بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾[1].
لقد أشارت الآية الكريمة إلى معركة حنين مشدّدة على إبراز ثلاث ظواهر من السلوك العسكري احداها: ضخامة الجيش الإسلامي، والثانية ضيق الساحة عليهم، والثالثة فرارهم من العدوّ. إلا أنّه بالرغم من ذلك. أنزل الله سكينته على المسلمين وتمّ النصر.
والسؤال هو: ما هي انعكاسات الظاهرة الأولى، ونعني بها: الإعجاب بكثرة المقاتلين الإسلاميين، ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾.
إن الفارق بين المقاتل الإسلامي وغيره يتمثّل في كون الأول مرتبطا بالتعامل مع الله، فالأسباب المادية من ضخامة العدو أو السلاح مثلا لا قيمة لها قبالة الدعم الحقيقي الذي تقدمه السماء للمقاتل الإسلامي.
لقد غفل ضعاف النفوس عن فاعلية الله تعالى حينما وجدوا أن كثرتهم سوف تغلب العدوّ حيث تحاوروا فيما بينهم من أنّهم سوف لن يغلبوا عن قلّة، لكن، سرعان ما أجابتهم السماء على ذلك حيث انهزموا سريعا وضاقت الأرض عليهم وولّوا مدبرين، وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾[2].
إن التلميح بهذه الظاهرة له أهمية فنية ونفسية كبيرة كما هو واضح، فمن الجانب الفنيّ هناك معادلة هندسية بنحو غير مباشر بين ضعاف النفوس الذين كانت عواطفهم حيال الآباء والأولاد والأموال والمساكن أشدّ منها حيال الله والجهاد في سبيله حيث يبدو النصّ القرآني وكأنّه يخاطبهم قائلا: كما لم تغن الكثرة العسكرية أولئك الذين أعجبوا بعددهم الكبير حيث انهزموا أمام العدو، كذلك لم تغنكم أموالكم أو ذووكم حيث ستنهزمون أيضا: مادّيا ونفسيّا، ما دام النمطان (أنتم وأولئك) يحيا غائبا عن السماء وفاعليتها الحقيقية في رسم المصائر.
بالمقابل: نجد أنّ النصّ القرآني الكريم يعقب على الهزيمة العسكرية التي لحقت المجتمع الإسلامي في بدء المعركة يعقّب عليها بالإشارة في نهاية المطاف إلى تحقيق النصر، أي أنّه في صدد تقديم واحد من الاختبارات العبادية متمثلة في كل من الهزيمة والنصر: الهزيمة بصفتها جوابا على الإعجاب الزائف بالقدرات الذاتية للإنسان، والنصر.
بصفته جوابا أيضا على سلوك المقاتلين الذين عادوا إلى القتال بعدما استجابوا لنداء الرسول صلى الله عليه وآله.
إذن: جاء كل من النصر والهزيمة، أو لنقل: جاءت الإشارة في هذا القسم من سورة التوبة إلى معركة حنين، جوابا فنيا لأولئك الذين طبعهم نمط خاصّ من السلوك هو الضعف النفسيّ متمثّلا في واحدة من الشرائح الاجتماعية التي اضطلعت سورة التوبة برسمها في هذا القسم بعد أن كان القسم الأول من السورة يضطلع برسم المشركين وطريقة التعامل العسكري مع الشريحة المذكورة في حين يتحدّث القسم الثالث من السورة عن نمط ثالث.
فالقسم الجديد من السورة يتحدث عن الكتابيين وهم اليهود والنصارى، بعد أن تحدثت السورة عن مطلق المنحرفين في الأقسام السابقة وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾[3].
أما في تفسير قوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾، فقد ورد عن عَلِيِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ((لَمَّا سُمَّ الْمُتَوَكِّلُ نَذَرَ إِنْ عُوفِيَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا عُوفِيَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْه فَاشْتَبَه عَلَيْه الأَمْرُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نُدَمَائِه يُقَالُ لَه صَفْعَانُ ألَا تَبْعَثُ إِلَى ابْنِ الرِّضَا.. َقَالَ: يَا جَعْفَرَ بْنَ مَحْمُودٍ صِرْ إِلَيْه وسَلْه عَنْ حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ.. فَصَارَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَسَأَلَه فَقَالَ: الْكَثِيرُ ثَمَانُونَ فَقَالَ لَه جَعْفَرٌ يَا سَيِّدِي إِنَّه يَسْأَلُنِي عَنِ الْعِلَّةِ فِيه فَقَالَ لَه أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾، فَعَدَدْنَا تِلْكَ الْمَوَاطِنَ فَكَانَتْ ثَمَانِينَ))[4].
[1] سورة التوبة، الآية: 25.
[2] سورة التوبة، الآية: 26.
[3] سورة التوبة، الآية: 28.
[4] الكافي، ج 7، ص 463.