تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾[1].
لما اصبح ابو سفيان قريبا من المدينة وهو يقود عير قريش من الشام وفيها من المال الشيء الكثير، وهي رؤوس اموال عديدة لأناس كثيرين جدّا حتى قلّ من قريش مكة من لا يكون له فيها سهم، فأمر النبي بالخروج إليها ليمسكها دون أهلها ويتقوّى بها في سبيل دعوته كما يضعّف بسببها شوكة أولئك المناوئين له ولدينه وبإذن منه تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾[2]، فإن الدماء والأموال إنما تكون لها حرمتها إذا كانت بنفع المجتمع لا بضرره، ومن هنا أبيح دم المتهجم كقاطع الطريق وأبيح المال الراصد لدكّ الحقّ واعانة الباطل، فخرج صلّى الله عليه وآله في ثلاثمائة وبضعة عشر إنسانا لا يريدون الاّ أبا سفيان والعير التي معه، فبلغ أبا سفيان مسير رسول الله اليه فأرسل قاصدا الى مكة يخبر قريشا بذلك فتجهزوا وخرجوا بلا توقف ونزلوا بإزاء بدر وهي بئر نسبت لحافرها بدر الجهني رجل من جهينة، وهذه المقدمة رصيد لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ﴾، أي واذكروا حين ﴿يَعِدُكُمُ اللهُ﴾، على لسان نبيّه ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾، يعنى يعدكم أن احدى الطائفتين لكم إمّا الظفر بالعير وإمّا الانتصار على قريش والذي تودّونه أنتم هو العير لما فيها من مال كثير بلا اجهاد يصيبكم بسببه لعلكم انّكم أقوى من حماتها السائرين معها، وهو معنى غير ذات الشوكة وهي صورة فنيّة متمثّلة في قوله عز وجل: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾، حيث ترمز (الشوكة) إلى (الشدة) التي لا تميل إليها تركيبة الآدميين غالبا، نظرا لإيثارهم الراحة، وحيث أشار النص إلى أنهم يودّون أن يغنموا بأموال القافلة دون خوض المعركة المسلحة، وهذه الإشارة ذات صلة من الزاوية الفنية ببناء السورة الكريمة حيث كان المقطع السابق من السورة يتحدث عن فريق من المؤمنين يجادلون الرسول صلى الله عليه وآله في قراراته ومواقفه العسكرية وغيرها فيما كانوا كارهين لكل ما يقترن بانتخاب الموقف من شدّة نفسية أو بدنية أو مالية، فجاءت الصورة الفنية ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾، تأكيدا للحقيقة المتقدمة.
وعليه فإن ذات الشوكة هي الحرب لما فيها من سلاح حادّ تشاك به الأرواح لكن الله يريد الأخرى وهو قطع دابر الكافرين الراصدين لتعقيم دينه في عباده وانتشاره في بلاده، وهو معنى احقاق الحقّ وكلماته هي آياته ونظمه ودساتيره اللاّمة لشؤون الخلق: يفعل الله ذلك ل ﴿يُحِقَّ الْحَقَّ﴾، أي يثبته في عرصة العيان ولا يدعه مفهوما غير محقّق ويبطل الباطل أي يزيله مفهوما بإقامة الحجة ومصداقا بأعمال النفوذ والقوّة ولو كره المجرمون ذلك لأن المجرم بطبيعة الحال لا يحبّ الحق ويصادق الباطل فكيف يرضى بإحقاق الحق وابطال الباطل.
إذن هو حديث عن معركة بدر مذكّرا الله تعالى المؤمنين بأن فريقا منهم كانوا يودّون أن يغنموا قافلة أبي سفيان بينا كان الله يريد النصر على المشركين من خلال المعركة.
وبعد الصورة الفنية المتقدمة بتذكير الإسلاميين لمساعدة السماء للمقاتلين في معركة بدر، حيث أمدّ الله المقاتلين بجنود من الملائكة لكي يطمئنوا بالنصر لقوله تعالى: ﴿بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[3]، كما ذكّرهم بغلبة النعاس أمانا لهم من الخوف الذي يحتجز المقاتل من النوم عادة، وذكّرهم بإنزال المطر عليهم بغية التطهير والارواء، وذكّرهم بعملية التثبيت لقلوب الإسلاميين من خلال الملائكة الذين أمرهم الله بذلك، وبضرب المشركين، رؤوسهم وأطرافهم وأيديهم، فضلا عن إلقاء الرعب في نفوسهم.
وعملية التذكير بهذه المعطيات لها إسهامها الموضوعي والفني في هذا المقطع من السورة من حيث بناؤها الهندسي وصلة أجزائها البعض بالآخر.
[1] سورة الأنفال، الآية: 7.
[2] سورة الحج، الآية: 39.
[3] سورة آل عمران، الآية: 125.
تعليق