بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ ۗ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
«سقاية وعمارة» مصدران تقابلان ب ﴿مَنَ بِاللهِ﴾؟ ولا تقابل بين مصدر وفاعل!، علّ القصد منهما بصورة المصدر هو سيرة الفاعل لهما، أنهما أصبحا سقاية وعمارة حيث أصبح كيانهما ككل إياهما دون اعتبار لسواهما من منازل الكمال مكانة، ولكن من ﴿آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾، وإن لم يصبح كيانه ككل إياها فهو أفضل من الأولين، فالإيمان القليل أفضل من كثير السقاية والعمارة وعمارة المسجد الحرام ممن لا يؤمن، كما وأن الإيمان الأكثر دون سقاية وعمارة هو أفضل من الأقل بكل سقاية وعمارة للمسجد الحرام. فما أحسنه تعبيرا قاصدا لمثل هذه العناية الأدبية الرقيقة المنبّهة لموقف الإيمان أمام سواه.
ونظيرة الآية في مقابلة الفعل بالفاعل ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾[2].
ذلك ف ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ﴾: سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كأصل، ومن آمن بالله كأصل آخر، وإن كانا من المؤمنين، حيث الرجاحة دائما هي لأصل الإيمان قبال الكفر، ولفاضل الإيمان قبال مفضوله دون أية فضيلة أخرى وجاه الإيمان ولواحقه.
ثم ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، اخبار منه تعالى أنه لا يهدي احداً ممن ظلم نفسه وكفر بآيات اللّٰه، وجحد وحدانيته الى الجنة كما انه يهدي اليها من كان عارفاً بذلك فاعلا لطاعته مجتنباً لمعصيته، مهما كانوا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وهو يهدي المؤمنين وإن لم يسقوا الحاج ولم يعمروا المسجد الحرام. وقد يدل قرن ﴿مَنَ بِاللهِ﴾ ب ﴿سِقَايَةَ﴾، على عدم إيمان من نزلت الآية نكاية به، وكما ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، تؤيده، أم يعني معه كامل الإيمان أمام ناقصه تبيينا أن الإيمان بملحقاته هو فقط سند الفضيلة والأفضلية بمراتبه أمام فاقديها.
إذا ف ﴿أَجَعَلْتُمْ﴾، تشمل إلى جعل المشركين جعل بسطاء من المؤمنين، هكذا جعل جاهل قاحل، وكما يتأيد كلّ بمختلف ملامح الآية وما بعدها.
وقد أصفق الفريقان في روايتهم المتواترة أن الآية نزلت بشأن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام مثلا عاليا للإيمان والجهاد، أمام من يفتخر بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فقد ورد عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ : ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ اَلْحاجِّ وَعِمارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَاَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ﴾، نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَاَلْعَبَّاسِ وَشَيْبَةَ إِنَّهُمْ فَخَرُوا بِالسِّقَايَةِ وَاَلْحِجَابَةِ فَأَنْزَلَ اَللهُ جَلَّ وَعَزَّ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ .. وَكَانَ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِمُ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَجَاهَدُوا ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ﴾))[3].
أجل وإنه لا مفاضلة ولا مفاصلة إلاّ في مثلث: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والجهاد في سبيله، دون سائر الأفضليات والمفصلات أو المعادلات المزعومة، وكما تعلمنا كلمة واحدة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[4].
والظاهر في عمارة المساجد هو اقامتها بالبناء ويجوز أن تحمل العمارة على اعمارها بالعبادة كما يجوز حملها على المعنيين بجامع معنى العمارة العام، وعسى كلمة ترجّ وسوقها من المقتدرين على تحقيق مفادها بعد احراز رصيدها يدلّ على ايجاب متعلقها اذ لا يعقل الترجّي من المقتدر مع احراز الرصيد، والداعي الى التعبير به ابراز المتانة ورغبة ألا يطوّح النجاح بالناجح فيغويه.
كان مشركو قريش يفتخرون على الأغيار مؤمنين وغير مؤمنين بأنهم يؤمّنون سقاية الحاج على كثرته ويقومون باستمرار بعمارة المسجد الحرام تثبيتا لكيانه فرّد عليهم الله سبحانه بأن عملكم هذا حتى لو كان دافعه الغيرة النوعية لا الأغراض الشخصية لما كان له في قبال الأيمان بالله والعقيدة بيوم الجزاء والمجاهدة في سبيل الله اقلّ أثر.
[1] سورة التوبة، الآية: 19.
[2] سورة البقرة، الآية: 177.
[3] الكافي، ج 8، ص 203.
[4] سورة الحجرات، الآية: 13.