بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد و آل محمد
كانت الشمس في منتصف السماء، وكأنها كرة نار تقترب من الأرض.
الطريق إلى كربلاء طويل، والهواء جاف، والغبار يلتصق بالوجوه، لكن علي، الفتى ذو الثالثة عشرة، كان يسير بعزم وكأنه على موعد مع حلم كبير.
والده كان يمشي بجانبه، يحمل قنينة ماء صغيرة، ويقول وهو يبتسم رغم التعب:
"يا بني، أتدري ما قال الإمام الصادق عليه السلام؟ من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيًا، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة."
رفع علي رأسه إلى الشمس وقال:
– لكن يا أبي، هذه الشمس تحرق وجهي…
ابتسم والده وربت على كتفه:
"الإمام الباقر عليه السلام قال: من زار الحسين عليه السلام عارفًا بحقه، كتب الله له ثواب ألف حجة وألف عمرة، وألف غزوة مع نبي مرسل. يا بني، نحن لسنا في سفر عادي… نحن في طريق يكتب فيه الله الملائكة خطواتنا."
تابع علي المسير، وكل خطوة كان يحس بها حرارة الرمال تحت قدميه تصعد حتى قلبه…
وفجأة، تخيل نفسه يعود ألف عام إلى الوراء…
رأى قافلة نساء وأطفال تسير تحت الشمس نفسها، حفاة، عطاشى، يقودهم جنود غلاظ.
وفي وسط القافلة، امرأة شامخة رغم الانكسار… إنها السيدة زينب عليها السلام.
اقترب علي بخياله منها، وقال بصوت متهدج:
– سيدتي، أما يرهقك هذا الحر؟
رفعت رأسها، وعيناها تلمعان بالدموع، وقالت:
"يا بني، حرارة الشمس تهون… نحن رأينا حرارة السيوف، وسمعنا صرخات الأطفال عطشًا في كربلاء. نحن نصبر، لأن الصبر عهدٌ بيننا وبين الحسين."
عاد علي إلى واقعه، ودموعه تختلط بعرقه…
أمسك بيد أبيه وقال:
– أبي… أريد أن أمشي كل الطريق، حتى آخر خطوة، حتى لو احترقت قدماي.
ابتسم والده وقال:
"الإمام الصادق عليه السلام قال أيضًا: من خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السلام، إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، وحط عنه سيئة، ورفع له درجة. فأكمل الطريق، فالملائكة تكتب الآن خطواتك."
وقبل أن يلوح قباب كربلاء في الأفق، شعر علي أن الشمس التي كانت قبل ساعات تحرقه، أصبحت الآن وكأنها شاهد على وفائه.
وعندما دخل الحرم، وضع رأسه على الشباك، وهمس:
"هذه خطواتي يا حسين… وهذه دموعي يا زينب… فاقبلاهما مني."
تعليق