يَا مُدْخِلي بِالْهَجْرِ ذَاتَ وَقودِ ** مَنْ صَارَ مِنْ قَتْلاَكِ غَيْرُ فَقِيدِ(١)
رِفْقَاً بِمَنْ أَوْهَى الْهَوَى جِلْدَاً عَلَى ** عَظْمٍ تَكَفَّأَ كَالغُصُونِ الْمِيدِ(٢)
ذَبُلَتْ نَضَارَةُ أَيْكِهِ مُذْ طَوَّحَ الُـ ** ـحَادِي بِفَاتِنَةِ الْحِسَانِ الْخُودِ(٣)
وَنَأَتْ عَنِ الغُضْنِ الغَضِيضِ حَمَامَةٌ ** بِالصَّدِّ قَدْ عَزَفَتْ عَنِ التَّغْريدِ(٤)
وَغَدَاةَ قَطَّعَنِي الصُّدودُ بِسَيْفِهِ ** نَادَيْتُهَا عُودِي فِدَاؤُكِ عُودِي
فَالقَلْبُ خَامَرَهُ الْهَوَى حَتَّى ذَوَى ** وَقَدِ انْكَوَى لَذْعَاً بِنَارِ صُدُودِ(٥)
أَنَا عَاشِقٌ أَنَا وَامِقٌ أَنَا رَامِقٌ ** أَبْكِي بِجَفْنِ الْمُدْنَفِ الْمَعْمُودِ(٦)
..
وَلَعَلِّ إِنْ مَرَّتْ بِهِ سِنَةُ الكَرَى ** عَطْفَاً عَلَيْهِ بِالْخَيَالُ فَجُودِي(٧)
وَتَذَكَّرِي حَيْثُ النُّجومُ حَوَاسِدَاً ** كَمْ عُذْتُ حُسْنَكِ مِنْ عُيونِ حَسُودِ
بِاللهِ وَالْهَادِي النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى ** خَيْرِ الْخَلاَئِقِ أَحْمَدِ الْمَحْمودِ
الْمُقْتَفِي الْمُزَّمِلِ الْمُدَّثِرِ الْـ ** طُهْرِ الرَّسولِ الشَّاهِدِ الْمَشْهودِ(٨)
طَهَ البَشِيرِ النَّاصِرِ الْمَنْصورِ وَالدَّ - اعِي النَّذِيرِ الشَّافِعِ الْمَوْعودِ
ذِي قُوَّةٍ ذِي عِزَّةٍ وَمَكَانِةٍ ** ذِي الفَضْلِ الإِكْرَامِ وَالتَّمْجيدِ
قُثَمٍ سِرَاجٍ عَابِدٍ مُتَبَتِّلٍ ** بَرٍّ رَحِيمٍ بِالعِبَادِ وَدُودِ(٩)
..
وَالسَّابِقِ الْمُخْتَارِ وَالْمَأْمُونِ وَالْـ ** ـعَدْلِ الْمَكِينِ عَلَى الأَنَامِ شَهيدِ(١٠)
مُهْدٍ مُغِيثٍ مُكْرِمٍ كَافٍ رَضٍ ** حَقٍّ مُطَاعٍ لِلضَّلالِ مُبيدِ
وَالْمُجْتَبَى وَالْمُنْتَقَى وَالْمُرْتَجَى ** وَالْمُقْتَدَى وَمَلاَذِ كُلِّ شَرِيدِ
وَالأَوَّلِ الْمُنْجِي الصَّفِيِّ الْمُنْتَجَى ** وَالآخِرِ الْمَاحِي لِكُفْرِ مَرِيدِ(١١)
وَالصَّادِقِ الْمُتَوَكِّلِ الْمُجْلِي العَمَى ** وَالفَاتِحِ الْبَانِي عُرَى التَّوْحِيدِ
مُحْيِي الوَرَى هَادِي الوَرَى غَوْثِ الوَرَى ** خَيْرِ الوَرَى مِنْ قَائِمٍ وَحَصِيدِ(١٢)
..
وَالسِّرِّ وَالنُّورِ الَّذِي ظَهَرَتْ بِهِ ** بَعْدَ العَمَاءِ مَعَالِمُ الْمَوْجودِ(١٣)
فَيْضٌ تَقَدَّسَ لَيْسَ تُدْرِكُ كُنْهَهُ ** رُسُلُ الإِلَهِ القَاهِرِ الْمَعْبودِ(١٤)
وَمَشَاهِدِ الْمِعْرَاجِ أَخْفَى شَاهِدٍ ** لِبَيَانِ مَظْهَرِ سِرِّهِ الْمَوْصودِ(١٥)
لَنْ تَبْلُغَ الأَفْهَامُ مَا تَطْوِيهِ مِنْ ** مَعْنَىً لِيُسْتَجْلَى بِنَظْمِ قَصِيدِ(١٦)
لَكِنْ دَعَانِي فَرْطُ حُبِّكَ وَالوِلاَ ** لأَقولَ فِيكَ مِنَ الْمَديحِ نَشِيدِي(١٧)
هِيَ أَحْرُفٌ مَنْضُودَةٌ لاَ تَرْتَقِي ** لِسُبوغِ مَجْدِكَ فِي العُلاَ وَالْجُودِ
..
يَا سَيِّدِي إِنِّي عُبَيْدُكَ أَخْسَرَتْ ** نَفْسِي وَأَخْرَسَ مِقْوَلَ المَفْؤُودِ(١٨)
مِنِّي جَرَائِرُ أَنْتَ تَعْلَمُ عُظْمَهَا ** تَرْبُو بِصَيِّبِ حَظِّيَ الْمَنْكودِ(١٩)
لَكِنَّنِي أَمَّلْتُ فِيكَ شَفَاعَةً ** هِيَ مُنْيَتِي العَصْمَاءُ يَوْمَ وُرُودِ(٢٠)
يَا خَيْرَ مَنْ لاَذَ العُفَاةُ بِبَابِهِ ** مِنْ شَرِّ دَهْرٍ مُسْتَطِيرِ كَنُودِ(٢١)
إِنِّي ظَمٍ فَبِحَقِّ فَاطِمَةَ اسْقِنِي ** مِنْ حَوْضِ كَوْثَرِ وِرْدِكَ الْمَوْرودِ
وَبِصَاحِبِ النَّصِّ الْجَلِيِّ الْمُرْتَضَى ** أُمْنُنْ عَلَيَّ بِرِفْدِكَ الْمَرْفُودِ(٢٢)
وَلِوَالِدَيَّ وَإِخْوَتِي وَصَحَابَتِي ** وَلأُمَّةٍ مَاتَتْ عَلَى التَّوْحِيدِ
(صَلَّى الإِلَهُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ) ** مَا لَيْسَ يُؤْتَى بَعَدَهَا بِمَزِيدِ(٢٣)
وَلِصَحْبِهِ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُجَانِفٍ ** لِسَبيلِهِ أَوْ نَاقِضٍ لِعُهُودِ(٢٤)
شعر: عادل الكاظمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- ذات الوقود: من أوصاف النار.
٢- أوهى: أضعف. جِلْدَاً عَلَى عَظْمٍ: كناية عن الضعف والهزال. تَكَفَّأَ: تمايل في المشي.
الغُصُونِ الْمِيدِ: الغصون التي تعبث بها الرياح. وماد الغصن: تحرك واضطرب.
٣- الأيك: مفردها أيكة الشجرة الوارفة الظلال. طَوَّحَ: ذهب وسار بعيداً.
الْخُوْدُ: مفردها الخَوْدُ وهي الشابة الحسناء التامة الخلق.
٤- الغضيض: من غضَّ الغُصْنُ: صار طَرِيّاً ناضراً. الصّدُّ: الهجران.
عَزَفَ عن الشّيء: زَهِدَ فيه. التغريد: غناء الطيور.
٥- خَامَرَ الحُبُّ القَلْبَ: انتشر الحبّ في القلب وتمكّن منه. اللَّذْعُ: الكَيُّ بالنار وغيرها.
٦- وَامِقُ: مُحِبٌّ والموامقة هو الحب من طرفين. رَامِقٌ: شَاخِصُ البَصَرِ.
الْمُدْنَفُ: من أمرضه الحب. الْمَعْمُودُ: العَليلُ المشغوفُ عشقاً.
٧- سِنَةُ الكَرَى: النوم. الْخَيَالُ: الطَّيْفُ. وضمير مرت به يهود إلى الجفن.
٨- الْمُقْتَفِي: الخاتِمُ.
٩- القُثَمُ: التّامُ الْخَلْقِ الْمُجتمعُ الْخُلُقِ. الْمُتَبَتِّلُ: المنقطع للعبادة حتى نزل فيه قوله:
«طَهَ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى».
١٠- السَّابِقُ: الذي سبق الخلق بالإعتراف بالوحدانية لله تعالى يوم أن قال لهم أ لست بربكم؟
فأول من قال: بلى هو نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله. الْمَكِينُ: ذو قدرةٍ ورفعةٍ وشأن.
الشهيد: الذي يشهد على أعمال العباد.
١١- الْمَريدُ: المبالغ بالشرّ والعدوان.
١٢- مُحْيِي الوَرَى: عِلّة الخلق. ومعنى البيت: إن النبي كان علة الخلق
وبعد الخلق صار علة لهدايتهم وبعدها صار غياثاً لهم من الضلال كونه خير الخلق.
القائم والحصيد: ما هو هو كائن وما يكون.
١٣- العَمَاءُ: عالَمُ ما قبل الوجود إذ ليس مع الله شيء.
١٤- الفَيْضُ: مصدر إفاضة الوجود على الْمُمْكِنات. كُنْهُ الشَّيء: جوهره وحقيقته.
١٥- مَشَاهِدِ الْمِعْرَاجِ: ما شاهده النبي صلى الله عليه وآله من مشاهد عظيمة لا يعلمها أحد إلا الله تعالى.
أَخْفَى شَاهِدٍ: ما خفي برغم ظهوره في تواتر الأخبار وتفصيلاتها. السر الموصود: السر المقفل
١٦- الأَفْهَامُ: جودة استعداد الذهن على الإستنباط عن المبادئ التفصيلية. يَسْتَجْلَي الْمَعَانِي: يظهرها.
١٧- فرط الحب: شدة الحب ولا إفراط في حب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.
١٨- عُبَيْدُكَ: تصغير عبد. أَخْسَرَتْ النَّفْسَ الجَرَائِرُ: الذّنوبُ الَّتِي تُخْسِرُ الإنسانَ نفسَهُ.
المِقْوَلُ: اللّسانُ. المَفْؤُودُ: المصاب في فؤاده والذي يشتكي من وجع فيه وقد يكون وجع اقتراف الذنوب والمعاصي.
١٩- الجَرَائِرُ: واحدها الجريرة وهي الجناية والذنب. تربو: تزيد: الصَّيِّبُ: المطر.
ومعنى البيت مستقى من قوله تعالى: «وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ..».
وفي البيت من دقيق البديع ما لا يخفى على أهله.
٢٠- مُنْيَةُ: الأمْنِيَةُ. يوم الورود: يوم ورود الخلائق على الله تعالى وهو من أسماء يوم القيامة.
٢١- العفاة: الفقراء وذوو الإربة والحاجة. الشر المستطير: المنتشر قال تعالى:
«وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا». الدهر الكنود: الذي يرمي الناس بالقحط.
٢٢- النَّصِّ الْجَلِيُّ: نص يوم الغدير وهو أجلى نص منذ خلق الله الخلق فلم يؤثر أن نصاً رواه خلق كثير
كالنص على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام كون علي أعظم خلق الله تعالى بعد نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله.
٢٣- قائل هذا الشطر الصحابي الجليل عبدُ الرحمنِ بْنِ صَفوانَ بن قُدامَةَ الْمَرائي وتمام البيت:
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ ** وَثَنَى عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ بِسَلاَمِ
المصدر: معرفة الصحابة لأبي نعيم ص١٥٠٢ ت: عادل العزازي ط: دار الوطن - الرياض.
٢٤- الْمُجَانِفُ: من جَانَفَ القومَ أي جانبهم وتباعد عنهم.