بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾[1].
أمر إلهي عظيم لعباده بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله فقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾، أي اجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به، والاستجابة هاهنا بمعنى الإجابة؛ قال الشاعر: «فلم يستجبه عند ذاك مجيب».
كرّر في هذه الآية الأمر بإجابة الرسول وإطاعته فيما يأمركم به إذا دعاكم إلى أمر يوجب حياتكم «ولما»، هاهنا بمعنى «إلى» وما يوجب الحياة هو الإيمان.
وقيل: المراد الجهاد والشهادة لأنّكم إمّا تقتلون أو تقتلون؛ فإن قتلتم فإنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون وإن قتلتم فيقوى ويعظم أمر الدين والقرآن وهو حياة القلوب، والقرآن سبب العلم والعلم حياة فجاز أن يسمّى سبب الحياة بالحياة.
ويوصل القرآن إلى الحياة الباقية الطيّبة، قال الله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[2]، فأجابه الله والرسول طاعتهما فيما يدعوان اليه وهو قوله تعالى: ﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
وهذه المفردات التي تظل عصبا فنيّا لهيكل السورة من خلال طرح ظاهرة الجهاد في سبيل الله تواجهنا في كلّ مقطع بطرح جديد، والجديد في المقطع الذي نتحدث عنه هو - فضلا عن المطالبة بطاعة الله ورسوله وهي مطالبة تتكرر أيضا في غالبية مقاطع السورة تجانسا مع المفردات الثلاث التي أشرنا إليها، إلا أنها تأخذ صياغة خاصة في كل مقطع - طرح جملة من ظواهر السلوك العبادي، منها قوله تعالى. ﴿أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾، ومنها (قضية الفتنة أو الامتحان الذي يصيب المؤمنين دون الكافر).
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾، أي ليكن في علمكم أن خالقكم يحول بين المرء، وبين الانتفاع بقلبه بالموت، فلا يمكنه استدراك ما فات، فبادروا الى الطاعات قبل الحيلولة.
فيحجز القلب من أن يرى الباطل حقا والحق باطلا، وعملية الحجز المذكورة تشكل في ميدان السلوك العبادي واحدة من أهم عمليات الاختبار أو الامتحان للسلوك، فما دام الشخص يفرز بوضوح حدود كل من الخير والشر أو الحق والباطل، حينئذ تتمّ الحجّة عليه ويتحمّل مسؤولية سلوكه في نهاية المطاف، لذا ورد فِي خَبَرِ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ قَالَ: ((لاَ يَسْتَيْقِنُ اَلْقَلْبُ أَنَّ اَلْحَقَّ بَاطِلٌ أَبَداً، وَلاَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّ اَلْبَاطِلَ حَقٌّ أَبَداً))[3].
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((هَذَا اَلشَّيْءُ يَشْتَهِيهِ اَلرَّجُلُ بِقَلْبِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لاَ يَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ إِلاَّ ذَلِكَ اَلشَّيْءَ))[4].
وقيل معناه أنه سبحانه أقرب اليه من قلبه، وهو نظير قوله ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[5]، فإن الحائل بين الشيء وغيره أقرب الى ذلك الشيء من ذلك الغير.
وقيل معناه أنه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال الى حال كما جاء في الدعاء (يا مقلب القلوب والابصار) فكأنهم خافوا من القتال، فاعلمهم سبحانه انه يبدل خوفهم أمنا، بإن يحول بينهم وبين ما يتفكرون فيه من اسباب الخوف.
وفسّر الأشاعرة هذه الآية بظاهرها وهو غلط محض؛ قالوا: إنّ الله يحول بين المرء الكافر وطاعته وبين المرء المؤمن ومعصيته؛ فالسعيد من أسعده الله والشقيّ من أضلّه الله، تعالى عن ذلك، قالوا: فإذا أراد الكافر أن يؤمن والله لا يريد إيمانه حال بينه وبين قلبه، وإذا أراد المؤمن أن يكفر والله لا يريد كفره حال بينه وبين كفره، وهذا المعنى والتفسير باطل بالبداهة وذلك لإنّ من حال الله بينه وبين الإيمان فهو عاجز عن الإتيان والقبول بالإيمان، وأمر العاجز لغو وسفه انتهى.
(وأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) معناه واعلموا انكم تحشرون أي تجمعون للجزاء على اعمالكم يوم القيامة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
[1] سورة الأنفال، الآية: 24.
[2] سورة العنكبوت، الآية: 64.
[3] التوحيد للشيخ الصدوق، ص 358.
[4] بحار الأنوار، ج 27، ص 58.
[5] سورة ق، الآية: 16.
تعليق