الحديث عن الإمام الحسن الزكي عليه السلام متشعّب الجوانب ومترامي الأطراف ، فتارةً نحتاج الى معرفة شخصيّته المباركة ببعدها الغيبي والإلهي ، وأخرى نحتاج الى الإطلاع على شخصيته ببعدها الإنساني والأخلاقي ، وثالثة على سيرته بمراحلها المختلفة ، ورابعة في موضوع خلافته وصلحه .. ثم شهادته وأحداث دفنه ..
وكل هذه الجوانب قد كُتب عنها ، سرداً وتحليلا .. وفي أيام ذكرى شهادته سلام الله عليه في السابع من شهر صفر الخير نريد أن نتعرف على شخصيته عليه السلام من زاوية أخرى ، لا بمفردها وإنما مجتمعةً مع شخصية أخيه الإمام الحسين عليهما السلام :
فنحن نؤمن بأن الفوارق ببن المعصومين عليهم السلام ليس كالفوارق بين عوام الناس ، فهم جميعاً من نورٍ واحدٍ وكلامهم واحد وأمرهم واحد .. وإن وجدت فوارق فهي في مستويات عليا ومقاييس لا نجيد قرائتها ولا نستوعب فهمها ..
غير أنه يظهر لنا شيء من التقارب والتطابق في شخصيات بعض المعصومين دون بعضهم الآخر نستطيع البت به تارةً والظنّ به تارةً أخرى إستناداً لنصوص معيّنة أو نتيجةً لتحليلٍ ما يتناول بعض الظروف والوقائع أو نحصل عليه كإنطباع عام ناتج عن قراءة في حياتهم وسيرتهم سلام الله عليهم ..
فمثلاً : بين النبي والإمام علي صلوات الله عليهما من التقارب والإنصهار الى الحدّ الذي عبّر عنهما القرآن الكريم بأنهما نفسٍ واحدة في آية المباهلة ( وأنفسنا وأنفسكم ) ..
وكذا هناك نصوص تحدد علاقة خاصة بين الزهراء وأبيها ( فاطمة بضعة مني .. ) وبين الرسول والامام الحسين ( حسين مني وأنا من حسين ) .. الخ
وكذا دلّتنا السيّر الذاتية والتاريخية لأهل البيت عليهم السلام بتشابه وتطابق كبير في الوظيفة بين الإمام الباقر وولده الصادق صلوات الله عليهما ، فكلُّ من كانت له دراية بعلم الحديث يعرف ذلك واضحاً الى الحدّ الذي يعبّر عنهما في سند بعض الروايات ب ( عن أحدهما ) ..
وبهذا نكون قد انتهجنا منهجاً ثالثاً في تناول حياة المعصومين عليهم السلام ، فالمنهجان المعروفان هما المنهج الذي يتناول حياة كل معصوم على حده ، مثل موسوعة ( أعلام الهداية ) ، وآخر يتناولهم كمجموع كلي مترابط ، مثل بحث السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( تعدد أدوار ووحدة هدف ) .. أما المنهج الذي نوّهنا اليه هو منهج الترابط الجزئي ، أي البحث في حياة بعض الائمة دون بعض ، كحياةٍ وسيرةٍ وشخصيةٍ واحدة ..
وهكذا دراسة ليست جديدة ، فلقد قسّم الشهيد الصدر في بعض محاضراته حياة الائمة على مراحلٍ ثلاث : [ من الامام علي الى شطر من حياة الامام السجاد ] [ من الامام السجاد وحتى شطر من حياة الامام الكاظم ] [ من الامام الكاظم وحتى الامام المهدي ] صلوات الله عليهم أجمعين .
والمنهج الثالث أراه أقل المناهج بحثاً وإهتماماً مع أنه لا يقلّ أهميةً .. ونريد أن نعمل وفقه هنا فيما يخص الإمامين العظيمين الحسن والحسين عليهما السلام ..
اخترنا الكلام عن الإمام الحسن عليه السلام من زاوية وحيثية الشخصية والسيرة والحياة المشتركة مع أخيه الإمام الحسين عليه السلام كما بيّنا في الحلقة السابقة . وعليه سيكون تناولنا لشخصية وسيرة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بشكل مشترك لا بشكل تجزيئي ضمن محاور هي بمثابة مداخل لهاتين الحضرتين المقدّستين ، وسنختار ثلاثة محاور :
المحور الأول : النصوص الواردة فيهما
حيث أنّ النصوص الشرعية ، قرآنية ونبوية ، قد تظافرت على ذكرهما وتقديمهما بسياقٍ واحدٍ ومشترك ، مما يشير الى الإندماج والإشتراك والتطابق الكبير بينهما سلام الله عليهما ، فأما النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله فهي متواترة ويحفظها المسلمون ، من قبيل : [ وهما خير أهل الأرض ] ، [ إنّهما ريحانتيّ من الدنيا ] ، [ إنّ الله أمرني بحبّهما ] ، [ إنّ حبّ عليّ عليه السلام قذف في قلوب المؤمنين ، فلا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين عليهما السلام قُذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّاً ] ، [ الْحَسَنُ وَالْحُسَينُ إِمَامَانِ قَاما أَوْ قَعَدا ] ، [ اَلْحَسَنُ واَلْحُسَينُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّة ] ، [ الحسن والحسين سبطان من الأسباط ] ...
وأمّا ماجاء فيهما وبسياق واحد في القرآن الكريم ، لا بأسماءهم وإنما بتعابير أخرى ، فهي متعددة ايضاً ذكرها المفسرون ، من قبيل آية المباهلة حيث عبرت عنهما ب ( أبناءنا ) ، وفي سورة الرحمن في قوله تعالى ( يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ) حيث جاء عن ابن عباس بأنهما الحسن والحسين ، وفي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } ، فعن الصادق عليه السلام قال : الكفلين : الحسن والحسين ..
ثم أنهما عليهما السلام أختصا باجتماع الإمامة في الأخوين ، وهذا ما لايجوز في غيرهما عليهما السلام ، عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) قال : [ لا تعود الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا ، إنما جرت في علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى ﴿ ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... ﴾ فلا تكون بعد علي بن الحسين (عليه السلام) إلا في الاعقاب وأعقاب الاعقاب ] .
وإقتران إسمهما صلوات الله عليهما في هكذا نصوص شرعية صادرة عن أعلى لسان تشريعي في الإسلام ، أي القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وبنفس الوقت تحمل هذه النصوص مضامينَ عقائدية وتشريعية وأخلاقية عالية المستوى بحقهما .. يُنبأ عن :
● وجود حقيقة ملكوتية واحدة لهما .
● لهما دور مشترك يؤدياه في الأمّة .
● وكذلك يُنبأ عن واجب وتكليف واحد ومشترك يقع على عاتق الأمّة إتجاههما ..
فأمّا الحقيقة الملكوتية الواحدة فهذه من أسرار معارف الإسلام وحقائق الإيمان ، في ( الكافي ) : عن الصادق ( عليه السلام ) ، قال : [ قال الله تبارك وتعالى : يا محمّد إني خلقتك وعلياً نوراً ، يعني روحاً بلا بدن ، قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري ، فلم تزل تهلّلني وتمجّدني ، ثم جمعتُ روحيكما فجعلتهما واحدة ، فكانت تمجّدني وتقدّسني وتهلّلني ، ثم قسمتها ثنتين ، وقسمت الثنتين ثنتين ، فصارت أربعة : محمد واحد ، وعلي واحد ، والحسن والحسين اثنان ، ثم خلق الله فاطمة من نور ابتداها روحاً بلا بدن ، ثم سبّحنا بيمينه فأفضى نوره فينا ] .
ومعرفة الائمة بالنورانية لها أهلها ، وهي معرفة فؤادية ، لا تستقر إلا بالعمل ، فكما أن الروح لا تلج في الإنسان إلا بعد اكتمال الجسد ، فهكذا المعرفة بالنورانية ، جسدها هو العمل .. هكذا تمّ وصفها ،
وهذا ما نفهمه ايضاً من تعريف أمير المؤمنين لها حين فسّر هذه المعرفة بقوله : ( معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ، ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية ، وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ )) .
فعندما نقول أن هذه المعرفة لها أهلها لا يعني أننا غير مكلّفين بها ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً سلمان وأبا ذر رضوان الله عليهما : [ يا سلمان ويا جندب ، قالا لبيك يا أميرالمؤمنين ، قال عليه السلام أنه لايستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية ، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وصار عارفاً مستبصرا ، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب ] .
وأمّا ( دورهما المشترك ) ( والتكليف المشترك للأمّة ) فنخصص لهما المحورين الآتيين إن شاء الله تعالى ..
المحور الثاني : دور الإمامين الحسن والحسين المشترك والكبير في حياة الأمة الإسلامية .
بسبب القراءة السطحية للأحداث التاريخية في حياة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، مع الفقر المعرفي عند البعض وخبث السريرة عند البعض الآخر ، خرجت لنا آراء وإدّعاءات لا تلتقي مع الحقيقة النورانية للإمامين ولا تنسجم مع كل تلك النصوص الصريحة بحقّهم ، القرآنية منها والنبوية ..
فأراد أصحاب تلك الأقلام خلق حالة من التقابل والتضادّ بين شخصية ودور الإمام الحسن وشخصية ودور الإمام الحسين عليهما السلام ، فزعموا أن الحسن عليه السلام يميل الى الصلح والتسامح والحسين يميل الى الثورة والسيف ..!!
وأغفلوا - متجاهلين - النظر الى الصلح الحسني والقيام الحسيني بعين التحليل الديني والفكري والموضوعي ، ولو فعلوا لوجدوا أنّ القضية قضيّة واحدة ولكنها نُفّذّت وفق مرحلتين ، وكلُّ مرحلةٍ تطلّبت أسلوبها وتكتيكها الخاص ..
■ فأمّا مرحلة الإمام الحسن عليه السلام فتمثّلت بدوره وإنجازه الكبير في استنقاذ الشطر الأهمّ من الخلافة بعد حادثة قرصنة واغتصاب خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والتي شملت سلب ولاية الرسول الدينية وولايته القيادية والادارية ( الدنيوية ) ، فالخليفة الأول كان هو الإمام الروحي والشرعي عند أغلب المسلمين وهو بنفس الوقت رئيس الدولة .. واستمر هذا الاغتصاب لشقَّي الخلافة حتى إمامة الحسن المجتبى عليه السلام ( عدا خلافة أبيه عليه السلام ) ، حيث استطاع الإمام الحسن من خلال صلحه الذي أضطر اليه مع معاوية الى تجريد معاوية من الخلافة الدينية وجعله رئيساً للدولة وملكاً لها فقط ..
وهذه الإنجاز السياسي الكبير للإمام الحسن عليه السلام قد أقرّ به الجميع :
١. فلقد اعترف معاوية نفسه بذلك عندما قال : رضينا بها مُلكا .. ويقول ايضا : أنا أول الملوك ..
٢. وكذلك اعترف بها سعد بن ابي وقاص عندما دخل على معاوية وقال له : السلام عليك أيها الملك .. ولم يقل له كما كان يقال للخليفة ( بأمير المؤمنين ) ..
٣. وكذا الدميري في حياة الحيوان الكبرى يقرّ بأن الامام الحسن آخر الخلفاء ..
٤. والسيوطي يذكر عن ابن شيبة بأن معاوية اول الملوك ..
٥. واليعقوبي في تاريخه يقول ( مَلَكَ معاوية ) ولم يقل كما كان يقول للذين سبقوه ( إستخلف ) ..
وبهذا يكون الامام الحسن عليه السلام بسياسته قد ضعّف من سطوة الخلفاء الغاصبين على رقاب المسلمين ، بل رسمَ للإسلام خارطة إضطرارية جديدة ..
وترشّحت عن هذه النتيجة الكبيرة نتائج كبيرة ومهمّة أخرى ، مثل فضح حقيقة ال أمية ، فبعد أن كانت شرائح واسعة من الأمة الإسلامية في أيّام خلافة الإمام علي ( ع ) والإمام الحسن ( ع ) في شكّ وحيرة عمّن هو الأصلح للأمة ، وهل هو معاوية أم هم أئمة اهل البيت عليهم السلام ..؟ وكان ذلك طبعاً بسبب الشكوك التي يبثّها بنو أمية وأذنابهم بين المسلمين .. ولكن مرض الشك هذا زال حال تصدّي معاوية لسدّة الحكم وتنصيبه ملكا ، حيث تبيّن غرضه في أول خطبة له بعد التمليك ، فعن سَعِيدِ بن سويد ، قالَ : صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ بِالنَّخِيلَةِ فِي الضُّحَى , ثُمَّ خَطَبْنَا فَقَالَ : " مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا , وَلَا لِتَصُومُوا , وَلَا لِتَحُجُّوا , وَلَا لِتُزَكُّوا , وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ " .
فانكشف أمره للمسلمين أكثر بعد ممارسته للحكم ، وصرّح بذلك كبار علماء العامة وكتّابهم :
١. طه حسين ( كتابه علي وبنوه ) : يصف حال الناس عندما تبيّن لهم ما هو معاوية ( وقد جعل أهل العراق يذكرون حياتهم ايام عليّ فيحزنون عليها .. ويندمون كذلك على ما كان من الصلح بينهم وبين اهل الشام ) .
٢. وسجّل المؤرخون لمعاوية الأرقام القياسية في الابتداع في الدين :
. أول من نقص التكبير .. معاوية
. اول من خطب الناس قاعدا .. معاوية
. أول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد وأحدث الاذان فيها
. اول من اتخذ الخصيان لخاصة خدمته
. اول من قيل له من الخلفاء ( الصلاة يرحمك الله )
وغيرها ..
ففضح الإمام الحسن بني أمية وأظهرهم على حقيقتهم أمام المسلمين وبشكل لا يقبل الشك .. إلاّ أن مرض ضعف الإرادة في التغيير من قبل الأمّة لا زال موجوداً - كما يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر - فجاء دور المرحلة الثانية بقيادة أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
■ فجاء دور المرحلة الثانية ، بأسلوبها الحسيني ، وبعد موت معاوية وتسلّم يزيد الحكم انتهت المرحلة الأولى من المواجهة ( الحسنية الحسينية ) وأصبحت مقوّمات القيام كاملة ونتائجها مضمونة ، هذه المقوّمات التي طالما أشار الى بعضها الامام الحسن "ع" ، فبعد الصلح ندم بعض المسلمين على ما آل اليه الأمر وجاءوا الى الامام الحسن "ع" وطلبوا منه القيام والثورة ، ردّهم الامام بقولٍ يُفهم منه بأن الصلح كان بمثابة استراحة محارب ..!! حيث يقول "ع" : ( فارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر والزموا بيوتكم وامسكوا وكفّوا ايديكم حتى يستريح برّ او يُستراح من فاجر ) .
يعلق طه حسين على هذا القول : فهو اذن يهيئهم للحرب حين يأتي إبانها ويحين حينها ويأمرهم بالسلم المؤقت حتى يستريحوا ويحسنوا الاستعداد ( راجع كتاب علي وبنوه ص189 ) .
هذه المرحلة كانت ساحة تنفيذها كربلاء وسلاحها الدماء ونتائجها بقاء الدين وحفظ شريعة سيد المرسلين الى أن يرث الأرض إمام المستضعفين والمنتقم من الظالمين الغائب المنُتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ..
وبهذا يتبين لنا أنّ دورهما واحد صلوات الله عليهما وعدوهم واحد ولكن المواجهة نفذت على مرحلتين وبإسلوبين .. وهذا هو عين حديث ( إمامان قاما أو قعدا ) ، فقيامهم بحكمة وقعودهم بحكمة .
المحور الثالث : دور وتكليف الأمة اتجاه الائمة
بعد أن تخلّت الأمة عن دورها وتكليفها اتجاه الائمة ، ولم تعطهم وظيفتهم الإلهية ، وأزالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها ، مارس الائمة وظيفةً إضطرارية وبما يتلائم مع الظروف الاستثنائية ، أي ظروف الإقصاء وتخاذل الأمة .. فكان الصلح وكانت كربلاء ..
ولا بدّ أن نعلم أن مقابل كل دور للائمة ، أصيلاً كان أم أضطراريا ، يكون هناك تكليف للأمّة اتجاه هذا الدور .. وأن طبيعة الأدوار والتكاليف الأضطرارية تكون :
١. أكثر صعوبة ومشقّة وابتلاء .
٢. نيل أهدافها تكون أبعد وأطول زمنا .
فلو كانت استجابة البشرية عموماً والمسلمين خاصةً للشرائع السماوية استجابةً سريعة ودقيقة بدون كفر ولا عناد ولا معصية ولا تحريف .. لتعجلت البشرية بقطف أهدافها العالية ولتنعّمت بنعيم ربها ، في دنياها وأخرتها [ وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ] الأعراف ٩٦
كطالب المدرسة ، المجتهد يطوي المراحل بالفترة المقررة ويقطف نتائجها في مقتبل عمره ، وغير المجتهد يخوض امتحانات ضعف امتحانات المجتهد ( الدور الأول والثاني ) و ( السنة الأولى وسنة الإعادة ) .. وبالنتيجة يحصل على أقل وأسوء فرص الحياة بعد طول فترة ومعاناة ..!!
وفي قصّة بقرة بني اسرائيل التي أمرهم الله تعالى بذبحها خير مثال ، فلقد ورد ( لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ) .
فبعد أن فشلت الأمة في أداء تكليفها مع الإمام الحسن عليه السلام .. تعرّضت الى بلاء أشدّ وأعظم مع الإمام الحسين عليه السلام ، ولهذا كان فشلها ذريعاً ومرعبا ، وقد تنبأ الإمام الحسن ذلك عندما قال لأخيه أبي عبدالله عليه السلام [ لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ] .
وعلى أثر هذه الانتكاسة العظمى في كربلاء - سواء على مستوى التكليف الشرعي أو الأخلاقي أو الإنساني - تسلسلت وتعاظمت ابتلاءات وعذابات المسلمين ، بدءاً من تسلّط الطواغيت ، مروراً بذهاب دولهم واستعمار الشرق والغرب لهم ، وانتهاءً بغياب ائمتهم وقادتهم الى أن يأذن الله .. وها نحن نعيش - كمسلمين - حياة الهوان والذلّة ، أمّة بلا هوية ولا شخصية .. !!
هذا ما أردنا تبيانه في حلقة الختام من هذه السلسلة القصيرة ، فلا ننظر - نحن كأمّة - الى أدوار الائمة بمعزل عن تكاليفنا ، فهذه مرتبطة بتلك كمّاً وكيفا .. آجركم الله
تعليق