية الذي يتستر بدين الإسلام مجرد اسم على اللسان فقط، ثورة الحق والحقيقة، ثورة انتصار الدم والقيم على السيف، ثورة تهز عروش الظالمين، ثورة تقوم على الأدلة والبراهين بأن حكم بني أمية يخالف كل القيم فلا وفاء عنده للعهود والمواثيق والاتفاقيات، لعدم التزامه باتفاقية الصلح ومن بنودها بعد وفاة معاوية يكون الحكم إلى الحسن (عليه السلام) أو لأخيه الحسين (عليه السلام) وان ينعم الشيعة بالأمن وعدم الاعتداء عليهم. السلام عليك يا حجة الله في الخلق، الإمام في القيام والقعود والسلم والحرب، يا معز المؤمنين الشجاع المجاهد الثائر ضد الظلم والطغاة، يا مؤسس اندلاع ثورة كربلاء.
    السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد الحسن المجتبى أيها المظلوم المسموم الشهيد، وعلى أخيك الثائر الحسين الشهيد، وعلى أمك فاطمة الزهراء بضعة الرسول (ص)، وعلى أبيك حيدر الكرار أمير المؤمنين وأخ رسول رب العالمين (ص)، والسلام على جدك سيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة العالمين سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). والسلام على من سار على منهجهم وطريقتهم، والسلام على أرواح الشهداء. هنيئا لمن يسير على طريق الإمام الحسن المجتبى (ع) فهو طريق الله (عز وجل) ورسوله (ص) وأمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين وسيد الشهداء والأئمة الطاهرين (ع).
    نفس المصدر




    تعليق


    • #3

      في ذكرى شهادته: الامام الحسن المجتبى قتيل العِبرة




      عندما نقول أن الامام الحسين، عليه السلام، انتصر يوم عاشوراء أمام جيش عمر ابن سعد، فإنما نؤكد انتصار القيم والمبادئ الحقّة التي جسدها، كما ان الاصحاب انتصروا لتلك المبادئ والقيم وأبقوها حيّة مشعّة، فبقوا معها من الخالدين. كذلك الحال بالنسبة للإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، فهو توقف عند حافة الحرب، ورفض القتال، فكانت النتيجة ان يكسب خصمه المعركة السياسية، ويحقق رغبته الدفينة بالملك والحكم، بيد أن الامام، عليه السلام، كسب المعركة الحضارية، فحافظ على نفس تلك القيم والمبادئ والسيف في غمده، ولم يهدر قطرة دم واحدة.
      ولكن...! ما ذا عن الاصحاب؟! وماذا عن الأمة التي وسمت – ظلماً- الإمام الحسن، عليه السلام، بأنه "مهادن"؟!
      من المفترض أن تكون الأمة في ذلك العهد، قد بلغت مستوى من الخير الذي ذكره القرآن الكريم "خير أمة"، فتشهد المنازلات والمعارك في جبهة الحق، وتشهد الانتصارات، كما حصل في عهد الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، بيد إن الايمان، هو الاختبار الصعب الذي تسقط فيه الأمم عبر التاريخ، فيبقى الانبياء والأوصياء وحدهم في الساحة، ولا تكون الخسارة والهزيمة إلا لأفراد ذلك المجتمع المتخاذل والمتراجع.
      وحتى يتحقق الامام الحسن، عليه السلام، من هذه الحقيقة، ويجعلها حجّة للتاريخ، اختبر افراد جيشه الذي تسلّمه من بعد أبيه أمير المؤمنين، عليه السلام، قبل أن يستأنف القتال ضد الفئة الباغية (معاوية)، فألقى خطبة بعد صلاة الجماعة، وأمامه الآلاف من الجند، ومما جاء في هذه الخطبة التي ينقلها الشيخ المفيد في "الإرشاد" أن "...ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا عليّ رأيي...".
      ما ان سمع الناس هذه الكلمات من الإمام، حتى بدأ البعض ينظر في وجه الآخر – تقول الرواية- وقالوا: ما ترونه يريد بما قال...؟! فقال البعض: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر اليه! ثم صاح أحدهم: كفر والله الرجل...! ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته...
      هذا الحادث الغريب، من جنود مع قائد جيشهم، يعبر عن سقوط كبير في اختبار بسيط، فالامام لم يطلب منهم إلا أمرين: وحدة الصف، والطاعة. وهذين الأمرين، أرادهما الإمام لأن يكونا اللبنة الاولى لبناء المجتمع الفاضل، ثم الجيش المقتدر والمنتصر، مع معرفته، عليه السلام، بوجود المشككين والخوارج وعبّاد المال والجاه في عسكره، فهم الذين مهدوا الطريق لوصول ابن ملجم الى الإمام ويرتكب تلك الجريمة، ليتوقف الجيش الاسلامي أمام جبهة البغي، بيد أن هذه كانت فرصة جديدة أمام الامة للتعويض عما فات.
      هنالك عوامل عديدة يذكرها المؤرخون والباحثون عن تلك المرحلة التاريخية الفاصلة، أدّت الى تخاذل المسلمين في عهد الامامين، علي والحسن، عليهم السلام، مثل وجود العصبيات الجاهلية وحب المال والجاه، ثم الرؤية السطحية والقشرية للدين، الى جانب اساليب التضليل والتغرير التي اتبعها معاوية، بيد أن النتيجة واحدة وكارثية على الأمة، وهي تمكين فئة ضالة من الطلقاء، ولم يكونوا حتى من المسلمين العاديين، ليتحكمّوا بمصير الأمة، فكانت الهدر الفظيع في الثروات، والسفك الفجيع في الدماء.
      هذا الاختبار، لم يكن الاول من نوعه في التاريخ، وربما لو قرأ المسلمون بعناية، تجارب الأمم التي خلت من قبلهم، لكان الموقف بشكل آخر، وهذا القرآن الكريم، أمامهم، لكن المشكلة دائماً أن "أكثرهم لا يعقلون". ففي (سورة البقرة)، يروي لنا القرآن قصة بني اسرائيل مع الملك "طالوت" الذي اختاره الله لهم ليقاتلوا طاغية ذلك الزمان (جالوت)، فجاء وقت الاختبار في شرب الماء بغرفة واحدة باليد، ومن يشرب أكثر يكون من العاصين، فكان العصيان من الاكثرية، لكن بقيت أقليّة فاعلة، فاطلقت الهتاف المدويّ: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والله مع الصابرين}. ويروي القرآن الكريم، كيف أن هذه القلّة، انتصرت على جيش جرار.
      وهذا الدرس والعبِرة، لم يتوقف عند المسلمين في عهد الامام الحسن، فهو مستمر حتى يومنا هذا، وسيوافي الاجيال القادمة الى يوم القيامة، لأن القضية تتعلق بمعادلة إلهية، بأن الحق والفضيلة والقيم والمبادئ لا تنتصر إلا بعد أن ينتصر لها المؤمنون. وإلا ما الذي جعل الاستهتار بالقيم والمبادئ والاحكام في عهد يزيد، يصل الى منحدرات خطيرة، سوى سكوت الناس عن الظلم والانحراف وعدم الاعتصام بحبل أهل البيت، عليهم السلام، لمواجهة هذا الانحراف؟ فمعاوية ويزيد وغيرهما من الطغاة، لم ينتصروا سياسياً وعسكرياً، إلا بعد الهزيمة النفسية والمعنوية لابناء الامة.
      من هنا نعرف أن الايمان الحقيقي، مفتاح النصر ليس في جبهات الحرب ضد الباطل، إنما في الجبهة الداخلية ايضاً، فان القيم والمبادئ الحيّة في النفوس، هي التي تصنع المقاتلين الابطال والفدائيين الذين يتحدون اكبر المخاطر والتهديدات، كما نلاحظ ذلك في التجربة العراقية، التي بحق، أبهرت المسلمين والعالم بأسره، وكلما اتسعت مساحة هذا الايمان وتعمّق في النفوس، كانت النتيجة أكبر.
      نفس المصدر

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X