بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
يعيش الرجل اليوم أزمات متراكبة لا تقل خطورة عن التحديات الاقتصادية والسياسية، بل تمسّ جوهر ذاته وإنسانيته.
فبين ضغوط العمل والمعيشة، وهيمنة الإعلام وصناعة الصورة، وصراع الأدوار الاجتماعية، يفقد كثير من الرجال البوصلة الحقيقية لهويتهم، ويشعرون أن قيمتهم تُقاس فقط بما يملكون، لا بما هم عليه من إنسانية وخلق وإيمان.
قال تعالى:
﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾ (طه:124)
هذه الآية تُلخّص سرّ الأزمة: حين تُبنى قيمة الإنسان على المادة وحدها، تضيق الحياة رغم اتساعها
الضغوط النفسية والعاطفية
- الرجل اليوم محاصر بواجبات متراكمة: عمل، مسؤوليات أسرية، ضغوط اقتصادية، توقعات المجتمع.
- تتفاقم الأزمات حين لا يُسمح له بالتعبير عن ضعفه أو ألمه، لأن الصورة النمطية للرجل "القوي الصامت" ما زالت تقيّد حريته الشعورية.
- هذا يؤدي إلى أمراض القلق والاكتئاب والانطواء.
🔹 الإمام علي عليه السلام يقول:
"راحةُ الجسد في قِلّةِ الحِقد، وراحةُ الروح في قِلّةِ الذنوب" (غرر الحكم).
أي أن علاج الضغط النفسي لا يكون فقط بالراحة المادية، بل بتحرير القلب من الضغوط الداخلية: الحقد، الذنب، الخوف، والقلق
دور الإعلام وصناعة الوهم
- الإعلام المعاصر يُعيد تشكيل صورة "الرجل الناجح": الثروة، الجسد المثالي، القوة المادية، الاستهلاك.
- هذا يخلق صراعًا داخليًا بين ما يراه الرجل في نفسه، وما يُراد له أن يكونه.
- وتصبح المقارنة دائمة ومؤلمة، تُفقده الرضا والسكينة.
🔹 قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"مَن أصبح والدنيا أكبر همّه، جعل الله الفقر بين عينيه، وشتّت أمره، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما كُتب له" (الكافي، ج٢).
هذا الحديث يبيّن أن السعي خلف صورة يفرضها الإعلام، يجعل الرجل في فقر داخلي لا ينتهي، مهما جمع من المال أو المكانة.
صراع الأدوار الاجتماعية
- في الماضي كان دور الرجل واضحًا: معيل، حامٍ، قائد للأسرة.
- أما اليوم، فقد تغيّرت الأدوار: المرأة تعمل وتشارك في الإعالة، الأطفال يتأثرون أكثر بالإعلام من الوالدين، المجتمع يطالب الرجل أن يكون "تقليديًا وحديثًا" في آن واحد.
- هنا تنشأ أزمة الهوية: "من أنا؟ ما دوري الحقيقي؟"
🔹 يقول الإمام الصادق عليه السلام:
"ليس منّا مَن ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه" (الكافي، ج٥).
أي أن الحل ليس في التخلّي عن الدور المادي، ولا في الانغماس فيه على حساب الروح، بل في التوازن: رجل مسؤول عن دنياه، لكن قلبه لله.
فقدان القيمة الذاتية خارج النجاح المادي
- أكبر أزمة للرجل اليوم أنه يشعر أن قيمته تُقاس بما يقدّم من مال أو منصب.
- فإذا فشل ماديًا، أو تقاعد، أو خسر عمله، دخل في فراغ وجودي قاسٍ.
- لكن القرآن يذكّرنا أن القيمة الحقيقية هي في الإيمان والعمل الصالح:
﴿إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم﴾ (الحجرات:13).
🔹 يقول الإمام علي عليه السلام:
"قيمة كل امرئ ما يُحسنه" (نهج البلاغة).
القيمة ليست فيما يملك، بل فيما يُتقن من علم، خلق، خدمة، عبادة، وفاء.
- الرجولة ليست في كثرة المال ولا في قسوة القلب.
- الرجولة أن تكون سندًا لأهلك، قدوةً لأولادك، رحيمًا في بيتك، صادقًا مع ربك.
- إن ضغوط العصر الحديث لا تُحلّ فقط بالأدوية أو المال، بل بالعودة إلى الأصل: ذكر الله، بناء المعنى، التوازن بين المادة والروح.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"أشجع الناس من غلب هواه" (الكافي، ج٢).
فهنا يكمن مفتاح النجاة: أن يكون الرجل سيّد نفسه، لا عبد صور الإعلام والشهرة ولا أسير الأزمات.
يا أيها الرجل، لا تبحث عن ذاتك في مرآة الإعلام والشهره أو في رصيد البنك، بل في عمق روحك، في إخلاصك، في سجدةٍ خاشعة، وفي يدٍ حانية تمسح دمعة يتيم أو تطمئن قلب زوجة وأم وأبناء.