بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لنعش الفرح الإيجابي
يقول الله تعالى في كتابه المجيد وهو يتحدث عن "قارون" مما خاطبه به قومه: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين* وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.
نستوحي في هذه الآيات الكريمة مفهوم الفرح السلبي الذي لا يحبه الله، كما أننا نستوحي من آية أخرى الفرح الإيجابي الذي يحبه الله، وهو قوله تعالى: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، وقوله تعالى عن الشهداء: {فرحين بما آتاهم الله من فضله}، وهكذا يريد الإسلام للإنسان أن يعيش الفرح في كل وجوده؛ الفرح العقلي بالحق، والفرح القلبي بالمحبة، والفرح الحركي العملي بالخير، ليكون الإنسان في كل عناصر شخصيته إنساناً عاملاً على أساس أن يعيش الناس في سعادة روحية واجتماعية وعملية، لأن هذا هو الفرح المتجذّر في النفس.
فأنت عندما تفرح برضى الله عنك، فإن هذا الفرح سوف يملأ دنياك وآخرتك، لأنّ الله تعالى هو الذي يرفعك برضاه إلى مواقع القرب إليه، في الدرجات العالية، وهو الذي يُسبغ عليك من لطفه وفضله في الدنيا والآخرة، لأنه الغني كل الغنى، وقد جاء في القرآن الكريم أن رضى الله أعظم من الجنة، وذلك في قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}، لأن هذا الإحساس برضى الله يجعلك تشعر بالسعادة القصوى التي ما بعدها سعادة.
إن الإنسان عندما يفرح بالفكر الحق الذي ينتجه عقله، فلأن هذا الفكر الحق هو الذي يبقى مع الإنسان في كل حياته، فيهديه إلى الصراط المستقيم، ويسدِّد خطواته، وعندما يعيش الفرح بالمحبة، ينفتح قلبه على الناس كلهم؛ على الذين يلتقون معه ليتعاون معهم، وعلى الذين يختلفون معه ليحاورهم ويخطط من أجل هدايتهم. وهكذا، عندما يعيش الفرح بالخير الذي يعمل هو لأجله أو يقوم به غيره، وبالعدل الذي يتحرك في كل مواقع الحياة... إن هذا الفرح الروحي الإنساني هو الذي يمنح الحياة سلاماً والإنسان وحدةً، بحيث لا يعيش العقدة في نفسه، بل يعيش نفساً رحبة منفتحة على العالم كله، وقمة الفرح هي الفرح بالله تعالى، لأن الله سبحانه هو سر الوجود كله وسر الحياة كلها، وهذا ما جاء في كلمة النبي (ص) عندما اضطهده قومه في مسيرته للطائف فقال: "إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي"، وهذا ما ردَّده أيضاً الإمام الحسين (ع) عندما استقبل دم ولده عبدالله الرضيع، فقال: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"، وقد أُنشد على لسانه وهو في آخر لحظات حياته في استشهاده:
تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك
فلو قطعتنـي بالحب إربـاً لما مال الفؤاد إلى سواك
فـرح الآخـرة
وقد جاء عن علي (ع) وهو يعظ الناس ويبيّن بماذا يفرحون وبماذا لا يفرحون، يقول (ع): "ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه ـ إذا حصل الإنسان على مكسب أو مال أو جاه، فإنه يفرح به ـ ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه؟"، فهناك الكثير من أعمال الآخرة التي ترفعكم عند الله تفوتكم، ومع ذلك فإنكم لا تشعرون بالخسارة!! ولذلك يجب على الإنسان أن يهتمّ بما يبقى له للآخرة لأنها هي دار البقاء، ولا يهتم كثيراً بما يحصل عليه في الدنيا، لأنه سيفارقه وهو في الدنيا أو عندما يفارقها.
إدخال السرور على المكروبين
وقد كان علي (ع) يطلب من الناس أن يهتموا بإدخال السرور على المكروبين والحزانى والذين يعيشون الأزمات في أكثر من جانب من جوانب حياتهم، وعلى أصحاب الحاجات، فعلينا أن نعمل من أجل أن نرفع ذلك عنهم، أن ندخل السرور عليهم بدلاً من الحزن الذي يعيشونه، وبذلك يعطينا الله تعالى الأجر في الدنيا والآخرة، فيقول (ع): "يا كميل، مرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا ـ السير في الليل ـ في حاجة من هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نابته نائبة جرى إليها كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل".
وجاء في بعض الأحاديث الواردة عن النبي (ص): "من سرَّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله تعالى"، وورد في بعض الأحاديث، أنه إذا وُضع الإنسان في قبره تمثَّل له مثال، فيقول له: "من أنت وقد فارقني كل أهلي وأصحابي؟ فيقول: أنا ذلك السرور الذي أودعته قلب فلان المؤمن، خلقني الله لأكون معك في قبرك وحشرك، فلا أزال بك حتى أُدخلك الجنة".
الله لا يحب الفرح السلبي
من هنا نفهم كيفية الفرح المعنوي والإنساني الذي يتمثَّل بفعل الخير والحق والعدل بما يعطي الحياة غنى، أما الفرح بالمال كما كان قارون ـ وما أكثر "القوارين" عندنا، الذين يرون القيمة كل القيمة والسعادة كل السعادة بالمال ـ فإن المال يذهب، وهو ليس أكثر من حاجة تستهلكها وأنت في الدنيا، أو تخلّفها وراءك بعد أن تموت، ولكن الذي يبقى هو السعادة كل السعادة.
وقد كان قارون من قوم موسى(ع)، ولكنه بغى على قومه واعتدى عليهم عندما أصبح من أصحاب الأموال ـ والكثيرون من أصحاب الأموال يحملهم المال على التكبر والطغيان على الآخرين، ولذلك يُدخلون الآلام والمآسي على الناس ـ فقال له قومه: {لا تفرح ـ لا تبطر بما أعطاك الله من مال، ولا تتكبر وتزهو إعجاباً بنفسك ـ إن الله لا يحب الفرحين ـ بل يحب المتواضعين الواقعيين الذين ينظرون إلى جوهر الأمور وحقيقتها ـ وابتغ في ما آتاك الله ـ فهذا المال من عند الله الذي منحك العقل والعينين واللسان والرجلين واليدين الذين استعملتهم في تحصيل هذا المال ـ الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ـ أن تتوازن بين حاجات الدنيا في مأكلك ومشربك ولباسك وبين تحصيل رضى الله في الآخرة ـ وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ـ فلا تفسد حياة الناس واقتصادهم وسياستهم وثقافتهم ـ إن الله لا يحب المفسدين ـ لكنه بقي على استكباره ـ قال إنما أوتيته على علم عندي... فخسفنا به وبداره الأرض}.
أيُّها الأحبة، إنّ الحياة فرصة منحنا الله سبحانه وتعالى إياها لنفتح قلوب الناس على الحب، وحياتهم على الخير، وأجواءهم على الفرح، لنفرّح عيالنا والناس المتألمين الحزانى وأصحاب الحاجات، ونفرّح الأسرى بالدعاء لهم والسعي من أجل أن يفرّج الله عنهم، أن ننشر الفرح في الناس: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، لأن الله يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً}.
نسأل الله تعالى أن يمنحنا فرح الروح والعقل والقلب والعمل والمسؤولية، حتى نقدم عليه سبحانه ونحصل على فرح رضوانه، وذلك هو الفرح الأكبر.