بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[1].
ليعلم الناس جميعا الذين يعيشون في هذه الحياة الدنيا فيأكلون ويشربون ويعملون وينامون ويتنعمون ويتزاوجون ويرزقون مما قدر لهم الله عز وجل بإن جميع هذه الارتباطات الدنيوية من مال وأولاد محكّ ومختبر، فاعرفوا موقفكم في هذه الاختبارات واعلموا أنّ الله عنده للمطيع اجر عظيم يتمتع به وتدوم متعته له بدوام الله، وامّا مال الدنيا فهو على تقدير بقائه بيد مالكه ليس له منه الاّ بمقدار ما يشبع جوفه ويستر عورته لا أكثر والزائد عليه إمّا يكون مدّخرا للوارث، وأمّا مأكولا لغيره في حال حياته بلا أن يتعب في جمعه أو يكدح في حفظه.
﴿أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، في خيرهما وشرهما، بكثرتهما وقلتهما وعلى أية حال لهما «فتنة لكم وامتحان»، فقد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف، ومخضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضا والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في موضع الغنى والاقتدار فقد قال سبحانه و تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ﴾[2]، لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((فَإِنَّ اَللهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ))[3].
ذلك ومن فتنة الخير الاولاد الصالحون، وقد ورد عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: ((سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَخْطُبُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ فَجَاءَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنَ اَلْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اَللهُ حَيْثُ قَالَ: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، إِلَى آخِرِ كَلاَمِهِ))[4].
و ﴿أَنَّمَا﴾، قد تحصرهما في امتحان، وهما من الأمانات الربانية من أداها كما أمر وقرر فقد نجح، ومن خانها فقد سقط، ﴿وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، على الحسنات التي تقدمونها بأموالكم وأولادكم وسواهما، فلتكن الأموال والأولاد ذريعة لكم إلى يوم المعاد، وذلك قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾[5]، وقوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى﴾[6]، إلا ما تقدمونه في الله لأنفسكم، ف ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ﴾[7]، ﴿وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾[8].
أجل فهو كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((وَإِنَّ اَلْمَالَ وَاَلْبَنِينَ حَرْثُ اَلدُّنْيَا وَاَلْعَمَلَ اَلصَّالِحَ حَرْثُ اَلْآخِرَةِ وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اَللهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ فَاحْذَرُوا مِنَ اَللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ)) وجمعهما أن تعمل صالحا فيهما.
وقال عليه السلام: ((لاَيَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَلَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَاَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَاَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَاَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَيَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَيَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ))[9].
فقد يفتن الإنسان في ماله: أنى لك هذا؟ وأين صرفته؟ وإلى أين وجهتك أموالك؟ ولم إدخرتها؟ وكيف أنفقتها؟ وفيم صرفتها؟ والسبب لهذه الأسئلة كونها من فتن حول الأموال.
وكذلك الأولاد، كيف رضاك عن ذكور دون إناث؟ أم إناث دون ذكور؟ أم جمعا بينهما وكيف ربيتهم؟ أم إلى ماذا وجهتهم؟ فالأموال والأولاد أمانات ربانية يجب رعايتهما في سبيل الله دون التهاء بهما عما يرضاه الله، فإلى تقوى الله في كل ما منحكم الله إياه أموالا وبنين وما أشبه.
[1] سورة الأنفال، الآية: 28.
[2] سورة المؤمنون، الآيتان: 55 - 56.
[3] نهج البلاغة، ص 285.
[4] المناقب، ج 3، ص 385.
[5] سورة آل عمران، الآية: 186.
[6] سورة سبأ، الآية: 37.
[7] سورة البقرة، الآية: 223.
[8] سورة الصف، الآية: 11.
[9] نهج البلاغة، ص 64 - 483.
تعليق