بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وجّه الكلام إليهم لأنهم الذين يصدّقون بذلك، أما سائر أهل الكتاب فإنهم يكذبون الخبر، وإن علموا به باطنا ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ﴾، وهم علماء أهل الكتاب ﴿وَالرُّهْبَانِ﴾، وهم عبّادهم ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾، المراد ب «الأكل» التصرف، فإن معظم التصرف لما كان بالأكل غلب على سائر التصرفات بعلاقة الجزء والكل، والمراد ب «الباطل» بالرشوة ونحوها مما لا يحق لهم أكل الأموال بتلك الصور ﴿وَيَصُدُّونَ﴾، أي يمنعون ﴿عَن سَبِيلِ اللهِ﴾، فلا يتركون الناس أن يسلموا ويؤمنوا بالرسول صلّى الله عليه وآله. ثم إن الأحبار والرهبان يكنزون الذهب والفضة فليحذر المسلمون.
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾، فيحتمل أن يكون المراد بهم هو الأحبار والرهبان ويحتمل أن يكون جملة مستأنفة أي الّذين يجمعون المال ولا يؤدّون زكاتها؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قَالَ: ((كُلُّ مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِراً وَكُلُّ مَالٍ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُوناً فِي اَلْأَرْضِ))[2].
﴿فَبَشِّرْهُم﴾، وأخبرهم ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وما ورد بخصوصه عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اَلدَّنَانِيرِ وَاَلدَّرَاهِمِ وَمَا عَلَى اَلنَّاسِ فِيهَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هِيَ خَوَاتِيمُ اَللهِ فِي أَرْضِهِ جَعَلَهَا اَللهُ مَصْلَحَةً لِخَلْقِهِ وَبِهَا تَسْتَقِيمُ شُؤونُهُمْ وَمَطَالِبُهُمْ فَمَنْ أُكْثِرَ لَهُ مِنْهَا فَقَامَ بِحَقِّ اَللهِ فِيهَا وَأَدَّى زَكَاتَهَا فَذَاكَ اَلَّذِي طَابَتْ وَلَصَتْ لَهُ وَمَنْ أُكْثِرَ لَهُ مِنْهَا فَبَخِلَ بِهَا وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اَللهِ فِيهَا وَاِتَّخَذَ مِنْهَا اَلْآنِيَةَ فَذَاكَ اَلَّذِي حَقَّ عَلَيْهِ وَعِيدُ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ))[3].
ففي هذه الآية الكريمة تعرّض الباري عز وجل لحال المتبوعين فقال إن جملة من هؤلاء جعلوا السمة الدينية قنطرة للعبور منها الى مقاصدهم المادية، فيقضون بغير حق ويشهدون بخلاف الواقع ويزكون ما لا اصل لتزكيته ويجرحون البريء كل ذلك للطمع الحرام، وإذا كانت دنياهم قائمة على الانحراف علما وعملا فبلا ريب تراهم يناهضون الحقيقة التي تفضحهم وتقتلعهم من جذورهم، ولا شك أن الكنز في عرف اهل اللسان هو احراز المال واخفاؤه فالمراد من الذين يكنزون الذهب والفضة هم الذين يدخرونهما حبا لجمع المال والتستر به عن الناس، وهذا المعنى في البشر شهوة خاصة لا تعلّل بأمر معقول ولذلك ذمّ المكتنزون، أمّا الذي يدخره لهرمه أو مرضه أو لأولاده وما هو مظنّة معقولة للحاجة فلا يذم ولا ينتقد، وذكر الذهب والفضة من باب أنهما من اظهر مصاديق الكنزين نزول القرآن وهما مثال عن المال بما هو مال قابل للجمع والادّخار، وظاهر الآية ذمّ الله للمكتنزين على كل حال ادّوا زكاة كنوزهم أم لم يؤدوها فإن تأدية الزكاة لا تخرج المكتنز عن كونه مكتنزا، ولكن ورد في جملة من الآثار أن الذي يزكي ما يدخر من ذهب وفضّة ليس بمكتنز وليس مشمولا لمفاد الآية، ولا ريب أن ذلك خلاف ظهورها والحقّ مع الظهور فإن تجميد المال وتكديسه بلا جهة معقوله عبث واضح خصوصا مع حاجة الفقراء اليه، فالمكتنز إن كان إنسانا يحمل شعورا صحيحا أخذ من كدّه جميع حاجاته وادخاراته المعقولة وتصدق بفاضل ما عنده للمجتمع المحتاج ولا يفيده تجميد ما جمّد الاّ وقوعه بعده آلة إغواء لوارثين اغرار لم يكدّوا أنفسهم في تهيئة هذا المال حتى يحترموه، وكل التهجمات العارمة الصادرة من اولي الترف والنعيم إنّما هي نتيجة لأمثال هذه الأموال التي تقع تحت اختيارهم من دون ادنى زحمة أو تحمّل مسئولية، وسبيل الله المذكور في الآية هو كل خدمة فردية أو اجتماعية تقع موقعها في رفع حاجة الفرد أو المجتمع.
[1] سورة التوبة، الآية: 34.
[2] بحار الأنوار، ج 8، ص 242.
[3] وسائل الشيعة، ج 9، ص 30.