إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

8ربيع الأول-استشهاد الإمام العسكري (ع) مسموما في سامراء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 8ربيع الأول-استشهاد الإمام العسكري (ع) مسموما في سامراء




    كان الإمام شاباً حينما توفي مسموماً، فعمره المبارك تسع وعشرون سنة وكانت فترة إمامة الإمام ست سنوات حيث عاشها بعد أبيه الهادي. وهذا يدل على مدى خوف العباسيين من الإمام ومن ولادة المهدي المنتظر، حيث قضوا على الإمام العسكري في شبابه، بعد ما ملؤوا بيته بالعيون على أهله...
    توفي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مسموماً شهيداً في سامراء فجر يوم الجمعة، الثامن من ربيع الأول عام 260 من الهجرة النبوية الشريفة.
    وقد دسّ إليه السُمّ المعتمدُ العباسي وهو ابن المتوكل.
    ودُفن الإمام (عليه السلام) ـ بعد تشييع عظيم ـ في داره بسامراء إلى جنب قبر أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) حيث مزاره الشريف الآن.
    قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: مرض أبو محمد (عليه السلام) في أول شهر ربيع الأول، وتوفي في الثامن منه(1).
    وكان مرضه (عليه السلام) بسبب السمّ الذي سقاه المعتمد، كما رواه الشيخ الصدوق ابن بابويه (رحمه الله).
    وكان الإمام (عليه السلام) شاباً حينما توفي مسموماً، فعمره المبارك تسع وعشرون سنة، وقيل ثمان وعشرون فقط. وكانت فترة إمامة الإمام (عليه السلام) ست سنوات حيث عاشها بعد أبيه الهادي (عليه السلام).
    وهذا يدل على مدى خوف العباسيين من الإمام (عليه السلام) ومن ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، حيث قضوا على الإمام العسكري (عليه السلام) في شبابه، بعد ما ملؤوا بيته بالعيون على أهله وعياله لمراقبة حمل أو مولود.
    قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (إكمال الدين): وجدت في بعض كتب التواريخ أنه لما توفي أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) كان في ليلة وفاته قد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة ولم يحضره في ذلك الوقت إلاّ صقيل الجارية وعقيد الخادم ومن علم الله غيرهما. قال عقيد: فدعا (عليه السلام) بماء قد أغلي بالمصطكي، فجئنا به إليه. فقال (عليه السلام): (أبدأ بالصلاة)، وبسطنا في حجره المنديل وأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة، ومسح على رأسه وقدميه مسحاً، وصلى صلاة الصبح على فراشه، وأخذ القدح ليشرب، فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد. فأخذت صقيل القدح من يده، ومضى من ساعته (عليه السلام) وصار إلى كرامة الله جل جلاله(2).
    وقال أحمد بن عبيد الله بن خاقان ـ وكان من أشدّ النواصب عداوة لأهل البيت (عليه السلام) وكان من ولاة بني العباس:
    لما اعتلّ الحسن (عليه السلام) بعث ـ الحاكم العباسي ـ إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم الأمير كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف حاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعهده صباحاً ومساءً، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه وأمر المتطببين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة وأمره أن يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وأمانته فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي.
    فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة: مات ابن الرضا، ثم أخذوا في تجهيزه وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد والكتّاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة.
    فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى وهو مبعوث المتوكل منه، فكشف عن وجهه (عليه السلام) فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتّاب والقضاة والمعدلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا مات حتف أنفه على فراشه! وحضره من خدم الأمير فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ثم غطّى وجهه.
    وهكذا أرادوا أن يبرؤوا أنفسهم من قتل الإمام (عليه السلام).
    ثم حضرت الجنازة المطهرة للصلاة، وقام جعفر لكي يصلي على أخيه، وإذا بصبي عليه سيماء الأنبياء خرج وقال: (تنحّ يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي منك)، فتأخر جعفر وتقدم الصبي (عليه السلام) فصلى عليه، ثم دفن الإمام (عليه السلام) في داره إلى جنب والده (عليه السلام).
    اعتقالات في بيت الإمام (عليه السلام)

    بعد ما استشهد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وصلّى عليه ولده المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ودفنه، علمت الحكومة بولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) وأن لـه من العمر ست سنوات، فأرسلت جيشاً لاعتقاله وقتله.
    روي عن أبي الحسن بن وجنا، عن أبيه، عن جده: أنه كان في دار الحسن ابن علي (عليه السلام) فكبستنا الخيل واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السلام) قال: فإذا أنا به (عليه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (عليه السلام) ابن ست سنين فلم يره أحد حتى غاب(3).
    ولما لم يعثروا على الإمام (عليه السلام) اعتقلوا والدته السيدة نرجس (عليها السلام) ـ واسمها الآخر صقيل ـ وأودعوها السجن، كما اعتقلوا جعفراً أخ الإمام (عليه السلام) لعدم إخبارهم بولادة المهدي (عليه السلام) من قبل، فأنكر علمه بذلك.
    واعتقلوا أيضاً جمعاً من الشيعة والموالين.
    روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (إكمال الدين):
    قال أبو الأديان: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتباً وقال: (تمضي بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل)!.
    قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمن؟.
    قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي).
    فقلت: زدني.
    فقال: (من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي).
    فقلت: زدني.
    فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
    ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حولـه يعزونه ويهنئونه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء.
    ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي، قد كُفن أخوك فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حولـه يقدمهم: السمان، والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن علي وقال: (تأخر يا عمّ، فأنا أحق بالصلاة على أبي). فتأخر جعفر وقد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه.
    ثم قال الصبي: (يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه وقلت في نفسي: هذه اثنتان، بقي الهميان.
    فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته. فقالوا: فمن؟. فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنئوه. وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول ممن الكتب وكم المال؟.
    فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا أن نعلم الغيب!.
    قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا الكتب والمال وقالوا الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.
    ووجه المعتمد العباسي خدمه فقبضوا على صقيل الجارية ـ وهي أم الإمام المهدي (عليه السلام) ـ وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملاً بها لتغطي على حال الصبي، فسُلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ليسجنها إلى أن يولد الطفل فيقتله..
    فسجنت السيدة صقيل وجعلن نساء المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، إلى أن دهمهم أمر الصفار، وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم عن سر من رأى، وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ورجعت إلى بيت الإمام (عليه السلام) (4).
    المشهد الشريف في سامراء

    دفن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في بيته بسامراء التي تشرفت به، وبجوار والده الإمام الهادي (عليه السلام).
    وفي نفس الضريح المقدس قبر حكيمة بنت الإمام الجواد عمة الإمام العسكري (عليه السلام)، وقبر السيدة نرجس والدة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
    روى الجعفري، قال: قال لي أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام): (قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين)(5).
    وقال أبو يحيى المغربي(6):
    يا راكب الشهباء تعمل علبة
    سلم على قبر بسامراء
    قبر الإمام العسكري وابنه
    وسمي أحمد خاتم الخلفاء
    وقد سعى علماؤنا الأبرار لتأسيس الحوزة العلمية في سامراء وتقويتها ودعمها، ليكثر الموالون بجوار الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وتقل مظلومية المشهد الشريف.
    حيث كان يستولي على المشهد المبارك في برهة من الأزمان جمع من الطغاة والظلمة وربما بعض النواصب، فيهملون رعاية المشهد ويتعمدون في الإضرار به، ففي عام 1106 هـ احترق المشهد الشريف بسامراء، وربما أحرقوها متعمدين.
    فمن اللازم السعي الجاد لتقوية الحوزات العلمية في سامراء كما فعل الميرزا المجدد الشيرازي (قدس سره) حيث نقل الحوزة العلمية من النجف إلى سامراء(7). وقد اهتدى ببركة الميرزا كثير من الناس إلى مذهب أهل البيت (عليه السلام).
    كما يلزم بناء الكثير من المؤسسات الدينية هناك من الحسينيات ودور النشر والمراكز الثقافية التي تنشر تعاليم أهل البيت (عليه السلام)، قال (عليه السلام): (إن الناس إذا علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(8).
    فإن عموم الناس يرغبون ويشتاقون في إتباع أهل البيت (عليه السلام) إذا عرفوا الحق، وإن كان بعض النواصب وعلماء السوء يمنعونهم من ذلك.
    قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في (البحار): قد وقعت داهية عظمى وفتنة كبرى في سنة ست ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بسر من رأى، وذلك أنه لغلبة الأروام وأجلاف العرب ـ من غير أتباع أهل البيت (عليه السلام) ـ على سر من رأى وقلة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدسة وجلاء السادات والأشراف لظلم الأروام عليهم منها، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهرة في غير المحل المناسب لـه، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدسة والأخشاب والأبواب، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصاب من المخالفين جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضر بحال هؤلاء الأجلة الكرام، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلام، وإنما ذلك غضب على الناس ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت، وإنما هو تابع للمصالح الكلية والأسرار في ذلك خفية وفيه شدة تكليف وافتتان وامتحان للمكلفين.
    وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدسة النبوية بالمدينة أيضا صلوات الله على مشرفها وآله. قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع في باب اللعان): إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره (صلى الله عليه وآله) ـ ثم قال ـ وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وستمائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر.
    وقال صاحب كتاب (عيون التواريخ) ـ من أفاضل المخالفين في وقائع السنة الرابع والخمسين والستمائة: وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال، وكان أحد القومة قد دخل إلى خزانة ومعه نار فعلقت في بعض الآلات ثم اتصلت بالسقف بسرعة، ثم دبت في السقوف آخذة مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها. فما كان إلاّ ساعة حتى احترق سقوف المسجد أجمع، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ووقع ما وقع منه بالحجرة وبقي على حاله، وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة، انتهى.
    والقرامطة هدموا الكعبة ونقلوا الحجر الأسود ونصبوها في مسجد الكوفة.
    وفي كل ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال، ولم يمنعوا من ذلك على الاستعجال، بل ترتب على كل منها آثار غضب الله تعالى في البلاد والعباد بعدها بزمان، كما أن في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله على المخالفين في تلك البلاد، فاستولى الأعراب على الروم وأخذوا منهم أكثر البلاد، وقتلوا منهم جماً غفيراً وجمعاً كثيراً، وتزداد في كل يوم نائرة الفتنة والنهب والغارة في تلك الناحية اشتعالاً. وقد استولى الأفرنج على سلطانهم مراراً وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وكل هذه الأمور من آثار مساهلتهم في أمور الدين، وقلة اعتنائهم بشأن أئمة الدين (سلام الله عليهم أجمعين).
    وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): ثم إن هذا الخبر الموحش ـ يعني خبر احتراق المشهد في سامراء ـ لما وصل إلى السلطان حسين الصفوي الموسوي، أمر بترميم تلك الروضة البهية وتشييدها، وأمر بعمل أربعة صناديق وضريح مشبك في غاية الإتقان وأرسلها إلى المشهد المشرف بسامراء(9).
    ومما جرى على المرقد الشريف أن النواصب سرقوا مشهد العسكريين (عليهما السلام) في أواخر سنة 1355 هـ حيث سطا جماعة منهم ليلاً على المشهد المقدس فاقتلعوا عدة ألواح من الذهب المذهبة به القبة الشريفة.
    وفي شهر صفر سنة 1356 هـ سطا جماعة من النواصب ليلاً على المشهد، فكسروا القفل الموضوع على باب المشهد وأخذوا شمعدانين من الفضة الخالصة وزنهما ثمانون كيلو غنيمة باردة(10).
    إلى غيرها وغيرها (11).
    فضل زيارة الإمام العسكري (عليه السلام)

    عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار أحداً منكم؟. قال: (كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله))(12).
    وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته وصلّى عنده أربع ركعات، كتبت لـه حجة وعمرة)(13).
    وروى الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: (إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة)(14).
    وعن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: قلت للإمام علي بن محمد (عليه السلام): علّمني يا سيدي دعاءً أتقرب إلى الله عزوجل به؟. فقال لي: (هذا دعاء كثيراً ما أدعو به، وقد سألت الله عزوجل أن لا يخيب من دعا به في مشهدي، وهو: "يا عُدّتي عند العُدَد، ويا رجائي والمعتمَد، ويا كهفي والسَنَد، ويا واحدُ يا أحد، ويا قُل هو الله أحَد، أسألك بحق من خلقتَه من خلقك ولم تجعل في خلقك مثلَهم أحداً صلّ على جماعتهم وافعل بي كذا وكذا")(15).
    وعن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام، قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بويطة وكان لا يدخل المشهد، ويزور من وراء الشباك. فقال لي: جئت يوم عاشوراء نصف النهار ظهراً والشمس تغلي والطريق خال من واحد، وأنا فزع من الذعار ومن أهل البلد، أتخفى إلى أن بلغت الحائط الذي أمضي منه إلى الشباك، فمددت عيني فإذا أنا برجل جالس على الباب ظهره إليَّ كأنه ينظر في دفتر. فقال لي: (إلى أين يا أبا الطيب؟). بصوت يشبه صوت حسين بن علي بن محمد بن الرضا، فقلت: هذا حسين قد جاء يزور أخاه.
    فقلت: يا سيدي، أمضي أزور من الشباك وأجيئك فأقضي حقك.
    فقال: (ولِمَ لا تدخل يا أبا الطيب، تكون مولى لنا ورقاً وتوالينا حقاً ونمنعك تدخل الدار، ادخل يا أبا الطيب).
    فقلت: أمضي أسلم عليه ولا أقبل منه، فجئت إلى الباب وليس عليه أحد فيشعر بي، وبادرت إلى عند البصري خادم الموضع ففتح لي الباب فدخلت، فكنا نقول لـه: أ ليس كنت لا تدخل! فقال: أما أنا فقد أذنوا لي، بقيتم أنتم(16).
    * مقتطف من كتاب (من حياة الإمام العسكري عليه السلام) لمؤلفه المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته

    ..........................................
    (1) الإرشاد: ج2 ص336 باب ذكر وفاة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.
    (2) كمال الدين: ج2 ص474 ب43 ح24.
    (3) بحار الأنوار: ج52 ص47 ب18 ح33.
    (4) راجع كمال الدين: ج2 ص475-476 ب43 ح24.
    (5) الدعاء والزيارة للإمام الشيرازي (قدس سره): ص933 زيارة الإمامين العسكريين 3، ط1 عام 1414هـ/1994م.
    (6) المناقب: ج4 ص426 فصل في المقدمات.
    (7) آية الله العظمى السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي، المشهور بالمجدد، ولد في 15 جمادى الأولى 1230هـ. هاجـر إلـى النجف الأشرف سنة 1259هـ ثم نقل الحوزة العلمية إلى سامراء عام 1291هـ. درس على يد جملة من العلماء أمثال: السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي، وصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة 1281هـ بعد وفاة الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في إيران، وقاد ثورة التنباك (التبغ) ضده حيث أصدر فتوى بتحريم استعمال التنباك مما تسبب في خروج البريطانيين من إيران، كما وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ بقتل الشيعة هناك وعمل المنائر من رؤوس القتلى في كل مكان. لـه عدة مؤلفات ما بين مطبوع ومخطوط. لم يكن (رحمه الله) يرغب بنشر كتبه ومؤلفاته استحقاراً منه لـها، كما ذكره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) في كتاب (هدية الرازي إلى الإمام المجدد الشيرازي). توفي (رحمه الله) عام 1312هـ.
    (8) وسائل الشيعة: ج27 ص92 ب8 ح33297.
    (9) يقع مرقد الإمامين الهادي والعسكري 3 في مدينة سامراء، وهو نفس الدار التي اشتراها الإمام الهادي (عليه السلام) وظل بها حتى يوم استشهاده. يقول الخطيب البغدادي: (وفي هذه السنة يعني سنة أربع وخمسين ومائتين توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني)(9).
    فلما توفي (عليه السلام) دفن وسط داره، ثم لما توفي الإمام العسكري (عليه السلام) دفن إلى جنبه أبيه (عليه السلام)، كما دفنت أيضاً السيدة نرجس أم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وكذلك دفنت بهذه الدار الطاهرة السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، ثم الجدة أم الحسن العسكري (عليه السلام)، ثم الحسين بن علي الهادي (عليه السلام)، ومعهم السيدين أبو هاشم الجعفري وجعفر ابنه، وكانت هذه القبور الطاهرة مشهداً لأهل الدار ولمن ورد عليهم.
    وفي عام 333هـ قام ناصر الدولة الحمداني بتشييد الدار والضريح.
    وفي عام 337هـ أكمل معز الدولة البويهي بناء الحمداني، وعمّر القبة والسرداب، ورتبت القوام والحجاب، وملأ البئر التي كان الإمام العسكري (عليه السلام) يتوضأ منها إذ كان الناس يأخذون الماء منه للبركة.
    وفي عام 368هـ قام عضد الدولة البويهي ببناء سياج الروضة والضريح الشريفين.
    وفي عام 445هـ ترك الأمير أرسلان بغداد إلى تكريت وعمّر القبة والضريح، وعمل الصندوق من الساج، وجعل الرمان فيه من الذهب.
    وفي عام 495هـ قام بركياروق السلجوقي بتجديد الأبواب وسيج الروضة، ورمم القبة والرواق والصحن والدار.
    وفي عام 606هـ قام الناصر العباسي بتعمير القبة والمئذنة والسرداب، وكتب أسماء الأئمة الاثني عشر على نطاق العقد على يد الشريف معد بن محمد.
    وفي عام 640هـ وقع حريق في المشهد الشريف، فأتى على ضريحي الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، فتقدم الحاكم العباسي المستنصر بالله بعمارة المشهد الشريف والضريحين المقدسين وإعادتهما إلى حالتهما السابقة، وكان الضريحان المقدسان مما أمر بصنعهما أرسلان البساسيري الذي خرج على الحاكم العباسي القائم بأمر الله. فأبدل المستنصر الصندوق ـ بعد الحريق ـ وجعله من الساج، وعمّر الروضة على يد جمال الدين أحمد بن طاووس.
    وفي عام 750هـ قام أبو أويس حسن الجلائري بتزيين الضريح، وشيد القبة، وعمل البهو، وشيد الدار، ونقل المقابر التي في الصحن إلى الصحراء.
    وفي عام 1160هـ قام الشاه حسين الصفوي بتسييج الروضة المطهرة، وعمل الشباك من الفولاذ.
    وفي عام 1349هـ جلبت مولدة كهربائية لإضاءة الروضة العسكرية المقدسة.
    وفي عام 1367هـ قام محمد صنيع خاتم بترميم الصندوق.
    وفي عام 1381هـ تبرعت جماعة من الوجهاء منهم: الحاج علي الكهربائي، والشيخ محمد حسين المؤيد بالضريح الذي كان موجوداً إلى يوم الفاجعة الكبرى ـ تفجير المرقد الشريف ـ حيث كانت أبعاده: 6×5×3ر2 متر، وقد استغرق خمس سنوات لصنعه.
    (10) يقال: غنيمة باردة أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف.
    (11) يقول الناشر لـهذا الكتاب: وفي زماننا هذا قام النواصب بتفجير قبة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) في يوم الأربعاء 23 محرم 1427هـ المصادف 22 شباط 2006م. كما قاموا بتفجير المنارتين الذهبيتين في يوم الأربعاء 27 جمادى الأولى 1428هـ في الساعة التاسعة صباحاً الموافق لـ 13/ 7 / 2007م. حيث انهارت المنارة الأولى بشكل كامل وبعد سبع دقائق انفجرت المنارة الثانية لتقع على الأرض بشكل عمودي. وقد استنكرت المرجعيات الدينية والجهات السياسية وعموم الشعب العراقي والشعوب المسلمة بل وشعوب العالم هذا العمل الإجرامي، وحملوا المسؤولية على عاتق الحكومة التي تخاذلت في بناء المرقدين وتغاضت عن المجرمين، ولم تسمح للمؤمنين بإعادة البناء، ولم تطهر تلك الأماكن المقدسة والطرق المؤدية إليها من الإرهابيين والنواصب.
    كما دان مجلس الأمن الدولي بشدة عملية التفجير التي استهدفت مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) في مدينة سامراء المقدسة. وحث رئيس مجلس الأمن الدولي جون بولتون في بيان لـه جميع أطياف الشعب العراقي إلى ضبط النفس، والوحدة، وعدم الانزلاق في منازعات طائفية. وأعرب بولتون عن تفهم أعضاء مجلس الأمن الدولي عن الحزن والقلق الناجمان من العملية التخريبية.
    وأيضا: دان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في اجتماعه هذه الجريمة الإرهابية التي استهدفت تفجير مرقدي الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء المقدسة وما ألحقته بهما من أضرار بالغة.
    وجاء في بيان رئيس الجمهورية العراقية السيد جلال الطالباني:
    ارتكب الإرهابيون جريمة نكراء أخرى، إذ طالت أياديهم الأثيمة واحدة من العتبات المقدسة لدى المسلمين عامة والشيعة خاصة ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام).
    ويزيد من بشاعة هذه الجريمة إنها ارتكبت في شهر محرم الحرام، مما يؤكد أن الجناة لا يراعون المقدسات ولا يقيمون وزناً للأعراف، وهم بذلك يؤكدون مرة أخرى كونهم تكفيريين زنادقة. كما أن هذه الجريمة تفصح عن الغايات الدنيئة لمرتكبيها الذين يرومون إثارة الفتنة الطائفية، والدفع نحو اقتتال الأخوة، وزج بلادنا في أتون إحترابات تعيق مسيرتنا نحو الديمقراطية...
    إننا إذ نستنكر بشدة هذه الجريمة الفاحشة ندعو رجال الدين والسياسة إلى إدانتها إدانة صريحة وواضحة، وفضح المقاصد الحقيقة للجناة. كما نهيب بالجميع ضبط النفس؛ لإحباط المخططات الأثيمة للتكفيريين، والرد عليها بمزيد من التلاحم، والوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العراقي.
    وندعو الأجهزة المعنية إلى التحرك السريع لإلقاء القبض على الجناة، وسوقهم إلى القضاء، وكشف الأطراف المحفزة لـهم والمتواطئة معهم...
    (12) الكافي: ج4 ص579 باب فضل الزيارات وثوابها ح1.
    (13) مستدرك الوسائل: ج10 ص184 ب2 ح11803.
    (14) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص577 باب ثواب زيارة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ح3160.
    (15) مستدرك الوسائل: ج10 ص363-364 ب70 ح12188.
    (16) بشارة المصطفى: ص142-143.






  • #2




    الذي يدرس تلك الحياة القصيرة لسيدنا ومولانا وإمامنا العسكري (ع) يجده أنه قضاها في القرآن وهو القرآن الناطق، لتعليمه، وتفسيره، وتأويله فهو بحق شهيد القرآن الحكيم، إذ أنه كان يُدافع عن القرآن الصامت بكل مناسبة، لا سيما عندما كان يتصدى أهل الفلسفة والعقليات لمثل عمل الكندي...
    في 8 ربيع الأول 260 هـ استشهد الإمام العسكري مسموماً في سامراء

    مقدمة عقائدية

    الباحث في السيرة النبوية العطرة للرسول الأعظم (ص) يجد أنه لم يؤكد على مسألة من المسائل العقائدية كتأكيده على مسألة الثقلين، أو ما يُسميه العلماء بحديث الثقلين، وملخصه ما جاء في صحيح مسلم من حديث الصحابي الكبير زيد بن أرقم قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِىَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ).. فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: (وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي). (مسلم: ح6378، وأحمد، والدارمي، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين كما يقول الحاكم)
    فهذا الحديث من المتواترات القليلة في هذه الأمة، ورغم ذلك تجد المهرجين من أتباع ابن تيمية ومَنْ سار على منهاجه في الضلال يُنكرونه ويُشككون فيه، لأنه حجة لا تُدحض، ورواية لا تُرد وفيها بيان قاطع على أحقية أهل البيت الأطهار (ع)، كحقيقة القرآن الحكيم الذي جعلهما الحديث مقترنان متلازمان إلى يوم القيامة، فهما (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، ولكن هل نظرت الأمة لهما أم أنها اتخذت من نظرية قريش (حسبنا كتاب الله) منهجاً فضلوا وأضلوا الأمة الإسلامية وفرَّقوها طرائق قدداً، كما نرى بأم العين في هذا العصر؟
    في الحقيقة إن حديث الثقلين حاكم ومبيِّن للمنهج الرباني الذي أُمر به أن يُبلغه رسول الله (ص) في آخر حياته الشريفة فكان في كل خطبه في حجة الوداع، وفي غدير خم، وفي مرضه الذي انتقل به إلى الرفيق الأعلى، ففي حديث حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله (ص) والعالم بأسماء المنافقين الذين حاولوا اغتياله (ص) في العقبة، يقول فيه: (أيّها الناس إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس إليه صائرون، وإنّي قد تركتكم على المحجّة الواضحة ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس انّه لا أُحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أُحرّم عليكم إلاّ ما حرّم القرآن، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ولن تزلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وهما الخليفتان فيكم، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فأُسائلكم بماذا أخلفتموني فيهما). (إرشاد القلوب الديلمي: ج2 ص237)
    فالرسول الأكرم (ص) لم يُخلِّف خليفة فقط بل خلَّف خليفتين؛ كتاب الله الصامت (القرآن)، وكتاب الله الناطق (العترة الطاهرة)، ولكن رجال قريش والسلطة المنبثقة عن السقيفة المشؤومة ضربت الثقلين وفصلتهما عن بعضهما بحجة سمجة باطلة من أساسها (حسبنا كتاب الله)، وهو حسب العالمين فعلاً ولكن يحتاج إلى مَنْ يُفسره ويبينه ومن ثم يؤوله للأمة الإسلامية وهي وظيفة الثقل الثاني أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
    الإمام الحسن العسكري (ع) الثقل الناطق

    التاريخ يُحدِّث عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) قوله لجيشه وأصحابه عندما رفع أصحاب معاوية المصاحف بمكيدة من عمرو بن العاص: (أنا القرآن الناطق)، وقال: (أنا كلام اللَّه الناطق)، وقال: (هذا كتاب اللَّه الصامت، وأنا المعبّر عنه، فخذوا بكتاب اللَّه الناطق، وذَرُوا الحُكم بكتاب اللَّه الصامت؛ إذ لا معبّر عنه غيري)، فهو الثقل الناطق والمفسِّر والمبيِّن والمؤول للثقل الصامت (القرآن)، ولذا تجد إلى اليوم ولدينا أكثر من ألف تفسير لا نستطيع القطع بتفسير البسملة، أو الحروف المقطعة، لأن الأمة رفضت العترة والثقل الأصغر.
    والإمام الحسن العسكري (ع) في عصره كان هو القرآن الناطق، وهو الذي أودعه الله علمه وحكمته واستودعه تفسيره وتأويله، ولكن هذه الأمة لا تُريد قرآن علي (ع) كما قالت السلطة القرشية عندما لم يُبايعها واعتزل في بيته، حيث قال: (حلفتُ ألا أخرج، ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن، ثم أخذتُه وجئتُ به فأعرضته عليهم قالوا: لا حاجة لنا به).
    ولكن أي شيء هو هذا الذي جمعه أمير المؤمنين (ع)، وأين هو فيما بعد؟ هل ذهب وارتفع كما ارتفعت التوراة من الألواح عندما ألقاها موسى الكليم (ع) عندما رجع إلى قومه ووجدهم يعبدون العجل الذهبي وقد هجروا أخاه ووصيه نبي الله هارون (ع)؟
    لا لم يرتفع شيء من القرآن، ولم يسقط منه حرفٌ واحدٌ بل بقي مجموعاً كما كتبه وحفظه سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) يتوارثه أبناؤه الميامين من أئمة المسلمين المعصومين (ع) مع كل ما فيه من تفسير، وتأويل، وشرح، وأبيان أحكام، وبهذا صرَّح الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بقوله: (إنّ العلم فينا، ونحن أهله، وهو عندنا مجموع كلّه بحذافيره، وإنّه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلّا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول اللَّه (صلى اللّه عليه وآله) وخطّ عليّ (عليه السلام) بيده).
    وهو من إرث النبوة والرسالة السماوية الذي وصل إلى الإمام الحسن العسكري (ع) الذي قرأه ووعاه في قلبه الكبير، وعقله المنير، فراح يفيض منه بعض الرشحات إلى خواصِّه فيكتبون عنه كل ذلك فيما وصل إلينا جزء صغير من بحر كبير، وجهد راقي في التفسير ليكون شاهداً على أن ذاك الإمام الشاب العظيم (ع) أراد أن يُرسِّخ القرآن في حياة الأمة، ببثِّه لعلوم القرآن فيها ولكن الحُكام من بني العباس وشياطين الأمة كانوا له بالمرصاد، فاغتالته يد السلطان الجائر، ودَفنت وربما أَحرقت مآثره وتفسيره يد الشيطان الخاسر، فخسرنا تلك الموسوعة التفسيرية من إمام البرية الإمام الحسن العسكري (ع).
    الإمام العسكري (ع) يدفع الفيلسوف الكندي عن القرآن

    فالقرآن الحكيم هو صحيفة النور الإلهية في ظلام الدنيا الدنية، وهو كلام الله وفضله على الكلام كفضل قائله على مخلوقاته، ولذا لا يُشبهه كلام مهما بلغ من الفصاحة والجزالة والبيان، وهو المعجزة الصامتة التي تحدَّى بها ربُّ العالمين العرب وكل الناطقين بالضاد من أن يأتوا بسورة من مثله ولو كانت بحجم سورة الكوثر المعجزة والتي أعجزت ابن المقفع، ولكن بعض البشر لا سيما مَنْ يدَّعون الفلسفة والهرطقة وبعض العلوم العقلية المحضة يحاولون في كل عصر أن يقربوا إلى القرآن الحكيم ويحاولون حظَّهم في إبطال حجته كما يظنون.
    وفي عصر الإمام الحسن العسكري (ع) ابتُليت الأمة بمثل هذا التفكير، وكان ذلك على يدي فيلسوف العراق المعروف والمشهور؛ يعقوب بن إسحاق الكندي الذي اشتهر بـ"فيلسوف العرب"، (ولد سنة 185، وتوفي سنة 260)، وهو وإسحاق بن حنين، وثابت بن قرة، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وهم أول مَنْ أرسلهم المأمون إلى بلاد الروم، فتعلموا لغتهم، واشتروا الكتب، وترجموا العديد منها، وألفوا الكتب".
    فقد رُوي في مناقب آل أبي طالب: "عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل: أن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرَّد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (ع) فقال له أبو محمد (عليه السلام): (أما فيكم رجلٌ رشيد يردع أستاذكم الكندي عمَّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟!)
    فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا، أوفي غيره.
    فقال له أبو محمد (عليه السلام): (أ تؤدي إليه ما ألقيه إليك؟) قال: نعم، قال: (فصِرْ إليه وتلطَّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقُلْ قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول لك: إنه من الجائز، لأنه رجل يفهم إذا سمع.. فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يُدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبتَ أنتَ إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه!)
    فصار الرجل إلى الكندي وتلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة فقال له: أعد عليَّ فأعاد عليه، فتفكَّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر، فقال: أقسمتُ عليك إلا أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلا، ما مثلك مَنْ اهتدى إلى هذا، ولا مَنْ بلغ هذه المنزلة فعرِّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمد (عليه السلام). فقال: الآن جئتَ به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت! ثم إنه دعا بالنار، وأحرق جميع ما كان ألفه".
    وهذا التصدي منه وتصدّي الإمام (عليه السلام) لردعه عمَّا كان ينويه (بل يعمله) بشكل منطقي كما يظن باطلاً، يدلّ على شدَّة اهتمام الإمام العسكري (ع) بالقرآن الحكيم في ذلك الظرف، وفاعليته في الحياة الفكرية والاجتماعية ومدى أهمية حركة التفسير التي كان يقوم بها العلماء في إظهار عظمة الأُمة الإسلامية من خلال حملها للقرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن يؤكد الإمام (عليه السلام) هذا الجانب بإغناء الأُمة الإسلامية بعلمه الذي كان يتفرّد به هو وآباؤه الكرام، فإنهم معدن العلم في هذه الأمة بل في العالم أجمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم أهل بيت الوحي حيث نزل القرآن في بيتهم فهم أدرى بما في البيت من غيرهم، وكل العلماء تبع لهم وعيال عليهم في معرفة القرآن وعلومه، كما اعترف بذلك المؤالف والمخالف وكما تفصح عنه سيرتهم جميعاً بدءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام الحسن العسكري (عليهم السلام)"، فالقرآن الحكيم والعترة الطاهرة يُشكلان عمود الدِّين وعصبه في الحياة الإنسانية، وعلى الأمة الإسلامية معرفة ذلك لهم ومنهم والعمل على إعادتهم إلى المكان الطبيعي الذي جعله الله لهم في الحياة ليكونوا المنار الهادي، والصراط المستقيم الذي مَنْ سار عليه وصل إلى السعادة في الدنيا والجنة والخلد فيها في الآخرة.
    معجزة الإمام الحسن العسكري (ع) موسوعة التفسير

    يقول سماحة السيد مرتضى الشيرازي فيها: "باستقراء معرفي نتبين أنه لا يوجد في التاريخ فيما نعلم، شخص قد أملى في تفسير القرآن الكريم، كما أملى الإمام الحسن العسكري (عليه الصلاة والسلام)، لأن الإمام الحسن العسكري أملى في تفسير القرآن ما بلغ من المجلدات مائة وعشرين مجلداً (جلداً).
    ومئة وعشرين مجلداً رقماً جداً مذهل، ويجب أن تلاحظ أن الإملاء يستغرق وقتاً أكثر من الكتابة، فالكتابة يستطيع الإنسان أن يكتب بشكل سريع، لكن الإملاء يستنفذ من الإنسان جهداً عضلياً ولسانياً، ثم كتابة الطرف الآخر، ثم الدِّقة لكيلا يكون هناك خطأ في سماعه وكتابته، خاصة أن الأقلام في ذلك الزمن لم تكن في مثل هذا الزمن وإنما كانت ريشة ومحبرة وهذا يستهلك جهداً كبيراً ف (مئة وعشرين مجلداً) هذا رقم هائل جداً في تفسير القرآن الكريم.
    ولاحظ كذلك عمر الإمام العسكري (ع) القصير نسبياً، لأن الإمام العسكري ولد في عام 232 واستشهد في عام 260 يعني أن الإمام كان عمره المبارك ثمانية وعشرين سنة فقط، فشخص يستشهد وعمره ثمانية وعشرين سنة، ثم يخلف من الآثار فيما خلف، وينتج فيما أنتج، ويعطي فيما أعطى، ويمنح البشرية فيما منح، مئة وعشرين مجلداً من تفسير القرآن الكريم هذا الرقم حقيقة رقم مذهل".
    وقال في معالم العلماء: "الحسن بن خالد البرقي: أخو محمد بن خالد من كتبه: تفسير العسكري، من إملاء الإمام (عليه السلام)، مايةٌ وعشرون مجلدة"، وقال الطوسي في الفهرست: "الحسن بن خالد البرقي، أخو محمد بن خالد، يكنى أبا علي، له كتب أخبرنا بها عدة من أصحابنا، عن أبي المفضل عن بن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن عمه الحسن بن خالد"، وسند هذا التفسير صحيح لكنه فُقِدَ مع الأسف، مثل ألوف الكتب التي فقدها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بغارات أعدائهم!".
    ولكن لا يوجد الآن بين أيدينا إلا كتاباً في التفسير منسوبٌ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من مجلد واحد رواه عنه طبريان، واختلفت آراء علمائنا فيه، فاعتمده بعضهم وردَّه وأنكره بعضهم الآخر ولسنا هنا في سبيل الاستقصاء عن ذلك لأنه كفانا المؤونة الأعلام الكبار من هذه الطائفة المحقة، وفي الواقع هناك رأي قوي وله أدلته التاريخية والحديثية تدلُّ على أن الكتاب من إملاء الإمام الحسن العسكري (ع) والمختلف فيه هو تفسير من رواية والده الإمام الهادي (ع) والله العالم.
    فالمهم هنا أن نُشير إلى هذه النكتة التي لا نظير لها في التاريخ البشري عبر العصور والدهور، وخاصة في هذه الأمة التي نزل فيها القرآن وبلغتها وتحداها منذ اليوم الأول وما زال ولينا الآن حسب الاحصائيات أكثر من ألف تفسير للقرآن الكريم ولكن لا يوجد تفسير بهذا الحجم (120) مجلد، وهذا كان في العصر العباسي وقبل 1250سنة وليس في عصر الكمبيوتر والحضارة الرقمية.
    وكذلك الأمر المرتبط بالإمام الحسن العسكري (ع) شخصياً حيث كان شاباً في ريعان الشباب لا يتجاوز عمره الشريف 25 سنة ربع قرن فقط، وهو في مكان غربة بعيداً عن موطنه الأصلي المدينة المنورة، بل في سجن كبير في مدينة العسكر سامراء، وتحت رقابة عجيبة تعد عليه أنفاسه، وكان يجب عليه الحضور إلى مقر الحكومة لتسجيل الحضور وكأنه في سجن وإقامة جبرية في تلك المدينة المخصصة للعسكر فهي ثكنة وهو فيها سجين.
    كما أنه في ريعان الشباب وشرخه وتصدى لشؤون الأمة الإسلامية ورعايتها وكان مؤتمناً على دينها وعقيدتها وجاءه الطبريان فوجدها فرصة فراح يشتغل ويشغلها في القرآن وتفسيره وتعليمه فأملى عليهما هذه الموسوعة العملاقة التي لم يستطع المسلمون كتابة مثلها إلى الآن، فأي عظمة، وأي عمل جبار قام فيه ذاك الإمام المظلوم المسجون، في ذلك العصر المظلم؟
    والعجيب الغريب أن تلك السلطات الغشومة لم تستطع أن تتحمله وتأخذ عنه علومه بل سعت جهدها وجهادها في إطفاء نوره وقتله وهو لم يُكمل العقد الثالث من عمره الشريف فدسوا له السم وقتلوه مظلوماً وهو في الثامنة والعشرين من عمره فذهب إلى ربه وجده مسموماً شهيداً مظلوماً، يشكو لهما ظلم هذه الأمة وعسف طغاتها وحكامها الجبابرة المتكبرين.
    الإمام العسكري (ع) شهيد القرآن

    فالذي يدرس تلك الحياة القصيرة لسيدنا ومولانا وإمامنا العسكري (ع) يجده أنه قضاها في القرآن وهو القرآن الناطق، لتعليمه، وتفسيره، وتأويله فهو بحق شهيد القرآن الحكيم، إذ أنه كان يُدافع عن القرآن الصامت بكل مناسبة، لا سيما عندما كان يتصدى أهل الفلسفة والعقليات لمثل عمل الكندي لعلمه سلام الله عليه أن لهؤلاء تأثيراً في طلابهم ومدارسهم فحاول جاهداً أن يُبعد الدِّين وكتاب رب العالمين عن أولئك يقول سيدنا ومولانا في ذلك: (سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة متكدرة، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، لا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض، لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنهم من أهل العدول والتحريف، يبالغون في حب مخالفينا، ويضلون شيعتنا وموالينا، إن نالوا منصباً لم يشبعوا عن الرشاء، وإن خذوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين، والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمَنْ أدركهم فليحذرهم، وليصن دينه وإيمانه).
    فالعالِم في فكر ومدرسة أهل البيت الأطهار (ع) يجب أن ينقذ عقائد الناس ويُثبتها لا أن يخرج الناس من دينها ويزلزل فيها عقائدها، ففي حديث رائع جداً يُسند إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: (العالِم كمَنْ معه شمعة تُضيء للناس، فكل مَنْ أبصر شمعته دعا له بخير، كذلك العالِم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة، فكل مَنْ أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار، والله يعوِّضه عن ذلك بكل شعرة لمَنْ أعتقه ما هو أفضل له من الصَّدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الذي أمر الله عز وجل به، بل تلك الصَّدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة).
    فما أحرانا أن نقتدي بهذا الإمام الهمام الذي هو قدوة وأسوة في تعليم وتعلم وتفسير القرآن الحكيم في هذا العصر الذي تكالبت فيه الدنيا علينا وجاءنا الأعداء من كل حدب وصوب يريدون أن يخرجوا الأمة وأجيالها من دينها.
    شبكة النبا



    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X