بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[1].
تعليم من الله تعالى لنبيه بملازمة جملة من الخلال الفاضلة فإنها حسنة من كل أحد ومنه أحسن لأنه يريد أن يقود الأجيال بحنكة، ومن الحنكة ألا يكون الإنسان قاسيا شديد المؤاخذة بل لا بد له أن يتدرع بالعفو في اهمّ مجالاته فقد ورد في الأثر كما ذكر الطبرسي في تفسيره [أن النبيّ لما أنزلت عليه هذه الآية قال لجبرائيل ما معنى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾، قال لا أدري حتى اسأل العالم يعنى الله سبحانه ثم أتاه فقال يا محمّد إن الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك][2].
والعرف هو المعروف وهو كل فعل أو قول حسن في الشرع أو العقل والأمر بالمعروف من اهمّ الركائز الاجتماعية.
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، أي لا يقف اعتراضهم في وجهك عن الاستمرار في دعوتك فاسحب عليهم أذيال الإهمال لهم حتى لا يتعكر عليك طريق تبليغك، والنزغ هو الإزعاج ثم قال سبحانه له في هذه الآية: أنت بشر فقد تعتريك من حالات البشرية كالغضب وقلة النشاط.
وقد ورد عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلنُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يَقُولُ: ((إِنَّ اَللهَ أَدَّبَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، قَالَ: خُذْ مِنْهُمْ مَا ظَهَرَ وَمَا تَيَسَّرَ، وَاَلْعَفْوُ اَلْوَسَطُ))[3].
وفي خلاصة هذه الآية نكات اربع:
فالأولى: الدعوة الى الحلم وسعة الصدر سواء في ذلك داخل شؤونه وخارجها والذي يحقق هذا الحسن مطلبان: -
الأوّل: إن الإنسان إذا واجه السيئة الموجهة اليه بالغيظ والغضب وتجسيم السيئة فقد أعان على اذيّة نفسه ومتى اثّر فيه غضبه أخذ يدعو الى نصرته كل من يهمّه امره من والد وولد ورحم وقس على ذلك فيتسع الخرق بينه و بين قبيله حتى قد يؤول ذلك الى خسائر جسيمة في الأموال والأنفس وغيرهما بخلاف ما لو تلقّى البادرة من غيره بصورة عاديّة فأنه إن يغضب فبصورة بسيطة جدا وسرعان ما تتقشع هذه الصورة فيعود الى ما كان عليه من الهدوء هذا فضلا عن توليده الراحة في رحمه وأقربائه وذويه وفي طرفه وذوي طرفه ولا شكّ ان ذلك عاجلا وآجلا يكون مدعاة الى حمد الناس له وحتى من كان عدوّا ويكبر مقامه في انظارهم.
الثاني: إن الفرق بين الضيّق الصدر وواسع الحوصلة إن ضيّق الصدر تقطعه البوادر المعترضة له عن مواصلة اعماله بالانشغال في هذه البوادر امّا الحليم فبانصرافه عن البوادر يمضي توّا الى مواصلة اعماله الايجابيّة وفي ذلك من الآثار المهمّة الشيء الذي لا يحصى.
والثانية: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أعظم الدروس المثمرة في عرصة الكون والكائنات فإن الإنسان إذا التزم على نفسه مناصرة الحقّ ولو بالأعراض القلبي عن فاعل السيئة اثّر ذلك اثره المحسوس في المجتمع فكيف إذا استطاع الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بلسانه وبيانه وبيده وسنانه أمّا إذا انزوى الإنسان عن القيام بهذا الواجب لما يجري في خياله أنه من خلاف المصلحة وقع كل واحد من بني ذلك المحيط في مشكلة شعواء تهلكه وتأتي عليه ويكفي في الفرق بين الحالين المناطق المقيّدة بدينها والمنفلتة منه فإن راحة المتدين المنصور بدين أخيه اكثر بكثير من راحة غيره.
والثالثة: الأعراض عن الجاهل ولو كان متعنّتا فإنه إذا أحسّ بعدم اكتراث الناس به وعدم اعتنائهم منه التفت الى نفسه وتنبه من غفلته امّا إذا وجد لتكبره مشتريا ولجهله سوقا ازداد في غيّه وتعاصى في تمّرده.
والرابعة: كل نزعة تهيب بالنفس وهي مادّية فإنها المعبّر عنها بالشيطان المارد وهذه لا يدكها الاّ الهيمنة عليها بالنشاط والتصميم الجدّي فمن وظيفة الحرّ أن يبارز شهواته بما يقابلها حتّى ينتصر على مرامه ويفتح معركته التي يرد فيها.
[1] سورة الأعراف، الآية: 199.
[2] مجمع البيان، ج 4، ص 787.
[3] الخصال، ج 7، ص 82.
تعليق