بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾[1].
الملاحظ في هذه الآية وجود ذمّ متناه للكفار لأنهم شرّ: أي أسوأ من دبّ على وجه الأرض من المخلوقات إنسانا وحيوانا.
ذلك أنهم لا ينتفعون بما يسمعون من الحجج والبراهين، ولا يتّبعون الحق ولا يقرّون به، فكأنهم صمّ بكم لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يتفكرون فيما يسمعون فصاروا كالدوابّ،
وعليه فإن الشرّ المعني هنا ليس إلاّ في حقل التكليف الإنساني ومن أشبه، فالتعبير هنا ب: ﴿الدَّوَابِّ﴾، دون «الناس» أو «اَلْجِنَّةِ وَاَلنّٰاسِ» تنديد بهؤلاء الذين هم في الحق دوابّ بل هم أضل: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[2].
ف ﴿الدَّوَابِّ﴾، هنا طليعة تشمل خيرها وشرها، من حيوانها وإنسانها وغيرهما، والشر الطليق بينها ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾، شرا بين خير من الدواب أو شر بقصور أم تقصير.
فطالما البهائم لها آذان ولكنها ليست لتسمع سمع الإنسان، وهي مهتدية بفطرتها كما فطر الله ولكن هؤلاء الدواب الناس لهم آذان وألسنة وهم بسوء صنيعهم لا يسمعون إنسانيا ولا ينطقون، فقد قطعوا عن أنفسهم النفسية الإنسانية النفيسة إلى نفسية نحيسة بئيسة تعيسة جعلتهم ﴿شَرَّ الدَّوَابِّ﴾، بصورة طليقة! حيث سدوا منافذ الإدراك ظاهرا على آذانهم، واذاعتها على ألسنتهم، وباطنا على قلوبهم، وأهم الواردات المعرفية هي الواردة من الأسماع: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[3].
وشر الدواب هؤلاء الأنكاد لهم كما قال امام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام: ((فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَاَلْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لاَ يَعْرِفُ بَابَ اَلْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَلاَ بَابَ اَلْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ))، وقال: ((أولئك لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ اَلْحِكْمَةِ وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ اَلْعُلُومِ اَلثَّاقِبَةِ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَنْعَامِ اَلسَّائِمَةِ وَاَلصُّخُورِ اَلْقَاسِيَةِ))، وقال: ((مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ اَلْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَاَلاِدِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ اَلدِّينِ فِي شَيْءٍ أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا اَلْأَنْعَامُ اَلسَّائِمَةُ))[4].
إن الله تعالى لم يخلق دابة شريرة في أصلها، فلم يخلق الشيطان شيطانا وإنما جنا كسائر الجان، ثم هو الذي شيطن نفسه بسوء صنيعه، كما لم يخلق الكافر كافرا، وكذلك سائر الدواب الشريرة، اللّهم إلاّ شرا قاصرا هو قضية كون الكائن مخلوقا إذ لا يمكن أن يخلق ما هو خير مطلق كما الله عز وجل.
فالدواب الشريرة في حقل ﴿شَرَّ الدَّوَابِّ الصُّمُّ الْبُكْمُ﴾، هي المقصرة في شرها فأين تقصير سائر الدواب وتقصير الصم البكم، فقضية خلق الإنسان في أحسن تقويم والشرعة التي تقومه أكثر صاعدا في المعارج، إلا أن يعمل شرا أم يعمل أقل من سائر الدواب، فأما إذا عاكس الإنسان أمره ارتدادا إلى أسفل سافلين فهو ﴿شَرَّ الدَّوَابِّ﴾، بصورة طليقة وكما يقول الله عنه ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[5]، مهما كان حمل الأمانة خيانة من سائر الكائنات كثيرة، فهو بجنب حمل الإنسان ضئيل قليل.
والتعبير عن الصم البكم بالدواب تعبير لهم بارتجاعهم إلى كيان الدواب الشريرة وأضل سبيلا، فلا يحق لهم اسم الإنسان أو الناس بل هم الدواب الأضل من الأنعام.
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: ((إِنَّ مِنْ عِلْمِ مَا أُوتِينَا تَفْسِيرَ اَلْقُرْآنِ وَأَحْكَامَهُ وَعِلْمَ تَغْيِيرِ اَلزَّمَانِ وَحَدَثَانِهِ إِذَا أَرَادَ اَللهُ بِقَوْمٍ خَيْراً أَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَوَلَّى مُعْرِضاً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ ثُمَّ أَمْسَكَ هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَجَدْنَا أَوْعِيَةً أَوْ مُسْتَرَاحاً لَقُلْنَا ﴿وَاَللّٰهُ اَلْمُسْتَعانُ﴾[6]))[7].
[1] سورة الأنفال، الآية: 22.
[2] سورة الأعراف، الآية: 179.
[3] سورة الملك، الآية: 10.
[4] نهج البلاغة، ص 118+ 115+ 495.
[5] سورة الأحزاب، الآية: 72.
[6] سورة يوسف، الآية: 18.
[7] الكافي، ج 1، ص 229.
تعليق