بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُلِلّٰهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[1].
إن القتال الإسلامي لا ينحو منحى افتتّاح البلاد توسعيا قضية القدرة الغالبة، والزهوة المتآلبة، بل هو فقط دفاع سلبا لأيّة «فتنة» فإيجابا ل ﴿اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ﴾، فلا يهدف إلا تحقيق كلمة «لا إِلهَ إِلاَّ اَللّٰهُ».
ولأن «الفتنة» هي ﴿أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ﴾، و ﴿أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ﴾[2]، فهي بأحرى منه سماحا وفرضا للقتال دفاعا عن الفتنة إذا كانت فتنة عن الدين بمختلف حلقاته وحقوله.
ولا تعني ﴿قَاتِلُوهُمْ﴾، مقاتلين خصوصا في زمان أو مكان خاص إذ لا يمكن إزالة الفتنة ككل وإيجاب الدين كله لله لجماعة خاصة من المسلمين، اللّهم إلاّ ما سوف يحصل بقوات صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأمر القتال هنا أمر الحال وإن شمل المستقبل، دون اختصاص بالاستقبال.
فهو أمر باستمرارية القتال على مدار الزمن الإسلامي كسياسة إلهية ثم تثبيت دولة الحق تحقيقا ل «إلا الله» إذا فلا تعني قتال الكفار إلا تحقيق كلمة «لا إِلهَ إِلاَّ اَللّٰهُ» بحقها.
فالعلم الأحمر للقتال في سبيل الله لا يتبدل بالأخضر والمصالحة التامة حتى يتحقق ﴿لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ﴾. فأما إذا لم ينتج القتال إلاّ مزيد الفتنة، أم لا فتنة ولا سلب فتنة، أم ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾[3]، أما في هذه الموارد فمواصلة القتال لا تبرّر بأيّ مبرر، وكما في كتاب الإمام علي لمالك الأشتر: ((وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَلِلّٰهِ فِيهِ رِضًى، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ))[4].
ذلك ليرى اعداء الإسلام أنه ليس شرعة تفتح وتغلب، إنما هي شرعة رحمة وتطلب للحق، لينة الأريكة لمن استلان، وشديد المعركة على من يهاجم شرعة الله.
ثم القتال في سبيل الله إسلاميا غير مسموح إلا دفاعا عن النفس أو العقيدة، فالفتنة النفسية، ثم العقيدية التي هي أشد وأكبر من القتل، هاتان الفتنتان هما اللتان يسمح فيهما بالقتال لزاما.
ف ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَفِتْنَةٌ﴾، لا تعني كل فتنة، إنما هي فتنة تعني أن القصد من قتالهم هو إزالة الفتنة آمنوا أم لم يؤمنوا، ولكن الفتنة العقيدية آخذة مجالاتها في البسطاء الذين ما تعرق الإيمان المتقن في قلوبهم، وحتى المؤمنين الماكنين قد تأخذهم فتن عقيدية ماكرة حاكرة.
وأما سائر الفتن التي هي دون النفس والعقيدة، فضلا عن الكفار غير الفاتنين، فلا مبر إسلاميا لقتالهم، حيث الحروب الإسلامية ككل هي كلها مصبوغة بصبغة الدفاع، ومسوقة بصيغة في سبيل الله، ولا تسمح سبيل الله والدفاع عنها بالقتال دون أي دفاع.
ثم ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ﴾، لا تعني في أي زمان أو مكان ألا يطاع إلاّ الله، فإن قسما من اليهود والنصارى حسب آيتي: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[5]، و ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[6]، مستمرون إلى زمن صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه) وإلى يوم القيامة الكبرى، فهل هم بعد دينهم دين الله؟ ثم ولا قتال الكتابيين كما في آيتهم إلاّ المقاتلين منهم، وقد اختصرت دركاتهم المسرودة في آيات البراءة ب ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[7]، فلكي تخمد نار الفتنة عنهم لكيلا يسطعوا على إطفاء نور الله بأفواههم، نور الإيمان ونور المؤمنين، نقاتلهم ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[8]، لم تبق لهم قوة لذلك الإطفاء بذلك الإنطفاء، إذا فقتالهم محدد لحد إطفائهم عن فتنتهم مهما لم يؤمنوا.
[1] سورة الأنفال، الآية: 39.
[2] سورة البقرة، الآية: 217- 191.
[3] سورة الأنفال، الآية: 61.
[4] نهج البلاغة، ج 3، ص 105.
[5] سورة المائدة، الآية: 14.
[6] سورة المائدة، الآية: 64.
[7] سورة التوبة، الآية: 32.
[8] سورة التوبة، الآية: 29.
تعليق