بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الصبر زاد المؤمنين، وأمر به أنبياءه المرسلين، والصلاة والسلام والصلاة على سيد الصابرين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد ولا انكسار أمام البلاء، بل هو مدرسة عظمى تُصنع فيها النفوس العظيمة، وتُبنى فيها القمم، حتى يتحوّل الصبر إلى مجد خالد، يُذكر به الإنسان في الدنيا ويُكرم به عند الله في الآخرة.
قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل:127]
فالصبر جسرٌ يصل العبد إلى مقام الرضا والكرامة.
صبر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
رسول الله صلى الله عليه وآله عاش الصبر بكل أبعاده:
صبر الدعوة: وقف في مكة بين الأصنام والجهل، يسخرون منه ويقولون ساحر أو مجنون، وهو يرد بقول ربه:
﴿فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ﴾ [طه:130].
صبر الأذى: وضعوا على رأسه الشريف سلى الجزور، وكُسرت رباعيته في أُحد، ومع ذلك قال:
"اللَّهُمَّ اغفِر لِقَومي فَإنَّهُم لا يَعلَمون".
صبر الفقد: عاش يتم الأب، ثم فقد أمه، وزوجته خديجة، وعمه أبو طالب، ومع ذلك كان يقول فيما معناه:
"ما ضَرَّني ما دُمتَ راضياً عني يا رب".
فكان صبره مجداً، لأن دعوته اليوم تملأ الأرض، واسمه يذكر مع كل أذان.
صبر العترة الطاهرة عليهم السلام
1. الإمام علي عليه السلام
بعد وفاة النبي، صبر على اغتصاب حقه لا ضعفاً بل حفاظاً على وحدة الأمة. قال:
"فَصَبَرتُ وفي العَينِ قَذى، وفي الحَلقِ شَجى".
وكان صبره مجداً، إذ صار رمز العدل والشجاعة.
2. السيدة الزهراء عليها السلام
وقفت صابرة رغم كسر ضلعها وأخذ حقها، لكنها بقيت تقول:
"رضيتُ بما رضى الله ورسوله".
فصار صبرها مجداً خالداً، ودموعها نوراً يضيء للمظلومين.
3. الإمام الحسن عليه السلام
صبر على الغدر والخيانة، واحتمل قسوة معاوية، وقال:
"ما تَركتُ الجهاد ضعفاً ولا سلّمتُ الأمر جبناً، وإنما تركته حقناً لدماء المؤمنين".
فصار صبره مجداً، عنواناً للحلم وكظم الغيظ.
4. الإمام الحسين عليه السلام
ذروة المجد في الصبر كانت في كربلاء. حين قُتل أولاده وأصحابه، رفع بصره إلى السماء وقال:
"هَوَّنَ ما نَزَلَ بي أنّه بعَينِ الله".
فصار صبره مجداً خالداً، ومُلْهِماً لكل الأحرار في العالم.
رؤية قرآنية في الصبر والمجد
القرآن ربط بين الصبر والمقامات العالية:
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10].
وقال:
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:24].
فالإمامة والهداية لم تُعط إلا بالصبر.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد بان الجسد ميتاً، كذلك إذا فارق الصبر الإيمان بان الإيمان ميتاً".
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
"من ابتُلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد".
حين نصبر، لا نُراكم الألم فحسب، بل نصنع من الألم مجداً. صبر النبي والأئمة لم يكن ضعفاً، بل كان صناعة لمجد خالد.
فلنحوّل آلامنا إلى وسيلة قرب، وأحزاننا إلى نداء عزيمة. فإن طريق المجد يبدأ من باب الصبر، وينتهي بجنة عرضها السماوات والأرض.
قال تعالى:
﴿سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعْمَ عُقبى الدَّارِ﴾ [الرعد:24].
✨ وهكذا يكون الصبر مجداً لا يُمحى، ووساماً لا يزول.
تعليق