بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾[1].
بعد تلك الجرعة المثالية من قبله تعالى لتقوية قلب نبيّه صلّى الله عليه وآله أمره بتحريض المؤمنين على القتال بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وحثّهم ﴿عَلَى الْقِتَالِ﴾، مع أعداء الله، وبالغ في ترغيبهم إليه بوعد الثّواب العظيم على فعله، والعقاب الشّديد على القعود عنه، وقل لهم: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ﴾، أيّها المؤمنون ﴿عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾، على المنازلة في معركة القتال ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، من الذين كفروا ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ﴾، صابرة ﴿يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وهذا الضّعف في الكفّار معلّل ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾، ولا يدركون الحقّ، ولا يعرفون الله، ولا يعتقدون باليوم الآخر حتّى يقاتلوا تقرّبا إلى الله، وتوكّلا عليه، ورجاء للثّواب، بل يقاتلون بهوى النّفس، وبالأغراض الدّنيويّة، ولذا يستحقّون الخزي والقتل، ولا يستحقّون النّصر.
ومما قاله عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي كِتابِهِ تَفْسِيرِ القُمّي: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ اَلْآيَةَ قَالَ: [كَانَ اَلْحُكْمُ فِي أَوَّلِ اَلنُّبُوَّةِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّ اَلرَّجُلَ اَلْوَاحِدَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ اَلْكُفَّارِ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهُ فَهُوَ اَلْفَارُّ مِنَ اَلزَّحْفِ وَاَلْمِائَةَ يُقَاتِلُونَ أَلْفاً ثُمَّ عَلِمَ اَللهُ أَنَّ فِيهِمْ ضَعْفاً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اَلْآنَ خَفَّفَ اَللّٰهُ عَنْكُمْ اَلْآيَةَ فَفَرَضَ اَللهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَرَجُلَيْنِ مِنَ اَلْكُفَّارِ فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمَا فَهُوَ اَلْفَارُّ مِنَ اَلزَّحْفِ وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً مِنَ اَلْكُفَّارِ وَوَاحِدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فَفَرَّ اَلْمُسْلِمُ مِنْهُمْ فَلَيْسَ هُوَ اَلْفَارَّ مِنَ اَلزَّحْفِ][2].
أما إذا جاءت المطالبة بالقتال وسلطنا عليها الضوء من الزاوية الفنية نتيجة للتمهيد السابق الذي قرّر بأن النبيّ صلى الله عليه وآله: حسبه الله ومن اتبعه من المؤمنين لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، بيد أن الملاحظ أن النص تقدم بعرض ظاهرة (الكم) مقرّرا بأنه إذا كان الإسلاميون عشرين مقاتلا فسوف يغلبون مائتين من جند العدو، إذا كانوا مائة فسوف يغلبون ألفا منهم.
ومن الطبيعي أن عرض الظاهرة العددية بهذا النحو يظل من الوضوح بمكان كبير من حيث البناء الهندسي للنص، فقد سبق أن ذكرت الآيات بأنه يكفي لتحقيق النصر من اتبع النبيّ صلى الله عليه وآله من المؤمنين، وجاء التمثيل بالعشرين مقابل المائتين، والمائة مقابل الألف، تجسيدا إيضاحيا للفكرة السابقة، وهي نسبة تحدد الواحد قبالة العشرة، بيد أن السؤال هو: لماذا تكرّر في الآية الشريفة: التمثيل بالعشرين والمائة قبالة المائتين والألف، مع أن الاقتصار على واحد من التمثيليين كاف في تقرير الحقيقة؟ كان من الممكن أن يكتفي تعالى بقوله: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، دون أن يتبع ذلك بقوله أيضا، ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا﴾، ترى ما هو السرّ الفنيّ وراء هذا التكرار بمثالين؟
قد يقول قائل: بأن عملية التكرار تنطوي على فائدة نفسية لتعميق الحقائق وبلورة عنصر (الاقناع) عند المتلقّي أو المقاتل، وهذا صائب دون أدنى شك، إلا أنّ استكناه سرّ آخر وراء ذلك لا بد أن يكون مشروعا لدى المتذوق الفني إذا أدرك بوضوح بأن النص القرآني الكريم لا ينطوي على عنصر (التكرار) إلا إذا واكب ذلك سرّ فنّي آخر مضافا إلى ما ذكر، ترى، ما هو هذا السرّ؟
يمكن القول بأن التمثيل الأول وهو: ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا﴾، مجرّد تجسيد لأقلّ عدد من المقاتلين، وإلى أن التمثيل الآخر جاء إفصاحا عن حقيقة أخرى هي أنه لو كثر العدد أيضا، فإن النتيجة واحدة هي أن المقاتل الإسلامي الواحد يظل مقابلا لعشرة مقاتلين من الأعداء.
[1] سورة الأنفال، الآية: 65.
[2] بحار الأنوار ج 97، ص 30.