﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ (النور:31).
تتباين الآراء حول الاختلاط، بين مؤيدةٍ ومعارضة ومتحفظة، لكنها تشترط مجتمعةً وجود حدودٍ لا ينبغي للفرد تجاوزها،
ولكن هل هي حدود مطابقة للشرع أم يرسمها الفرد وفقاً لما يستنسبه ولما تمليه عليه أهواؤه وغرائزه؟
فكم من المعاصي تُرتكب باسم الاختلاط وعبر الإنترنت ووسائل الاتصالات والرسائل كلاماً وصوتاً وصورة؟
ولذا يبقى المتّهم الأول والأخير في ارتكاب الجرائم الأخلاقية هو الاختلاط المباح.
رأي الشرع
في هذا السياق كان لنا لقاء مع سماحة السيد علي فحص، الذي حدد لنا مفهوم الاختلاط وآدابه وآثاره في الإسلام.
🔻 كيف تعرِّف لنا الاختلاط بمفهومه الإسلامي الدقيق؟
✍️من حيث المفهوم، الاختلاط هو المساحة المشتركة بين الرجل والمرأة، أي أن تتداخل الساحات أو المسافات بينهما.
وهو حضور المرأة في مكان حضور الرجل وبالعكس. والإسلام حاول قدر المستطاع الفصل بين هاتين الشريحتين، لما لذلك من مخاطر متعددة.
ولم يكن في الأصل أن تحضر النساء في ساحات الرجال أو العكس، لكن ضرورات الحياة اقتضت ذلك.
وإذا جوّزنا هذا لأسباب محددة ومشروعة، فلا يعني أن يكون ذلك مفتوحاً إنما هناك مجموعة شروط يجب على المرأة أن تراعيها وكذلك الرجل.
نشهد اليوم مظاهر سلبية للاختلاط في مجتمعنا، هل هو حرام شرعاً؟ وما هو السبب وراء ذلك؟
المبدأ الذي تؤسس عليه الشريعة هو عدم الاختلاط. وحليته وحرمته متعلقان بنبالة الهدف منه وبأهمية هذا الاختلاط.
ومن ينظر إلى مجتمعاتنا حالياً يعتقد أن الأصل هو الاختلاط لكثرة ما انتفت الضوابط والشروط، ولأنه أصبح أمراً عادياً ويومياً وروتينياً بتنا لا نميز هل هو أصل أو حالة شاذة.
أما السبب الحقيقي وراء ذلك فهو غياب الهوية الإيمانية المستقلة للمسلم؛
فإذا كان جاهلاً بحضارته وثقافته وكانت مبتنياته العقائدية والفكرية والفقهية ضعيفة عندها يبدأ بتقليد غيره بأفكار وتصرفات مستوردة من حضارات أخرى، ويحصل الاختلاط والتأثر السلبي.
إضافة إلى أن عملية التغريب الحاصلة في مجتمعاتنا والتراخي في الضوابط وسّعت دائرة الاختلاط وأصبحت تعتبره ضرورة علماً أنه قد لا يكون كذلك أبداً.
الاختلاط محكوم بشروط وضوابط شرعية، ما هي آدابه بالنسبة للمرأة والرجل؟ واجباتهما وحقوقهما في المقابل؟
لا نستطيع القول إن حضور المرأة في الجامعة أو العمل أو السوق هو حلال أو حرام بالمطلق،
فهذا يتعلق بتطبيق الشروط الشرعية، وإذا أمكن أن يؤدي المهمة الزوج أو الأخ أو الابن فلا داعي لأن تقوم هي بها، ولو افترضنا أن تقوم بها، فهناك.
وشروط الاختلاط بالنسبة للمرأة:
1. لا تستطيع المرأة أن تفعل ما يحلو لها وتقول إن مسؤولية تطبيق الحكم الشرعي تقع على عاتق الرجل وحده بل هو مسؤولية الطرفين.
2. أن تراعي الاحتشام في الحجاب والمظهر والملبس من حيث اللون والتجسيم، وأن تلتفت إلى أن الحجاب هو كامل اللباس الساتر لها من رأسها إلى أخمصي قدميها، وليس ما تغطي به رأسها فقط.
3. إنَّ تطيُّبَ المرأةِ وتزيُّنها وتبرُّجها بين الرجال أمر منهيّ عنه شرعاً ويوقعها في ارتكاب مخالفة شرعية، سواء حصلت ردة فعل عند الطرف الآخر أم لم تحصل.
4. أن تحافظ على خط الحياء والعفة، وأن تقتصر على المهم والضروري، فقد يحتاج الحديث مع الطرف الآخر إلى دقيقتين وبانضباطية معينة، وقد نطيله ونسترسل وننتقل إلى عالم الخصوصيات والمزاح فتتهاوى الحدود والضوابط.
5. أحياناً تقول المرأة هذا "مثل أخي"، لكن لا يوجد شيء اسمه "مثل أخي" بالمعنى الشرعي الدقيق.
وهذا لا يرتب أحكاماً شرعية، بل يبقى من هو حلال على المرأة حلالاً، ومن هو حرام عليها حراماً، فالعرفيات لا تحلّل أو تحرّم، بل هذا مختص بالأمر الشرعي فقط.
6. قد يكون أصل خروج المرأة مشروعاً بحدوده (كزيارة الأهل)، لكن حركة الاختلاط التي تحصل (مدتها، نوع وكيفية الحديث والدخول والخروج) قد توقعها في الحرام،
فمجرد أن يكون الأصل مباحاً لا يعني أنه مباح بكل تفاصيله، كما لا يصحّ أن تحضر في أمكنة توجب شبهة لها.
7. أن تتثقف الثقافة الفقهية والشرعية التي تحدّد ضوابط الاختلاط، فلا تستطيع أن تذهب إلى الحياة العامة وهي لا تعرفها، فتخالفها من حيث تجهل ولو اطلعت لما خالفت.
8. أما ما هو من حق المرأة على المجتمع فأن ينظر إليها كإنسانة، فبعض الناس لا يقرأ فيها إلا أنوثتها وينسى علمها وثقافتها وإبداعها، وهذا من الجرائم الكبرى التي ترتكب بحقها.
ومن واجبها أن تبرز إنسانيتها على أنوثتها، وإذا نظر إليها الرجل من هذه الزاوية فهذا يخفف كثيراً من إشكاليات الاختلاط.
شروط الإختلاط بالنسبة للرجل:
1. إن مسؤولية الرجل لا تقلّ أهمية عن مسؤولية المرأة، فلا يستطيع القول هكذا هنّ الفتيات وإنها ليست مسؤوليتي.
2. يجب أن يكون الرجل محتشماً في حديثه وإيحاءاته ونظراته وتصرفاته ولباسه، ففيه مباحات ومكروهات ومحرمات، وكذلك في مظهره وشعره،
فالمؤمن لا يجب أن يلجأ إلى التقليد الأعمى لممثلين ومطربين أو جماعات معينة.
3. أن يتعاطى الرجل مع المرأة بالطريقة التي يحتمل أن يتعاطى فيها الآخرون مع ابنته أو أخته أو زوجته أو من ينتمي إليه، وما يقبله على نفسه يقبله على غيره، وما لا يقبله لا يتعاطى به مع غيره.
كما إن ضبط الاختلاط وحضور المرأة بين الرجال أو العكس هو مسؤولية الطرفين معاً.
ما هو حكم التواصل بين الجنسين عبر الإنترنت أو غيره من وسائل الاتصال المتطورة؟ وما هي ضوابطه؟
التطور التكنولوجي ضرورة مهمة للتواصل، وليس حراماً أو حلالاً بالمطلق.
وهو بحاجة إلى نفس ضوابط الاختلاط المباشر من حيث أدبيات وأسلوب ونمط ورزانة ونوع الحديث.
ولا يباح للطرفين أن يقول أحدهما للآخر أي كلام له إيحاءاته، لأنه لا يراها ولا تراه.
فالحضارة الموجودة الآن هي سيف ذو حدين، يستطيع الإنسان الاستفادة منها بأعلى الايجابيات، ولكن تكون "مدمرة" إذا دخل إليها التصرف الشيطاني.
يذهب بعض الناس للقول: إن الاختلاط انفتاح وعدمه انغلاق. ما هي صحة ذلك برأيكم؟
عدم الاختلاط لا يعني الانغلاق أو الانكفاء، فهو تعبير خاطئ بحد ذاته، فالأمر له علاقة بتحديد الأهداف الكبرى للمرأة، فلننظر إلى التاريخ والتراث الكبير الذي تركته السيدة الزهراء والسيدة زينب عليهما السلام وكانتا في قمة الصون والحجاب والعفاف والطهارة وعدم الاختلاط.
وإذا حصنت المرأة نفسها، واعتبرت أن بمقدورها أن تؤدي رسالتها بغض النظر عن الطرف الآخر، حينها لن تعتبر عدم الاختلاط انغلاقاً لأن رسالتها سيستفيد منها كل المجتمع.
فالانفتاح والتحرّر شعاران برّاقان أطلقا من أجل جذب المرأة المسلمة من بيئتها إلى بيئة أخرى وجعلها تنفر منها وتعتبرها منغلقة وغير حضارية.
فالإسلام يقول إنها شريكة في المجتمع وإنها تستطيع أن تعبر عن ذاتها وتصنع نفسها وبيئتها ومجتمعها بغض النظر عن الاختلاط.
الخاتمة
كون الاختلاط ضرورة في بعض جوانبه فهذا لا يعني الاستسلام له وقبول سلبياته. فالاختلاط المحتكم إلى الغرائز والميول والشهوات مرض يهدم القيم والأخلاق والشخصية والخصوصية، ومن يقرّ بعدمِ إشكالية الاختلاط المباح فهو إما يجهل شرعه ودينه أو لا يفقه عواقبه أو لا يهمه الحلال من الحرام والجنة من النار.
-------------
منقول
تعليق