بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[1].
الباري عز وجل يوجّه خطابا للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، ودلالاته تشير إلى أنّ فئة من الناس لو كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يدعوهم إلى [غنيمة] عسكرية قريبة إليهم لاستجابوا له، ولكن بما أن ساحة المعركة بعيدة حينئذ لا أمل في إجابتهم.
لذلك نجدهم يحلفون بالله بأنهم لو استطاعوا ذلك، لساهموا في المعركة. وقد ورد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، قَالَ: أَكْذَبَهُمُ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا﴾، وَقَدْ كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ لِلْخُرُوجِ))[2].
والآية القرآنية، لم تقل لنا مباشرة أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يدعو هذه الفئة إلى الاشتراك في إحدى المعارك وهي [معركة تبوك] البعيدة عن عاصمة الإسلاميين، بل أن المتلقي [المستمع أو القارئ] يستخلص ذلك من خلال الحوار الفنيّ الذي صيغ بنحو تتكشف من خلاله طبيعة الأحداث، حيث نجد أن الحوار المذكور ينطوي على خطاب من الله تعالى للنبيّ يقول له ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾، حيث نستنتج واقعة سابقة قد حذفها الحوار هي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد حثّ جماعة على القتال. كما أن هذه الجماعة لا تزال غير محددة في ذهن المتلقّي، لكن ما أن نتابع الخطاب حتى نستكشف تدريجا هوية الفئة المذكورة.
هنا سوف نتابع الوقوف على سمات هذه الفئة المنحرفة دون أن نقرن ذلك بالحديث عن الصياغة الفنية للنص نظرا لانطواء كل آية بما تتضمنه من حوار أو رسم شخصية على مادة غنيّة من سمات الفن فيما يتطلب الوقوف عليها جهدا يصرفنا عن إلقاء الإنارة على الهيكل العام للسورة حيث نحرص على إبراز هذا الجانب العماري منها فحسب.
ومهما كان، فإن أوّل رسم لسمات هذه الجماعة، متمثلا في كونهم سوف يستجيبون لنداء النبيّ في حالة كون المعركة لا تكلّفهم أدنى جهد بقدر ما يفيدون منها في كسب الغنائم الحربية مثلا. ومن هذا الرسم، نستخلص أن هذه الجماعة تنتسب إلى [المنافقين] بصفة أن [النفعية] هي السمة المميّزة للنفاق. صحيح أن ظاهرة [جر المنفعة] تطبع غالبية الفئات المنحرفة، إلا أن تكثيف الكلام عليها والبدء بذكرها، ثم متابعة ذلك بمزيد من إلقاء الضوء عليها يكشف لنا أو لا أقل يجعلنا نتبين فنيا بأن الجماعة المذكورة تنتسب إلى [النفاق] خاصة أن النص ذكر لنا مباشرة بأنهم ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ﴾، قائلين: ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾، حيث أن (الحلف) بالله يفصح عن كون الشخصية تظهر شيئا وتستبطن شيئا آخر وهي سمة [النفاق]، فهؤلاء يظهرون أو يفتعلون سمة الإيمان من خلال حلفهم بالله تعالى، ومن خلال ادعائهم بأنهم لو استطاعوا المساهمة في القتال لفعلوا، في حين يبطنون الكفر من خلال لهاثهم وراء جر المنفعة، فحسب تبعا لأعماقهم التي فضحها الله بقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ﴾ .
إذن، نستخلص أنّ هذه الفئة التي بدأ النص القرآني الكريم بعرض سماتها بهذا النحو أنها فئة [المنافقين].
بل أن الآية التي عاتبت النبيّ (صلى الله عليه وآله) على سماحه لهم بعدم المشاركة تكشف بما لا لبس فيه بأن [النفاق] هو الطابع الذي يسم هذه الجماعة.
فقال الله تعالى في الآية اللاحقة: ﴿عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾[3].
واضح، أن [الكذب] هو المظهر التعبيري الكاشف عن [النفاق] حيث طلب الله تعالى من النبيّ أن يفرز الكاذب عن الصادق في ادعائه، أي الكاذب عدم استطاعته المشاركة في القتال.
[1] سورة التوبة، الآية: 40.
[2] التوحيد للصدوق، ص 351.
[3] سورة التوبة، الآية: 43.