تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[1].
تصريح رباني واضح في أن رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يعلم الغيب كأصل، اللّهم إلاّ ما يعلّمه الله تعالى قضية ضرورة الرسالة الربانية: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾[2].
وهنا «الغيب» هو الغيب المطلق الذي لا يتحوّل شهودا لمن سوى الله، فما ورد متظافرا «أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة» مطروح أو مأمول ببعض الغيب، وهو المرتبط بالوحي الرسالي، فحين لا يعلم الرسل غيب الآيات الرسالية التي تجري بذوات أيديهم، فكيف يعلمون سائر الغيب التي ليست لتجري على ألسنتهم وأيديهم كغيب الساعة وما أشبه.
وهنا ﴿لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾، تعم ملك العلم والقدرة، ف ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾، تستثني ملك بعض النفع والضر، سواء أكان غيبا أم شهودا، أو كان مقدورا عاديا أم سواه، فقد يصدق أنه صلّى الله عليه وآله فضلا عمن سواه لا يعلم الغيب المطلق مهما علّم مطلق الغيب حيث يستثنيه ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾.
ثم ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾، تحيل له علم الغيب عن بكرته ذاتيا أم تعلما من الله حيث الاستكثار من الخير لا يختص بذاتية علم الغيب، بل العلم ذاتيا أم عرضيا بالغيب ينتج الاستكثار من الخير وعدم مس السوء حيث الإيجابية العملية وسلبيتها وجاه الخير والشر، هما من خلفيات طليق العلم بالغيب، ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾[3]، ﴿وَلِلّٰهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[4].
وترى ﴿لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾، تسلب عنه الاختيار في جلب النفع وسلب الضر؟ كلاّ لمكان ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾، حيث تثبت له ملكا للنفع والضر بمشيئة الله، وهي عبارة أخرى عن الأمر بين أمرين، فنحن لا نملك نفعا ولا ضرا مستقلين عن إرادة الله، والله لا ينزّل علينا نفعا ولا ضرا دون عمل ومحاولة منا اللّهم إلا ما لا يحصل بعمل وما أشبه، فقد يشاء الله ما نشاء حسب الصالح من حكمته تعالى وتقدس ف ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ﴾[5]، وما أشبه دليل واقع المشية منا في خير أو شر، ولكنها مربوطة بإذن الله.
﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، فقد انحصر كياني في هذه السلبية والإيجابية الرساليتين في حقل رسالتي من الله، دون أية ولاية تكوينية أو تشريعية، ولا أي علم لا تقتضيه الرسالة الربانية لزاما أو رجحانا.
فالحقيقة الفردية أن الآية تقول: إن الآدميين يجهلون أسرار الغيب وإلاّ لو كانوا على معرفة كاملة بذلك، لاختطوا من السلوك ما يجتذب إليهم الخير أيّا كان، وهذا يعني (من خلال الإيحاء غير المباشر) إن الشخصية الإسلامية ينبغي أن تلتزم بمبادئ الله تعالى، دون أن تدرك بالضرورة منابع الحكمة الكامنة وراء هذه الظاهرة أو تلك.
ولو كنت مستقلا في حد ذاتي وعالما علما حضوريا بالغيب المطلق وهو الذات الاحدية، أو الغائب من عالم الملك وهو ما كان في الملكوت وفوقه، لاستكثرت من الخير بنفسي، ولم يكن لى حد ونقص في مرتبة من مراتبي، ولم يمسني السوء، والحال ان السوء يمس بدني، ومرتبتي النازلة فلست بالذات شيئا، بل وجودي وكمالي بالغير، وهو الله، فما أشاء الا ما شاء الله، فالخيرات الكثيرة الصادرة مني من مكملات النفوس ببيان العلوم والعقائد من الله، لا من نفسي، وورود السوء عليّ لحدّي ونقصي.
[1] سورة الأعراف، الآية: 184.
[2] سورة الجن، الآيتان: 26-27.
[3] سورة الأنعام، الآية: 50.
[4] سورة هود، الآية: 123.
[5] سورة الإنسان، الآية: 30.
تعليق