بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ ۚ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[1].
﴿خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا﴾، قال المفسّرون: إنّ قريشا لمّا خرجوا من مكّة لحفظ العير ووردوا الجحفة بعث الحفاف الكنانيّ وكان صديقا لأبي جهل بهدايا إليه مع ابن له؛ فلمّا أتاه قال: إنّ أبي ينعمك صباحا ويقول: إن شئت أن أمدّك بالرّجال أمددتك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معي من قرابتي فعلت؛ فقال أبو جهل: قل لأبيك: جزاك الله والرّحم خيرا إن كنّا نقاتل الله كما يزعم محمّد فوالله لا طاقة لنا به، وإن كنّا نقاتل الناس فوالله إنّ بنا على الناس لقوّة، والله ما نرجع عن قتال محمّد حتّى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور بالمضارب والقيان، فإنّ بدرا موسم من مواسم العرب وسوقا من أسواقهم حتّى تسمع العرب بهذه الواقعة. قال المفسّرون: فوردوا بدرا وشربوا كؤوس المنايا دون الخمور، وناحت عليهم النوائح عوض القيان! والله وصفهم بثلاثة أشياء: البطر وهو الطغيان في النعمة.
والثاني قوله: ﴿وَرِئَاءَ النَّاسِ﴾، والرئاء عبارة عن القصد إلى إظهار الجميل مع أنّ باطنه قبيح، ومعناه قريب من النفاق لأنّ النّفاق إظهار صورة معناها غيرها وباطنها غير ظاهرها. والثالث: ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾.
فلو قيل: عطف الفعل على الاسم غير حسن؟ فجوابه إمّا الاسم بمعنى الفعل أي يبطرون ويراءون، وإمّا الفعل بمعنى الاسم أي صادّين ليكون العطف من جنس الكلمة وكانوا يمنعون الناس عن الإيمان بالله والجهاد في سبيله، والله بعملهم محيط من الرياء وسوء القصد.
هنا المعنيون بهؤلاء هم المنافقون الذين خرجوا مع المؤمنين بظاهرة الجهاد في سبيل الله، ولكنهم خرجوا بثالوث منحوس من ﴿بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾! وهكذا المشركون الذين خرجوا في حرب المؤمنين وذُكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله قال يومئذ: ((اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلاؤها لتجادل رسولك، اللهم إن قريشا جاءت من مكة بأفلاذها))[2].
وهنا ﴿رِئَاءَ النَّاسِ﴾، مما يؤيد أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض هم من المعنيين مع المشركين الرسميين، حيث المشرك يخرج قضية مبدئه فلا رئاء لخروجه، وقد يعني مع المنافقين جماعة من الذين ظلوا بعد الهجرة في مكة رئاء الناس المشركين وكأنهم منهم، أم خرجوا معهم في قتال المؤمنين كأنهم معهم.
ف ﴿بَطَرًا﴾، هو الطغيان في النعمة، فهو هنا بطر الخروج بكل رعونة وتفرّح وتفرّج تبديلا لنعمة الله نعمة ونقمة: ﴿وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾[3]، و ﴿رِئَاءَ النَّاسِ﴾، لكي يراهم الناس وهو شرك خفي مع جلية للمشركين والمنافقين، وخفي كما الجلي للذين في قلوبهم مرض من المؤمنين.
ثم ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾، صدا ظاهرا جاهرا كالمشركين، أم صدا منافقا خفيا كغيرهم من هؤلاء الخارجين ﴿وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. وهنا «بطرا» لهؤلاء الأنكاد الأغباش تقابل ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا﴾، و ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[4]، هناك، ولا يخلو الخروج للقتال من كونه في سبيل الله أم في سبيل اللهو، فثالوث ﴿بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾، هو سبيل اللهو، ومثمّن «فَاثْبُتُوا وَلَا تَكْذِبُوا» هو سبيل الله، وأين سبيل من سبيل؟
يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية: ((والتقدير: ولا تخرجوا من دياركم إلى قتل أعداء الدين بطرين ومرائين بالتجملات الدنيوية، وصد الناس عن سبيل الله بدعوتهم بأقوالكم وأفعالكم إلى ترك تقوى الله والتوغل في معاصيه والانخلاع عن طاعة أوامره ودساتيره فإن ذلك يحبط أعمالكم ويطفئ نور الإيمان ويبطل أثره عن جمعكم فلا طريق إلى نجاح السعي والفوز بالمقاصد الهامة إلا سوي الصراط الذي يمهده الدين القويم وتسهله الملة الفطرية والله لا يهدي القوم الفاسقين إلى مقاصدهم الفاسدة))[5].
[1] سورة الأنفال، الآية: 47.
[2] السيرة النبويّة لابن هشام، ج 1، ص 621.
[3] سورة الدخان، الآية: 27.
[4] سورة الأنفال، الآية: 46.
[5] الميزان في تفسير القرآن، ج 10، ص 96.
تعليق